بعد الانتخابات.. عراق واحد أم اثنان؟

12 مايو 2018
+ الخط -
ليس سهلا أن تتخلى كل من واشنطن وطهران عن قوة نفوذهما في العراق، وقد يكون من تداعيات الموقف المتشدد للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تجاه إيران، ليس فقط في موضوع الأتفاق النووي، وإنما بكل طبيعة النظام الحاكم هناك، وتجاوزه الحدود المسموح بها في طبيعة التسلح، وفي زيادة مناطق نفوذه وتدخله في شؤون دول المنطقة برمتها، وربما بشكل خاص في العراق الذي باتت دوائره السياسية والأمنية تحت سطوة الولي الفقيه وكل الأجهزة التابعة له.
ترى طهران أن الوجود الأميركي في العراق عاد ليزداد، ويتعزز، بقدرات لوجستية كبيرة ومتقدمة، تحت حجج أهمها محاربة تنظيم داعش الإرهابي، ثم عدم فسح المجال له للعودة إلى ممارسة قدراته في العراق وسورية. وتقول معلوماتها الاستخبارية إن المستهدف من زيادة الوجود الأميركي في العراق هو الحد تدريجيا من النفوذ الإيراني هناك، سواء تعلق الأمر بالناحية السياسية؛ من خلال دعم القوى والشخصيات الرافضة للحضور الإيراني في بلدها، أو بالناحيتين، الأمنية والعسكرية العملياتية، من خلال تعزيز التنسيق مع قيادات الجيش العراقي، وتعميق الثقة بينها وبين هذه القيادات، خصوصا بعد أن استهانت قيادات رئيسة من الحشد الشعبي بدور الجيش العراقي في محاربة "داعش"، وتحرير المدن العراقية من قبضته.
عراقيا، وفي فترة حكومة حيدر العبادي، كان الخطاب (المعلن)، على لسان العبادي نفسه، في مارس/ آذار الماضي، أن "العراق يريد تحقيق توازن في علاقاته مع واشنطن ومع طهران"، وهو تعبير وجد محللون كثيرون، وحتى سياسيون عراقيون، أنه لا يرقى حتى إلى مستوى الأستهلاك المحلي؛ فأغلب العراقيين يعلمون حجم النفوذ الإيراني على صنّاع القرار في بغداد، ويعلمون أن حكومة بلدهم لا تملك القدرة ولا القوة على فرض قراراتها على الجانب الإيراني تحديدا.
عراقيا أيضا، يرى مراقبون أن الوجود الإيراني في العراق، على الرغم من قوته وامتداد نفوذه، إلا أن هذا الوجود مستثمر بشكل خاص، بما يتعلق بمخططات إيرانية لتغييرات 
ديموغرافية في العراق، وتكريس العمق الطائفي الموالي لولاية الفقيه، فيما يمثل التأثير الأميركي قدرة الحسم على قيادة دفة القرارات الإستراتيجية العراقية نحو أهدافٍ تتماشى والأهداف الأميركية في الشرق ألأوسط الجديد.
كانت واشنطن تعلم بدور إيراني نشط للتأثير في الانتخابات العراقية، وقد أكد وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، في 15 مارس/ آذار الماضي، أن لدى بلاده "أدلة مثيرة للقلق على أن إيران تحاول التأثير على الانتخابات العراقية باستخدام أموالٍ للتأثير على المرشحين والأصوات". وتتابع طهران عن كثب تحرك قوى وشخصيات عراقية بشكل واثق صوب ناخبيهم في مناطق متفرقة. وقد أطلقت قيادات حزبية، وأخرى من الحشد الشعبي، تنبيهات لكل من يتعامل مع واشنطن من هؤلاء السياسيين، من دون أن تكون واضحة تماما قدرة هذه القيادات على تنفيذ تهديداتها بوضوح.
تراقب القيادة الأميركية المتنفذة في البيت الأبيض، مع الرئيس ترامب، الدور الإيراني في العراق وسورية وجنوب لبنان، خصوصا بعد انضمام جون بولتون إليها مستشارا للأمن القومي للرئيس، وهو ما تنظر إليه طهران بحذرٍ وتخوفٍ كثيرين، خصوصا فيما يتعلق بتقليص دورها في الدول المشار إليها من خلال كسب السياسيين المؤيدين واشنطن ودعم انتخابهم، مع تركيز قدرات وسائل التواصل الأجتماعي والأموال والمنظمات الحقوقية والإنسانية العراقية على استبعاد جنود إيران في العملية السياسية في العراق، كنوري المالكي وعادل مهدي وهادي العامري وغيرهم.
الآن، وبعد وضوح دخول الدولتين الأكبر نفوذا في العراق في معترك الانتخابات النيابية، هل سيبقى العراق بوسمه الذي وسم به منذ احتلاله عام 2003 من الولايات المتحدة، باعتباره تابعا بشكل شبه مطلق للإرادة الإيرانية، حتى تم العبث بكل مقدراته وقدراته لصالح المشروع الإيراني الكبير في المنطقة، أم إنه سيعود إلى حاضنة الإدارة الأميركية، عبر سياسيين مدعومين أميركيا، وساعين إلى تحجيم الدور الإيراني في بلادهم؟
ليست واضحة قدرة الساسة العراقيين بوضعهم الحالي على الخروج من عنق زجاجة الصراع الإيراني – الأميركي، حتى على صعيد الأمنيات، فهم مسلوبو الإرادة، وأحيانا لا يريدون أن تكون لهم إرادة، كي لا يصدموا بأي من هذين الماردين في قدراتهم على الإيذاء أو الإقصاء. لذلك، سيكون العراق، بعد انتخاباته النيابية، بواقع "عراقين". تدير الإدارة الأميركية صناعة القرار. وسيبقى الآخر، بقوة وإصرار، لصالح تعزيز الوجود والنفوذ الإيراني فيه. أدوات الفصيل الأول هم الجماهير الرافضة للأحوال السيئة التي عاشوها 15 عاما. وسيبقى الآخر مستخدما لواجهة المرجعيات والعقد الطائفية المبرمجة في إيران، لتحشيد أنصاره.
قد تكون أية مواجهة أو حرب مقبلة في المنطقة، بسبب الاتفاق النووي الإيراني، أو، بسبب الرغبات الإسرائيلية في عرقلة المشروع الإيراني الكبير في الإقليم، المفجّر الحقيقي للصراع بين "العراقين"، وهو ما يراه مراقبون ومتابعون كثيرون. وقد يكون هو البديل الفاعل عن المواجهة المباشرة بين واشنطن وطهران.
F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن