بلطجة إدارة أميركية

03 مايو 2019
+ الخط -
"بلادنا تدعم انتفاضة عسكرية ضد مادورو في فنزويلا".. لم يصدر هذا التصريح عن مسؤول في دولة عالمثالثية، أو حاكم مستبد في دولة عربية، وإنما عمّن يفترض أن يكون وزير خارجية واحدة من أكبر الديمقراطيات الليبرالية في العالم، وهو وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، الذي حرّض، في مقابلة مع قناة سي.إن.إن قبل أيام، على قيام انقلاب عسكري في فنزويلا ضد حكم الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو. بعدها بيومين، حذّر مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، روسيا من التدخل في الشأن الفنزويلي، واعتبره "فضاءً أميركيا خالصاً" لا يجوز لأحد الاقتراب منه، ومستخدماً لغة تنتمي إلى حقبة الحرب الباردة.
هكذا تدير الإدارة الأميركية الحالية العالم. ولعلها أسوأ إدارة مرّت على أميركا منذ قيامها قبل قرنين ونيف، ليس فقط لرعونتها وبلطجتها، وإنما أيضا لجهلها وحماقة مسؤوليها، وعدم فهمهم أبسط قواعد العلاقات الدولية. في حين لا يخلو سلوكها من تناقضاتٍ فجّة، ففي الوقت الذي تحرّض فيه هذه الإدارة على قيام انقلاب عسكري في فنزويلا، بحجة حماية الديمقراطية هناك، و"الاستجابة لمطالب الشعب الفنرويلي"، فإنها تتحالف مع جيلٍ من أسوأ أجيال الديكتاتوريات التي مرت على العالم العربي من الإمارات والسعودية إلى مصر وليبيا. كما أنها غارقة حتى أذنيها في تحقيق رغبات حكومة متطرّفة في إسرائيل، على حساب الشعب الفلسطيني والحقوق العربية.
ولولا انشغال هذه الإدارة طوال العامين الأخيرين في ملفات داخلية، أبرزها ملف التحقيقات الروسية الخاصة بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، لكانت ارتكبت من الحماقات ما قد يخلّف دماراً تمتد أثاره إلى سنوات مقبلة، خصوصا في منطقتنا البائسة. ولعل هذا أيضا ما يفسر سلوكها الحالي الذي لا يتبع أية قواعد أو تقاليد معروفة في السياسة الخارجية الأميركية، فبعد أن تخلص ترامب من عبء تقرير مولر الذي لم يوجّه له إدانة، سواء بشأن التورّط مع الروس، أو إعاقة العدالة في أثناء التحقيقات، انطلق كالثور الهائج على الساحة الدولية، من أجل تنفيذ أجندة يمينية متشدّدة، يرضي بها قواعده الانتخابية. ويساعده في رسم هذه الأجندة وتنفيذها اثنان من أكثر الصقور اليمينية تشدداً، هما بومبيو وبولتون.
كما لا يمكن فهم سلوك هذه الإدارة بعيداً عن منطق الصفقات السياسية والفهلوة الذي يتبعه ترامب في إدارة السياسة الخارجية، خصوصا في المنطقة العربية، فالتحالف الوثيق بين إدارته والسلطويين العرب، ومعهما إسرائيل، لم يعد في حاجة إلى دليل. والواضح أن كل ما يحدث الآن ما هو إلا تطبيق ما تسمى صفقة القرن التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، تقف في خلفية معظم سياسات ترامب في المنطقة، سواء ما يتعلق بدعمه خطط المحور الإماراتي –السعودي - المصري للهيمنة، وإعادة تشكيل على المنطقة، أو السعي إلى إشعال مواجهة مع إيران، أو وقف محاولات وطموحات التغيير التي تجتاح المنطقة العربية. يأتي في هذا السياق أيضا تحضيرات إدارة ترامب لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية. وهي خطوة طفت على السطح مرات، منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض، ولكنها هذه المرة تبدو أكثر جدية، فالإدارة اليمينية الحالية تسعى إلى إرضاء حلفائها السلطويين الذين يرون في الجماعة تهديداً وجودياً لأنظمتهم من جهة أولى، كما أنها تحاول كسر واحدةٍ من أكثر الجماعات تأثيراً في المجتمعات العربية من جهة ثانية، ومحاباة اليمين المتشدّد في إسرائيل وفي الداخل الأميركي من جهة ثالثة. وهي تفعل ذلك من دون اعتبار للتداعيات السلبية التي قد يخلّفها هذا التصنيف على المنطقة، خصوصا على المديين، المتوسط والطويل.
A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".