21 يوليو 2024
الأزمة الليبية وهواجس التونسيين
إزاء تصاعد التطورات المسجلة في الشأن الليبي، على مستوى التعقيدات الميدانية وتصريحات مختلف الأطراف المتدخلة، والتي تجمع على مزيد التأزم والتوتر واللااستقرار، تتزايد هواجس التونسيين من انعكاسات قيام حرب على الأراضي الليبية على تونس، بلد الجوار الأول، والذي تمتد حدوده معه على مدى 500 كيلومتر. ويستحضر التونسيون تداعيات ما حصل إبّان الثورة الليبية.
تؤكد مؤشّرات عديدة هذا التوجس، أهمها إعلان الحكومة التونسية عن الاستنفار الأمني والعسكري في المسالك البرية والصحراوية، ورفع حالة التأهب في المعابر وثلاث مدن حدودية، فقد أكدت معطيات رسمية نشرتها الصحافة التونسية حالة التأهب القصوى، خصوصا على
مستوى معبري راس الجدير ووازن، وفي محافظتي تطاوين ومدنين. كما كان لقصف المدرسة العسكرية في طرابلس ومقتل 30 ليبيا في غارة جوية من طيران اللواء المتقاعد، المتمرد، خليفة حفتر، أثر بالغ في رفع حالة التأهب هذه، والتي اتسمت بنشر وحداتٍ أمنيةٍ من الحرس الحدودي والجيش الوطني على كامل الشريط الحدودي، إضافة إلى ما رشح من أخبار شبه مؤكدة من نشر أعوانٍ بالزي المدني في مراكز حدودية حسّاسة فيما سمي جهازا استخباراتيا. وقد شهد الوضع الميداني إجراءاتٍ مشتركة بين الإدارة العامة للحرس الوطني والجهاز العام للجمارك التونسية والجيش ووحدات مقاومة الإرهاب، تهدف إلى حماية التراب التونسي والوقوف دون عبور النازحين الحدود من الداخل الليبي، علاوة على ما لوحظ من إجراءات مشدّدة على التونسيين المتجهين إلى ليبيا أو الليبيين القادمين إلى تونس. كما أعلن عن وضع خطة استثنائية للطوارئ على مستوى المستشفى الجهوي في مدينة بنقردان الحدودية، حيث أعلنت وزارة الصحة التونسية أنها اتخذت تدابير استثنائية في مؤسساتٍ صحية متاخمة للحدود الليبية التونسية، تحسّبا لتداعيات الوضع. ومن جهة أخرى، دعا المرصد التونسي لحقوق الإنسان الجهات التونسية، سلطاتٍ ومجتمعا مدنيا، إلى توفير ما يلزم من المساعدات العاجلة للتونسيين المتواجدين في ليبيا، وخصوصا للعالقين منهم داخل المدن الليبية.
على الصعيد الديبلوماسي، تأكد رسميا تغييب تونس من الدول المدعوة للمشاركة في مؤتمر برلين الذي سينعقد لمناقشة الأزمة الليبية، فقد رأت جهات إعلامية وديبلوماسية أن تونس تلقت "صفعة ديبلوماسية" بعد دعوة المستشارة الألمانية، ميركل، الجزائر إلى حضور المؤتمر برلين، واكتفائها بالاتصال هاتفيا بالرئيس قيس سعيد لدعوته إلى زيارة ألمانيا خارج إطار الأجندات الهامة". حيث أفادت الصفحة الرسمية للرئاسة التونسية بأن فحوى الاتصال الهاتفي بين ميركل وسعيد تعرّض لكل شيء باستثناء مؤتمر برلين، في حين تمسّكت الجزائر بالحضور، وفرضت ذلك على الجانب الألماني، وأكدت الرئاسة الجزائرية، الاثنين 6 يناير/ كانون الثاني الجاري، تلقي الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، دعوة رسمية لحضور مؤتمر برلين، في إطار المساعي الألمانية لنسج مبادرة تجمع الفرقاء الليبيين باتجاه إيجاد حل سياسي لهذه الأزمة، على غرار مبادرة مماثلة قامت بها ألمانيا حين جمعت الفرقاء في أفغانستان في مجلس "اللويا جيرغا" لحل الأزمة الأفغانية، وهو المجلس الذي وضع الدستور الأفغاني الحالي. وفي هذا السياق، ذكرت مصادر ديبلوماسية في تونس أن مساعي الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، التي وعد بها خلال زيارته تونس من أجل إقناع بوتين الرئيس الروسي وميركل بدعوة تونس إلى مؤتمر برلين لم تفلح، وكان أردوغان قد وعد بهذه المساعي خلال ندوته الصحافية مع قيس سعيد. ومما زاد في غموض الوضع وضبابيته غياب أية خطة ميدانية في ظل تطور الوضع العسكري لمجابهة عودة العمالة التونسية الموجودة حاليا في ليبيا، والتي تضم في بعض المدن الليبية، الزاوية وزوارة وصبراطة مثلا، حوالي 90% من مجموع العمالة الناشطة في ليبيا. وينتظر أن يكون الملف الليبي موضع بحث خلال جلسات استماع دعا إليها البرلمان التونسي رئاسة الجمهورية ووزارتي الدفاع والداخلية، حيث عبرت لجنة الأمن والدفاع في البرلمان خلال جلستها، الاثنين 6 يناير / كانون الثاني، عن انشغال كبير بالأوضاع في ليبيا وانعكاساتها على التونسيين في ليبيا وعلى تونس إجمالا.
وفي قراءة للراهن الديبلوماسي التونسي إزاء هذا الوضع، يجمع خبراء وديبلوماسيون ومتابعون
على وجود مؤشرات ضعف عام للديبلوماسية الراهنة في علاقة بالملف الليبي. ومن ذلك رأى الديبلوماسي السابق والخبير في الشؤون الدولية، عبد الله العبيدي، أن تونس التي كانت تستمد قيمتها إقليميا ودوليا من مواقفها الديبلوماسية وشبكات علاقاتها الدولية تجد نفسها اليوم في مهب الريح، ليس لها بوصلة في ظل "غياب الحكومة ورئاسة شبه صامتة". ولم يستبعد هؤلاء الخبراء والديبلوماسيون أن الوضع العام الداخلي لتونس سيكون مهدّدا بكارثة حقيقية اقتصادية واجتماعية، في حال مزيد من تعكّر الوضع في ليبيا. ذلك أن الوضع الاقتصادي التونسي الهشّ لا يمكن أن يتحمّل عدد الوافدين من ليبيا، والذي قد يتجاوز المائة ألف وافد، فتونس مجبرة، على الرغم من ظروفها الهشّة وتحدياتها الاجتماعية والاقتصادية، على وضع إمكانات لوجستية قادرة على مواجهة كل التطورات المنتظرة، وخصوصا على مستوى المعاملات التجارية المقدرة في الوضع العادي بحوالي أربعة مليارات دولار. ويعمل فيها حوالي خمسمائة ألف تونسي. في هذا السياق، أشرف وزير الشؤون الاجتماعية، محمد الطرابلسي، يوم الأربعاء 8 يناير / كانون الثاني على أشغال "اللجنة الوطنية لرصد ومتابعة الأوضاع على الحدود التونسية الليبية"، والتي نظرت في سيناريوهات التدخل الإنساني والاجتماعي والأمني الممكنة. وقد رشحت أخبارٌ أن اللجنة أكدت، مرة أخرى، رفض تونس إقامة منصة لإيواء اللاجئين على أراضيها، بسبب عجزها عن إدارة هذه المنصة أمام العدد الكبير المتوقع للاجئين، وهي المنصة التي يدعو إلى إقامتها الاتحاد الأوروبي والمنظمة الدولية للهجرة، ويخشى الموقف الرسمي التونسي من تسرّب إرهابيين كثيرين إلى الأراضي التونسية ضمن هؤلاء اللاجئين.
وفي قراءة لمعالم تطلعات الرأي العام التونسي، بمختلف تجلياته، يمكن القول إن التونسيين أكدوا من جديد عمق أواصر العلاقات الإنسانية والأخوية والحضارية التي تربطهم بالشعب الليبي، وهم يأملون دائما أن يقع تجنيب هذا الشعب الشقيق مزيدا من المآسي، واهتداء أبنائه إلى مصالحة شاملة، بعيدا عن شبح الحرب الأهلية وتداعياتها الوخيمة، ما يغلق الطريق على أطماع المتدخلين الأجانب في الثروات الليبية، ويجنّبهم تقسيم بلادهم وتشريد أبنائها. كما يتطلع التونسيون إلى أن تقوم السلطات التونسية بما في وسعها لعدم تكرار سيناريو 2011، متجاوزة موقفها الديبلوماسي الضبابي تحت يافطة الالتزام بالشرعية الدولية، وبأن لا تكون تونس سببا في تأجيج الوضع، وأن لا توفر أي دعم ميداني أو لوجيستي لطالبيه، وحريٌّ بها أن تتعظ من الماضي، لتحمي البلاد من كل تداعيات الاختراق، على غرار ما حدث أيام المد الثوري بين تونس وليبيا، حيث استبيحت الحدود ومر السلاح والإرهاب بدون رقابة أو سلطة. ولتعمل جاهدة حتى لا تكون تونس مجدّدا قاعدة خلفية للجماعات المسلحة وبوابة لعبور الأسلحة والتهريب والإرهاب. وينتظر التونسيون أن يكون الملف الليبي في قمة اهتمامات الحكومة الجديدة، ذلك أن تونس لا تتحمل مزيدا من الإرهاقات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية.
على الصعيد الديبلوماسي، تأكد رسميا تغييب تونس من الدول المدعوة للمشاركة في مؤتمر برلين الذي سينعقد لمناقشة الأزمة الليبية، فقد رأت جهات إعلامية وديبلوماسية أن تونس تلقت "صفعة ديبلوماسية" بعد دعوة المستشارة الألمانية، ميركل، الجزائر إلى حضور المؤتمر برلين، واكتفائها بالاتصال هاتفيا بالرئيس قيس سعيد لدعوته إلى زيارة ألمانيا خارج إطار الأجندات الهامة". حيث أفادت الصفحة الرسمية للرئاسة التونسية بأن فحوى الاتصال الهاتفي بين ميركل وسعيد تعرّض لكل شيء باستثناء مؤتمر برلين، في حين تمسّكت الجزائر بالحضور، وفرضت ذلك على الجانب الألماني، وأكدت الرئاسة الجزائرية، الاثنين 6 يناير/ كانون الثاني الجاري، تلقي الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، دعوة رسمية لحضور مؤتمر برلين، في إطار المساعي الألمانية لنسج مبادرة تجمع الفرقاء الليبيين باتجاه إيجاد حل سياسي لهذه الأزمة، على غرار مبادرة مماثلة قامت بها ألمانيا حين جمعت الفرقاء في أفغانستان في مجلس "اللويا جيرغا" لحل الأزمة الأفغانية، وهو المجلس الذي وضع الدستور الأفغاني الحالي. وفي هذا السياق، ذكرت مصادر ديبلوماسية في تونس أن مساعي الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، التي وعد بها خلال زيارته تونس من أجل إقناع بوتين الرئيس الروسي وميركل بدعوة تونس إلى مؤتمر برلين لم تفلح، وكان أردوغان قد وعد بهذه المساعي خلال ندوته الصحافية مع قيس سعيد. ومما زاد في غموض الوضع وضبابيته غياب أية خطة ميدانية في ظل تطور الوضع العسكري لمجابهة عودة العمالة التونسية الموجودة حاليا في ليبيا، والتي تضم في بعض المدن الليبية، الزاوية وزوارة وصبراطة مثلا، حوالي 90% من مجموع العمالة الناشطة في ليبيا. وينتظر أن يكون الملف الليبي موضع بحث خلال جلسات استماع دعا إليها البرلمان التونسي رئاسة الجمهورية ووزارتي الدفاع والداخلية، حيث عبرت لجنة الأمن والدفاع في البرلمان خلال جلستها، الاثنين 6 يناير / كانون الثاني، عن انشغال كبير بالأوضاع في ليبيا وانعكاساتها على التونسيين في ليبيا وعلى تونس إجمالا.
وفي قراءة للراهن الديبلوماسي التونسي إزاء هذا الوضع، يجمع خبراء وديبلوماسيون ومتابعون
وفي قراءة لمعالم تطلعات الرأي العام التونسي، بمختلف تجلياته، يمكن القول إن التونسيين أكدوا من جديد عمق أواصر العلاقات الإنسانية والأخوية والحضارية التي تربطهم بالشعب الليبي، وهم يأملون دائما أن يقع تجنيب هذا الشعب الشقيق مزيدا من المآسي، واهتداء أبنائه إلى مصالحة شاملة، بعيدا عن شبح الحرب الأهلية وتداعياتها الوخيمة، ما يغلق الطريق على أطماع المتدخلين الأجانب في الثروات الليبية، ويجنّبهم تقسيم بلادهم وتشريد أبنائها. كما يتطلع التونسيون إلى أن تقوم السلطات التونسية بما في وسعها لعدم تكرار سيناريو 2011، متجاوزة موقفها الديبلوماسي الضبابي تحت يافطة الالتزام بالشرعية الدولية، وبأن لا تكون تونس سببا في تأجيج الوضع، وأن لا توفر أي دعم ميداني أو لوجيستي لطالبيه، وحريٌّ بها أن تتعظ من الماضي، لتحمي البلاد من كل تداعيات الاختراق، على غرار ما حدث أيام المد الثوري بين تونس وليبيا، حيث استبيحت الحدود ومر السلاح والإرهاب بدون رقابة أو سلطة. ولتعمل جاهدة حتى لا تكون تونس مجدّدا قاعدة خلفية للجماعات المسلحة وبوابة لعبور الأسلحة والتهريب والإرهاب. وينتظر التونسيون أن يكون الملف الليبي في قمة اهتمامات الحكومة الجديدة، ذلك أن تونس لا تتحمل مزيدا من الإرهاقات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية.
دلالات
مقالات أخرى
25 اغسطس 2023
02 اغسطس 2023
14 يوليو 2023