15 أكتوبر 2024
اللاجئون إلى أوروبا.. ضرورة أم عبء
يلخص الجدل الذي دار بين نجم هوليود، ريتشارد غير، ووزير الداخلية الإيطالي اليميني، ماتيو سالفيني، السجال الأوروبي والأميركي بشأن قضية اللاجئين بين السلطات السياسية بكل تلاوينها ومنظمات المجتمع المدني، فعندما طالب ريتشارد غير بمساعدة المهاجرين العالقين في سفينة تابعة لجمعية خيرية إسبانية في البحر المتوسط أكثر من أسبوع، لأن أحدا لا يريد استقبالهم، قال إن على الحكومة الإيطالية "التوقف عن شيطنة هؤلاء الناس". رد سالفيني "إن على غير أخذ المهاجرين (عددهم 160) إلى هوليود". قال غير "لدينا في الولايات المتحدة مشكلاتنا مع اللاجئين القادمين من هندوراس والسلفادور ونيكاراغوا والمكسيك، وهي مماثلة لما تواجهونه هنا". واتهم السياسيين في كل من إيطاليا والولايات المتحدة "بشيطنة المهاجرين". وأضاف "ذلك يجب أن يتوقف في كل مكان على هذا الكوكب الآن، وسوف يتوقف لو أصرّينا على ذلك". أصدر سالفيني بياناً رداً على كلام غير، قال فيه "نشكر ذلك المليونير الكريم الذي أعرب عن قلقه على مصير المهاجرين على متن سفينة الأذرع المفتوحة، ونقول له يمكنك أخذهم معك إلى هوليود على متن طائرتك الخاصة، وإيواءهم في فيلتك وإعالتهم، شكرا ريتشارد".
يدفع سالفيني باتجاه وقف الهجرة غير الشرعية، من خلال سياسات متشدّدة في مواجهة استقبال اللاجئين، وإغلاق طرق العبور أمامهم، حتى أنه هدّد بفرض عقوباتٍ على منظمات المجتمع المدني التي تهدف إلى إنقاذ المهاجرين من البحر وجلبهم إلى إيطاليا. هذه المنظمات هي التي تقوم بمهمات الإنقاذ، بعد أن أوقفت السفن الإيطالية عملية "ماري نوستروم" لإنقاذ اللاجئين، والتي توقفت قبل أكثر من عامين. كما أغلقت إيطاليا رسمياً، وبوجود سالفيني شخصياً، مركز مينيو للمهاجرين في جزيرة صقلية الإيطالية، وهو المركز الأكبر من نوعه للمهاجرين في أوروبا الذي كان يتسع لأربعة آلاف شخص.
انفجرت مشكلة الهجرة في أوروبا، بعد سياسة البوابات المفتوحة التي اعتمدتها ألمانيا والسويد
في العام 2015 أمام تدفق اللاجئين السوريين، والتي استمرت في مطلع العام 2016، وهو ما شجّع على أكبر موجة هجرة غير شرعية شهدتها أوروبا في العقود الأخيرة. وسرعان ما استثمر اليمين الأوروبي هذه الموجة، ليشن هجوماً عنيفاً على الحكومات التي تولت السلطات في ظل هذه الموجة، وباتت قضية اللاجئين القضية الأولى في أوروبا، وكادت هذه المشكلة تطيح حكومة أنجيلا ميركل في في ألمانيا في العام الماضي.
بعد سياسة الباب المفتوح، بدأت سياسة بناء الحواجز في وجه الهجرة غير الشرعية، وكان من بين هذه الإجراءات الاتفاقية الأوروبية ـ التركية لإعادة اللاجئين الذين يحاولون الانتقال إلى أوروبا عبر اليونان إلى تركيا مقابل مساعدات مالية. بالتأكيد، هناك جانب إنساني في استقبال أوروبا اللاجئين غير الشرعيين من أماكن النزاعات، لكن هذا الجانب الإنساني محكوم بمعايير أوروبية. ولذلك، عندما أخذت موجة الهجرة الكبيرة في العامين 2015 و2016 تصطدم بالمعايير الأوروبية للجوء، بدأت سياسات تسهل الوصول تأخذ الطريق المعاكس، مع أن الأسباب التي جعلت هذه الدول تفتح أبوابها للاجئين لم تكن قد زالت بعد، بل ازدادت أوضاع اللاجئين سوءاً في هذه الفترة. المعيار الأوروبي الأساسي الذي اصطدمت به قضية اللاجئين هو نوعية الحياة في البلدان المعنية بالهجرة، خصوصا في ألمانيا والسويد، وهما البلدان الأكثر استقبالاً للاجئي هذه الموجة. وإذا كان الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني حافظ على السلطة في ألمانيا، بزعامة أنجيلا ميركل، فهذه الحكومة ذاتها التي غيرت سياسات الباب المفتوح، ووضعت الحواجز الشديدة في مواجهة اللاجئين. المفارقة كانت في السويد، البلد الذي فتحت أبوابه أمام اللاجئين حكومة اليمين بقيادة حزب مدراتنا برئاسة فريدريك رينفلت (2010 ـ 2014)، وهي الحكومة التي منحت اللاجئين من الحرب السورية الإقامة الدائمة. وعندما جاءت حكومة الحزب الاشتراكي الديمقراطي اليساري بقيادة ستيفان لوفين، ألغت الإقامة الدائمة، ومنحت إقامات مؤقتة، وتوقف لم الشمل إلا بشرط الإعالة، أي على من يريد/ تريد جلب عائلته/ها إلى السويد أن يكون قادراً على الإنفاق عليها، من دون أن يحصل على أي مساعدةٍ من الدولة، طبعاً، هذا مستحيل في السنوات الأولى من اللجوء. وأقامت رقابة شديدة على الحدود والمداخل السويدية، ما جعل إمكانية دخول السويد عن طريق التهريب في غاية الصعوبة.
على الصعيد السياسي، وجدت الأحزاب اليمينية الأوروبية، وبدعم من إدارة دونالد ترامب
الشعبوية والمعادية للاجئين، الفرصة للانقضاض على الحكومات. وانتقد ترامب علناً سياسة الهجرة في كل من ألمانيا والسويد وبشدة، ودعا إلى وقف تدفق اللاجئين إلى أميركا وإلى أوروبا، وفصل أطفال اللاجئين عن أهاليهم، وخاض معركة مع ديمقراطيين، وصلت إلى حد إعلان حالة الطوارئ على الحدود المكسيكية ـ الأميركية، من أجل تمويل بناء سور ضد اللاجئين القادمين من هناك، والذي عارضه الديمقراطيون، ويطلب من المكسيك تمويله، وإلا سيخضعها لعقوبات. يقوم خطاب هذا اليمين على تخويف المجتمعات الغربية من اللاجئين، ليس بوصفهم مشروع إرهابيين يهدّدون هذه المجتمعات من داخلها، بل وهم سيؤثرون على مستوى الحياة ونوعيتها في هذه المجتمعات، كما يهدّدون بناها الديمغرافية أيضاً.
النظر في عمق سياسة اللجوء الأوروبية، خصوصاً في كل من ألمانيا والسويد، بوصفهما أكبر مستقبلين للاجئين في السنوات الأخيرة، يظهر أنها تقوم على آلية متناقضة، أنهم يريدون حماية اللاجئين لأسباب إنسانية، هذا صحيح، ولكن اللاجئين ضرورة ملحّة لتعزيز البنية السكانية التي تزداد هرماً، والتي ستعاني مشكلة إعالة كبيرة للمسنيّن بعد عدة أعوام، إذا لم يكن هناك تجديد لأسفل الهرم السكاني، وخصوصاً أنه، في السنوات الأخيرة، كانت معدلات الزيادة السكانية في البلدين سالبة. وبالتالي، من الذي سيعمل في السنوات المقبلة، ليعيل المزيد والمزيد من كبار السن؟ هذا يجعل استقبال موجات من اللاجئين ضرورةً ملحة، حتى أن بعض الأحزاب اليمينية الأوروبية لا تعترض على اللجوء بحد ذاته، بل اعتراضها على نوعية اللاجئين.
على كل حال، تقول السياسات الأكثر إنسانية في أوروبا، خصوصاً النموذجين الألماني والسويدي (بعيدا عن النماذج العنصرية مثل المجر وبولندا وغيرهما)، أن الأبعاد الإنسانية للجوء إذا أثرت سلباً على نوعية الحياة في هذه البلدان، فيمكن وضع القيم الإنسانية على الرف، ريثما يتم استيعاب الموجة الكبيرة من اللاجئين. وبذلك، من جاء مع الموجة السابقة محظوظ إنسانياً، والذي تأخر في القدوم، وجد القيم الإنسانية الأوروبية تغمض عينيها، حتى لا تراه.
انفجرت مشكلة الهجرة في أوروبا، بعد سياسة البوابات المفتوحة التي اعتمدتها ألمانيا والسويد
بعد سياسة الباب المفتوح، بدأت سياسة بناء الحواجز في وجه الهجرة غير الشرعية، وكان من بين هذه الإجراءات الاتفاقية الأوروبية ـ التركية لإعادة اللاجئين الذين يحاولون الانتقال إلى أوروبا عبر اليونان إلى تركيا مقابل مساعدات مالية. بالتأكيد، هناك جانب إنساني في استقبال أوروبا اللاجئين غير الشرعيين من أماكن النزاعات، لكن هذا الجانب الإنساني محكوم بمعايير أوروبية. ولذلك، عندما أخذت موجة الهجرة الكبيرة في العامين 2015 و2016 تصطدم بالمعايير الأوروبية للجوء، بدأت سياسات تسهل الوصول تأخذ الطريق المعاكس، مع أن الأسباب التي جعلت هذه الدول تفتح أبوابها للاجئين لم تكن قد زالت بعد، بل ازدادت أوضاع اللاجئين سوءاً في هذه الفترة. المعيار الأوروبي الأساسي الذي اصطدمت به قضية اللاجئين هو نوعية الحياة في البلدان المعنية بالهجرة، خصوصا في ألمانيا والسويد، وهما البلدان الأكثر استقبالاً للاجئي هذه الموجة. وإذا كان الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني حافظ على السلطة في ألمانيا، بزعامة أنجيلا ميركل، فهذه الحكومة ذاتها التي غيرت سياسات الباب المفتوح، ووضعت الحواجز الشديدة في مواجهة اللاجئين. المفارقة كانت في السويد، البلد الذي فتحت أبوابه أمام اللاجئين حكومة اليمين بقيادة حزب مدراتنا برئاسة فريدريك رينفلت (2010 ـ 2014)، وهي الحكومة التي منحت اللاجئين من الحرب السورية الإقامة الدائمة. وعندما جاءت حكومة الحزب الاشتراكي الديمقراطي اليساري بقيادة ستيفان لوفين، ألغت الإقامة الدائمة، ومنحت إقامات مؤقتة، وتوقف لم الشمل إلا بشرط الإعالة، أي على من يريد/ تريد جلب عائلته/ها إلى السويد أن يكون قادراً على الإنفاق عليها، من دون أن يحصل على أي مساعدةٍ من الدولة، طبعاً، هذا مستحيل في السنوات الأولى من اللجوء. وأقامت رقابة شديدة على الحدود والمداخل السويدية، ما جعل إمكانية دخول السويد عن طريق التهريب في غاية الصعوبة.
على الصعيد السياسي، وجدت الأحزاب اليمينية الأوروبية، وبدعم من إدارة دونالد ترامب
النظر في عمق سياسة اللجوء الأوروبية، خصوصاً في كل من ألمانيا والسويد، بوصفهما أكبر مستقبلين للاجئين في السنوات الأخيرة، يظهر أنها تقوم على آلية متناقضة، أنهم يريدون حماية اللاجئين لأسباب إنسانية، هذا صحيح، ولكن اللاجئين ضرورة ملحّة لتعزيز البنية السكانية التي تزداد هرماً، والتي ستعاني مشكلة إعالة كبيرة للمسنيّن بعد عدة أعوام، إذا لم يكن هناك تجديد لأسفل الهرم السكاني، وخصوصاً أنه، في السنوات الأخيرة، كانت معدلات الزيادة السكانية في البلدين سالبة. وبالتالي، من الذي سيعمل في السنوات المقبلة، ليعيل المزيد والمزيد من كبار السن؟ هذا يجعل استقبال موجات من اللاجئين ضرورةً ملحة، حتى أن بعض الأحزاب اليمينية الأوروبية لا تعترض على اللجوء بحد ذاته، بل اعتراضها على نوعية اللاجئين.
على كل حال، تقول السياسات الأكثر إنسانية في أوروبا، خصوصاً النموذجين الألماني والسويدي (بعيدا عن النماذج العنصرية مثل المجر وبولندا وغيرهما)، أن الأبعاد الإنسانية للجوء إذا أثرت سلباً على نوعية الحياة في هذه البلدان، فيمكن وضع القيم الإنسانية على الرف، ريثما يتم استيعاب الموجة الكبيرة من اللاجئين. وبذلك، من جاء مع الموجة السابقة محظوظ إنسانياً، والذي تأخر في القدوم، وجد القيم الإنسانية الأوروبية تغمض عينيها، حتى لا تراه.