العروبة وكرة القدم

18 يونيو 2018
+ الخط -
لم يرتبط مفهوم العروبة، باعتبارها حالة تستوجب تضامن جميع الشعوب العربية، سوى في لعبة كرة القدم. هكذا قرّر بعضٌ عربي يشجع منتخباته في كأس العالم الحالية في روسيا. وفي زمن "تويتر" و"فيسبوك"، يظهر مدى انزعاج منزعجين من "عدم تضامن العرب كروياً"، علماً أن هذا الدعم إن حصل فسيكون كلامياً فقط، ولا تنعكس مفاعيله على أداء المنتخبات العربية، لا بل سيؤدي إلى تقاربٍ شخصي، لا أممي ولا غير، وتنتهي بأن ينام الداعي وملبّي الدعوة مسرورَين باتفاقهما على دعم منتخب عربي لا أكثر، ويحلمان بهدف كروي ما، فقط لا غير ولا أكثر.
لا يمكن أن تطلب دعم منتخب عربي فقط لأنه عربي، كما لا يمكنك تماماً أن تعادي منتخباً فقط لأنه عربي. الأمر شبيه بالنظرة الخاصة إلى القوميات والأديان والإثنيات المختلفة، أي أنك تُسقط أحكاماً مبرمة، وفقاً لتصنيفك الناس، بحسب انتماءاتهم الدينية والقومية واللغوية. وهو أمر خاطئ، في زمنٍ يستوجب سقوط الأيديولوجيات لمصلحة الإنسان، لا هويته أو قوميته أو لغته. الدعم الكروي ليس حاجةً أساسيةً لتأمين وحدة عربية، فمعظم دول أوروبا منضوية في الاتحاد الأوروبي، وسط خلافات كروية فادحة، خصوصاً بين الهولنديين والألمان. وأيضاً أميركا الجنوبية منضوية في سياق سوق "ميركوسور"، على الرغم من الخلاف الكروي الأزلي التاريخي بين البرازيل والأرجنتين. الوحدة العربية لا يجب أن تقتصر على مباريات كروية. ماذا ينفعني لو شجعت منتخباً عربياً، فيما سوقنا المشتركة وعملتنا المشتركة وقضيتنا المشتركة غير موجودة أساساً؟ ما الذي يعنيه إسقاط الأبعاد الدينية على القضية الفلسطينية في غياب أداء عربي يسمح باستعادتها، أو أقله فرض الرؤية الفلسطينية في أي مساعٍ لحلّ النزاع؟
كيف يمكن أن نكون خاطئين في عدم دعمنا منتخباً عربيا، في وقتٍ رفضنا فيه خيارات الشعوب العربية في تقرير مصيرها، أو في عنصريتنا تجاه بعضنا بعضاً بوصفنا أقاليم عربية؟ أو بالأحرى، كيف لنا الجرأة في رفع سقف الطلب أو الكره أو البغض للآخر العربي، لأنه لم يؤيدنا كروياً، في وقتٍ لم نتضامن معه عبر تسخير مقدّراتنا لأجله، خارج سياق الهبات والمنح والعطايا؟ أكثر من ذلك، لم لا يصرخ الداعون إلى الوحدة العربية كروياً في سبيل إنشاء سوق عربية واحدة، يمكن لها مناطحة أوروبا، خصوصاً لارتباط بلدانها بقارتين (آسيا، وأفريقيا) ومحيطين (الهندي والأطلسي) وبحرين (الأبيض المتوسط والأحمر)؟ لم لا يصرخ الداعون إلى الوحدة الكروية من أجل الإنسان في العراق وفلسطين واليمن وسورية، لا من أجل حكوماتٍ وأنظمةٍ تعمل على قتل الإنسان في العراق وفلسطين واليمن وسورية؟
لا نحتاج إلى الوحدة العربية لنكون عرباً. هناك حلول أكبر من ذلك بكثير، تبدأ من إنشاء سوق عربية مشتركة، ومعالجة مشكلة البطالة، والنمو السكاني بصورة اقتصادية ـ اجتماعية، ونصرة القضايا وفقاً لإنسانيتها، لا وفقاً لأبعادها الدينية (قضية فلسطين نموذجاً). الأهم في ذلك كله أن الدعم يكون متواصلا ومتشابكاً، لا آنياً، وكل أربع سنوات كما حالة كرة القدم. كما أن كرة القدم مجرد لعبة، من أهدافها إمتاع العالم، أما القضايا الإنسانية فمسائل حياة أو موت. لا يمكن أن نشهد على موت إنسانٍ ونسكت، فيما ننتفض حين يتعلّق الأمر بمباراةٍ لكرة القدم. الأمور والحياة والمسار الكوني أكبر من ذلك بكثير، والإنسان أكبر من ذلك بكثير.
يمكن لنا تشجيع المنتخبات العربية الأربعة، وفقاً لعشقنا لها، لا وفقاً لإسقاطات غير منطقية. اختيارنا المنتخبات العربية يكون تماماً كاختيارنا منتخباتنا بشكل عام. الباقي مجرّد تغطيةٍ لفشلنا في القضايا الكبرى، ومحاولة لـ"فش الخلق" بأبسط أمور الحياة. لا إلزامية في تشجيع منتخبات كروية، ومع إلزامية نصرة الإنسان في أي مكان، بعيداً عن أي ارتباط عروبيٍّ، أو قومي، أو لغوي أو ديني، فقط بالقيمة الإنسانية البحتة.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".