مخارج العراق من مآزقه.. رؤية وطنية

04 ديسمبر 2014

حيدر العبادي وجون كيري في مقر الناتو في بروكسل(3ديسمبر/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

يحاول ساسة العراق، بعد إعلان نوري المالكي تخليه عن رئاسة الوزراء، لصالح رفيقه في حزب الدعوة وفي ائتلاف دولة القانون، حيدر العبادي، إجراء سلسلة من الإصلاحات السياسية والأمنية، في محاولة لترميم الأوضاع العراقية، الداخلية بشكل أساسي، ومن ثم محاولة إعادة مد الجسور مع دول العالم، وتحديدا دول الجوار العراقي التي فقدت حكومة المالكي تقريبا أي فرصة لوضعها بشكلها الدبلوماسي الطبيعي، لأسباب كثيرة، كان من أهمها، بحسب الظاهر من الأحداث، قصر نظر الإدارة العراقية التي راهنت على الخيار الإيراني خياراً استراتيجياً، شعرت، من خلاله، بضآلة أهمية الدول الإقليمية الأخرى. إضافة إلى عدم خبرة أي من العاملين في الرئاسات الثلاث حينها، وتحديداً رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، بأبجديات التعامل السياسي الدبلوماسي، ومعنى المصالح المشتركة في العلاقات الدولية.

جاء العبادي، وكانت أولى تصريحاته تدل على رغبة في الإصلاح الداخلي، كما كانت تشير، بوضوح، إلى ترميم العلاقات مع الدول العربية في المحيط العراقي، وخاصة المملكة العربية السعودية التي كانت أكثر الدول فرحاً بإزاحة المالكي، ولأن الجميع يعلم أنه لا يمكن لحاكم عراقي بعد احتلال العراق عام 2003، أن يتحرك بأي اتجاه سيادي، من دون التنسيق الكامل مع طهران. فقد كانت أول زيارة رسمية للعبادي إلى إيران، والتي يبدو أنها شرحت له ما يمكن للعراق عمله، في الفترة الحالية والمستقبل القريب جداً، من أجل إبقاء الهيمنة المطلقة لقوى "الثورة الإيرانية"؛ وهي (العراق وسورية وحزب الله والحوثيون، وقوى أخرى متسترة بشعارات رمزية، موجودة في البحرين وشرق المملكة العربية السعودية)، هذه الهيمنة التي تأثرت كثيراً ببروز تنظيم الدولة الإسلامية وثورة السنّة في العراق، وتضاؤل دور الجيش والقوى الأمنية في العراق، بما يعني احتمالية عودة الوجود الأميركي إلى هذا البلد. وهي أمور كلها تعني الإرباك والفوضى لمشروع إيران "الثورة"، بعدما ظنت أنها تمكنت، بشكل شبه تام، من مسك أطراف الإقليم من بحر العرب وحتى البحر الأبيض المتوسط.

عاد العبادي وهو محمل برغبة مشتركة، منه شخصياً ومن القيادة الإيرانية، من أجل معالجة موضوع السنّة بطريقة سريعة، لكنها غير جذرية، ثم فتح صفحة جديدة من العلاقة مع إقليم كردستان، تتيح له أخذ أنفاسه، والتحرك بالتنسيق مع قواتها (البشمركة)، من أجل إعادة المناطق التي سيطر عليها مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية، منعا أو تأخيراً لقرار أميركي، تتجنبه طهران كثيراً، يتعلق بالتدخل المباشر في العراق، وقد فعل العبادي ذلك فعلاً، حيث اجتمع خلال عودته من طهران بشيوخ من عشائر الأنبار (السنّة) في عمّان. وحال عودته إلى العراق، باشر موضوع حل مشكلات الإقليم الكردي، من خلال إطلاق مستحقات مالية للإقليم كان المالكي قد أوقفها، واستكمالاً لما خطط له لتغيير الأوضاع الداخلية في العراق، فقد بدأ العبادي حملة تطهير داخل قيادات الجيش ووزارة الداخلية والقضاء، وما زال مستمراً في محاولة إرسال رسائل للعراقيين، بأن عهده عهد إصلاح وتغيير، وأنه سيتمكن من إخراج العراق وشعب العراق مما علق فيهم من مصائب وويلات، هي في حقيقة الأمر، لم تزل موجودة، ولم يتغير من واقعها شيء، فيما يمس أمن وحياة ووجود العراقي في أي مكان من أرض العراق الكبير.

سيتحرك العبادي قريباً صوب البيت العربي، وربما سيذهب إلى السعودية والإمارات والكويت، وسيسمع الأشقاء هناك كلاماً جميلاً، ووعودا أجمل، هو صادق فيها بحدود التمني. ذاك أن على الوجود العربي في العراق محاذير إيرانية كثيرة، وإن كانت الحاجة تقتضي تحييد مواقف عربية بعينها، تجاه العراق (إيران)، الآن، للأسباب التي ذكرناها آنفا، وذلك لا يعني أن يهدم العبادي كل ما قام به المالكي من إنجازات، تتعلق بمد البساط الأحمر للهيمنة الإيرانية في العراق، خصوصاً إذا ما اقتنع العبادي بأن لا شيء يعادل الدور الإيراني منعة وملكة وقوة للعراق!

في مقابل ما يجري من نقاشات سياسيةٍ بين الرئاسات الثلاث ومعاونيها، حول ضرورة إجراء متغيرات ملموسة في العراق، فإن ائتلاف دولة القانون الذي يرأسه نوري المالكي، يرى، ويضغط، بالرأي القائل إن كل مشكلات العراق الأمنية والاجتماعية والسياسية وغيرها، مصدرها من دول خارجية، وغالباً ما كان المالكي يشير إلى السعودية وقطر، محركيْن رئيسيين للأوضاع في العراق! لكنه، في حقيقة الأمر، لم يحاول المالكي أن يجعل العراق عربياً، أو يفتح بواباته للعرب، أما العبادي فلديه محاولات سيسعى إلى تنفيذها، لأكثر من سبب، أولها الوضع الداخلي العراقي الذي بات، فيما يبدو، وعلى غير ما تتناقله وسائل الإعلام، خارجاً عن السيطرة إلى حد كبير.

فرصة رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، كبيرة فعلاً، فيما لو كان سعيه جاداً نحو الإصلاح. والإصلاح، هنا، يجب أن يكون مفصولاً بين ملفات الداخل والخارج، فبعضها هو نتاج للآخر. وعليه، يجب أن يكون خط الشروع نحو معالجتها واحدا. وبالتأكيد، فإن الأطراف كافة، عندما تشعر بجدية العراق في معالجة أزماته، وصدق نياته في رأب الصدع مع جيرانه، ستتولد لديهم قناعات جديدة، تدعمها صورة العبادي غير المشوشة حتى الآن، وسيكونون مستعدين للتعامل بمرونة، وربما بتنازلات تخدم جميع الأطراف، وتعيد موازين القوى في العراق والمنطقة إلى وضعها الطبيعي.

العراق مطالب ببيان حاجته لأشقائه العرب وغير العرب (تركيا)، وعليه أن يخلق مصالح دولية، من شأنها أن تحوّل علاقاته معهم إلى الوضع الطبيعي الذي يفضي إلى حرص منهم على وحدة العراق وأمنه، وعدم العبث بأمنه واستقراره، كما حدث مع إقليم كردستان العراق، بالضبط، عندما حاولت قوى تنظيم الدولة الإسلامية التقرّب من حدود عاصمته أربيل. وعلى هذا الأساس، يمكن أن تكون جميع دول العالم صديقة متشاركة وفاعلة في العراق، بدءا من الولايات المتحدة التي تحتاج، أكثر من غيرها، إلى إدارة عراقية، تحسن إقامة علاقات مشتركة مسؤولة معها، وانتهاءً بإيران صاحبة النفوذ غير المشذب في بلاد الرافدين، مروراً بدول العالم الأخرى.

العبادي وكل ساسة العراق مسؤولون عن الأوضاع السلبية التي تعصف بهذا البلد وشعبه. وبدل أن يجعلوا من بلادهم ساحة لتصفية الحسابات بين طهران وعواصم عربية وإسلامية عديدة، عليهم أن يطبعوا علاقاتهم مع الجميع. فالعراق، شاء من شاء وأبى من أبى، بلد عربي الانتماء، وعربي الجذور التاريخية، كما هو كردي وتركماني، يمتد في جغرافيته إلى العمق الشمالي الغربي لإيران، وكذا الحال بالنسبة لتركيا، ولا يمكن لأي حاكم، أو قوة، أن تجعله يدور في فلك أي دولة، لتجتثه من واقعه الجغرافي والتاريخي والعقائدي. وفي الداخل، عليهم أن يعاملوا جميع العراقيين كعراقيين. وعليهم أن يعيدوا كتابة الدستور لحذف كل مادة يمكن أن يرتكز عليها لإحداث الفرقة بينهم. عليهم أن يقيموا علاقات متوازنة مع إقليم كردستان العراق، ودعم قيادته وشعبنا الكردي هناك، ليكون واجهة العراق الجميلة، بما يبعدهم تماما عن التفكير بالانفصال، ليخرج من لم تلطخ يده بدماء العراقيين وأموالهم وأعراضهم من السجون، وليعطى كل ذي حق حقه. فالعراق كبير، ويحتاج إلى موقف كبير ليعود، بشعبه ومواقفه، إلى موقعه المفروض في العلاقات الدولية والإقليمية.

F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن