ترامب .. الرئاسة أو الدمار

13 مايو 2020
+ الخط -
وجد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، نفسَه في موقف حرج، حيث بات احتمال ضياع فرصة الفوز بفترة رئاسية ثانية، في الانتخابات المقرّرة في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الجاري، كبيرا، في ضوء تراجع شعبيته على خلفية تآكل المكاسب الاقتصادية التي حققها في السنوات الثلاث الماضية، والتي اعتبرت إنجاز ولايته الرئاسية الوحيد وأيقونة سياساته التي يتغنّى بها. كانت خطته الانتخابية تقتضي بناء حملة إعادة انتخابه على دعائم "الاقتصاد القوي" و"انخفاض معدلات البطالة" و"حافظات الاستثمار القوية" التي تحققت في ولايته الأولى؛ غير أن انتشار فيروس كوفيد 19، والإغلاق العام، والارتفاع الكبير في طلبات إعانة البطالة، وعدد الإصابات والوفيات الكبير، دمّرت مخططه؛ ما دفعه إلى التحرّك على مستويين، داخلي وخارجي: الأول قاعدته إثارة مشكلاتٍ وفتح ملفات خلافية مع الديمقراطيين بشأن انتشار الوباء والإغلاق وأثره على الاقتصاد ومعيشة شريحة واسعة من الأميركيين، لمنعهم من استثمار التعثر الاقتصادي الحاصل ضده ومنع إعادة انتخابه. والثاني خوض مواجهاتٍ مع دول وقوى منظّمة موضوعة في خانة أعداء الولايات المتحدة، دفاعا عمّا يعتبره مصالح أميركية مهدّدة، والسعي إلى تحقيق انجازاتٍ تمنحه فرصا لاستعادة شعبيته. 
اتسم تعاطي ترامب مع وباء كورونا بالتقلب والارتباك، فبعد أن استخفّ به، وقلل من خطورته واعتبره مثل نزلة البرد والإنفلونزا الشتوية؛ وأنه سرعان ما يرحل مع الربيع والدفء، عاد، في ضوء ارتفاع عدد الإصابات والوفيات، وغيّر موقفه بالحديث عن خطورته، وأنه أدرك ذلك مبكرا، وذهب إلى تحميل الآخرين مسؤولية تأخّر تحرّكه ضد الوباء، باتهام أجهزة الأمن الأميركية بعدم إبلاغه عن المرض واحتمال انتشار الوباء في جميع أنحاء البلاد إلا بعد فوات الأوان، وأطلق تقديراتٍ متعارضة عن قرب السيطرة عليه باكتشاف لقاحٍ مناسبٍ تارة، والدعوة إلى استخدام حبوب "هيدروكسي كلوروكوين"، الخاصة بمعالجة الملاريا، مرة أخرى، إلى الدعوة إلى حقن المصابين بالمعقمات تارة ثالثة، ولم يتقبل تصويب مواقفه أو الاعتراض على سياسة وزارة الصحة في التعاطي مع المرض وسبل مواجهته؛ وأقال من خالفه، مثل مدير هيئة البحث والتطوير الطبي الحيوي المتقدّم (باردا)، ريك برايت. ولمّا اضطر، تحت ضغط عدد الإصابات والوفيات، لإغلاق البلد، اكتشف هول المأزق الذي وقع فيه نتيجة تحديد خياراته بين حدّين 
ضارّين: الإغلاق ومواجهة تبعاته الاقتصادية والمعيشية، والفتح ومواجهة تصاعد عدد الإصابات والوفيات. أغلق البلد وقرّر تقديم مساعدات اجتماعية للعاطلين، بلغ عدد الذين سعوا إلى الحصول على تأمين ضد البطالة ثلاثين مليون شخص، وللشركات الصغيرة والمتوسطة لحمايتها من الإفلاس، لم يفوّت ترامب المناسبة من دون وضع لمساته "الطريفة" عليها، حيث طلب طباعة عبارة "صُرف بقرار من الرئيس" على الشيكات التي قدّمت للأفراد والشركات، في موقفٍ يذكّر بمكرمات حكام الدول العربية، وقدّم دعما كبيرا لشركات الأدوية التي يمتلكها جمهوريون، ولمّا ظهر أن الطلب على الدعم كبير، حيث هناك ستة ملايين شركة صغيرة تحتاجه، وحجم المبالغ المطلوبة لدعم الأفراد والشركات ضخم، بدأ بالدعوة إلى فتح البلد، وترويج أن الديمقراطيين يريدون الإبقاء على الإغلاق من أجل منعه من الفوز بالانتخابات. ولمّا كان قرار الفتح من صلاحيات حكام الولايات والمناطق، فقد حرّض قاعدته الانتخابية للضغط على الرافضين من هؤلاء لإجبارهم على فتح الولايات والمناطق، فخرجت تظاهراتٌ تنادي بفتح البلد، خصوصا في الأرياف، علما أن معظم الإصابات والوفيات والخسائر الاقتصادية الكبيرة تقع في المدن، المدن الكبيرة غالبا. وكان لافتا بروز ميل لدى المتظاهرين إلى استخدام القوة واستعراض السلاح، ما أثار مخاوف من انفجار حربٍ أهليةٍ بين الريف والمدن.
لم تنجح دعوة الفتح في تحقيق أغلبية في الرأي العام، على الرغم من وجود تململ واسع من الإغلاق، فالخوف من استفحال المرض كبير، خصوصا بعد وصوله إلى البيت الأبيض، وإصابة عسكري من موكب مرافقة الرئيس والمتحدثة باسم نائب الرئيس مايك بنس، والحجْر على ثلاثة من كبار أعضاء خلية الأزمة التي شكلها البيت الأبيض لتنسيق جهود مكافحة الوباء، هم خبير علم الأوبئة أنطوني فاوتشي الذي يقدّم النصائح لترامب يوميا، ومدير مركز الوقاية من الأمراض المعدية، روبرت ريدفيلد، ورئيس إدارة الدواء والغذاء، ستيفن هان، ووفاة ما بين 1500 و2000 مواطن يوميا، ووجود تقدير علمي بحصول موجة ثانية من الوباء في الخريف المقبل.
وقد تجسّد تحرك ترامب الخارجي، السياسي والدبلوماسي والميداني، واسع النطاق بقراراتٍ ومواقف عديدة، مع رفع السقف في أكثر من ملف وأكثر من إقليم، من أمره البحرية الأميركية بتدمير أية زوارق إيرانية تتحرّش بالسفن الأميركية في الخليج، إلى استخدامه حق النقض (الفيتو) ضدّ قرار الكونغرس الحدّ من صلاحيات الرئيس في القيام بعمل عسكري ضدّ إيران، إلى الدعوة إلى خروج إيران من سورية، وتأييد التصعيد الإسرائيلي ضد الوجود الإيراني فيها، والتلويح لروسيا بمباركة وجود روسي طويل في سورية في مقابل العمل على إخراج إيران منها، ودعوة مجلس الأمن الدولي إلى تمديد حظر بيع الأسلحة لإيران، إلى تأييد موقف تركيا في إدلب، وتمديد العقوبات على النظام السوري ومنع تأهيله عربيا ودوليا، والإعلان عن بدء سريان قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية بقوة في الشهر المقبل (يونيو/ حزيران) ضدّ النظام السوري وداعميه، وإرسال تعزيزاتٍ عسكريةٍ ضخمة من العراق إلى شرق الفرات في سورية، إلى الاحتكاك السياسي والميداني مع الصين في أكثر من ملف، من قضية السيطرة على بحر الصين 
الجنوبي، تغطي مساحته أكثر من ثلاثة ملايين كيلومتر مربع ويحتوي على 22 مليار برميل من النفط و290 تريليون قدم مكعبة من الغاز، ويمر منه خمس التجارة الدولية، بإرسال قطع بحرية إلى هناك، للتأكيد على أن البحر ممر دولي للجميع، إلى اتهام الصين بتخليق فيروس كوفيد 19، الفيروس الصيني، وفق ترامب، والتسبب بانتشار وباء كورونا، علما أن بيانا صادرا عن مكتب مدير الاستخبارات الوطنية، ريتشارد غرينيل، قال إن "الاستخبارات تتفق أيضاً مع الإجماع العلمي الواسع على أن الفيروس لم يكن من صنع الإنسان أو معدّلاً وراثياً"، والمطالبة بإجراء تحقيق دولي بتفتيش مختبرات ووهان لكشف الحقيقة، والتلويح باتخاذ إجراءات عقابية ضدها، والسعي إلى استثمار المزاج الشعبي السلبي ضد الصين، باعتبارها مصدر الفيروس، بإعلان ترامب أن الصين قالت إنها ستفعل المستحيل كي تمنع إعادة انتخابه، واتهام منظمة الصحة العالمية بالتواطؤ مع الصين؛ والتأخر في تحذير العالم من تداعيات "كوفيد 19"، وهو ما نفاه ريك برايت، المدير المعزول لهيئة البحث والتطوير الطبي الحيوي المتقدم (باردا) بقوله: "المنظمة قدّمت إيجازاً للمسؤولين الأميركيين، وغيرهم، حول الفيروس، خلال اجتماعٍ عبر الهاتف عُقد يوم 25 يناير/ كانون الثاني". ولخص مضمون إيجاز المنظّمة بـ "أنّ تفشي الوباء مشكلة كبيرة"، وقطع المساهمة الأميركية بتمويلها، إلى الضغط على روسيا والسعودية لوقف حرب النفط للحد من انعكاس انهيار سعر النفط على شركات النفط الصخري الأميركية والضغط على السعودية لتخفيض إنتاجها من النفط للمساعدة على رفع الأسعار، بحيث يصبح استخراج النفط الصخري مجدياً اقتصادياً، إلى إرسال سلاح البحرية الأميركية أربعا من سفنه الحربية للإبحار في بحر بارنتس، على مقربة من المياه الإقليمية الروسية، للتأكيد على حرية الملاحة في المحيط المتجمّد الشمالي، والمشاركة في محاولة انقلاب فاشلة في فنزويلا، وتأييد رغبة إسرائيل في ضم أجزاء من الضفة الغربية وغور الأردن؛ ودعوة إسرائيل إلى التعجيل باتخاذ القرار للاعتراف به "خلال أسابيع"، وفق تصريح السفير الأميركي لدى إسرائيل، ديفيد فريدمان، والذهاب إلى درجة الاصطدام بالحلفاء مثل المملكة المتحدة حول اتفاقها مع شركة هواوي الصينية لتمديد شبكة الجيل الخامس فيها؛ بذريعة تأثيرها على القواعد الأميركية هناك، وعلى طائرات التجسس الاستطلاعية المتطورة للغاية من طراز "آر سي - 135 سي" التي تعمل انطلاقاً من قاعدة سلاح الجو الملكي في مدينة "ميلدنهال" في "ساسيكس"، قرابة خمسمائة جندي أميركي يشغلون ست طائرات انطلاقاً من القاعدة، كجزءٍ من العمليات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، والإعلان عن درس سحب القوات الأميركية من المملكة المتحدة، بحدود عشرة آلاف جندي في ست قواعد وعشرات المركبات العسكرية، وعمليات أجهزة المخابرات، وبحث مدى ضرورة وقف أنشطة الاستخبارات السرية التي تنطلق من بريطانيا.. إلخ. مواقف وإجراءات كثيفة ومتلاحقة حصلت في أقل من شهر.
يبدو ترامب المتمسك بالفوز بفترة رئاسية ثانية مستعدا للذهاب بعيدا من أجل تحقيق هدفه، بما في ذلك إشعال حرب أهلية والدخول في مواجهة ساخنة مع الصين، بعد أن اعتبرت تهديدا للولايات المتحدة.
6CA590C2-8659-4A0A-A922-01E9ECC0A639
علي العبدالله

كاتب سوري