لبنان.. لا تكن مرشحاً تقليدياً

07 مارس 2018
+ الخط -
بعد إقفال باب الترشيحات للانتخابات النيابية اللبنانية، أمس الثلاثاء، بوشر العمل على تشكيل اللوائح الانتخابية، وفقاً للقانون الانتخابي الجديد. لدى المعنيين حتى 26 مارس/ آذار الحالي لتأليف اللوائح وخوض الانتخابات النيابية في 6 مايو/ أيار المقبل على أساسها.
هذا الأمر مهم لكنه مجرد تفصيل، تفصيل لأن الذهنية اللبنانية أساساً لا تتقبّل التغيير بسرعة، بل تميل نحو "منطقة الأمان". قد يُجرّون إليها طوعاً أو ترهيباً، لكنهم يجدون أنفسهم فيها دوماً. الذهنية اللبنانية مفطورةٌ، في الأصل، على مبدأ "كبّر عقلك"، أي تأكيد رفض إمكانية التغيير. وما عزّز ذلك هو بعض الترشيحات النيابية أخيراً. بعضها قائم على أساس "قم لأجلس مكانك"، وبعضها الآخر على قاعدة "حب الشهرة" حداً أدنى أو "بغرض الانتقام" حداً أقصى.
لا برنامج واضحاً لمعظم هؤلاء. وبالطبع لن تكون لهم برامج مستقبلاً. كما أن من يصنّفون أنفسهم "تغييريين" لم يتفقوا على خوض المعارك في جبهة موحّدة. وبالطبع، يسمح تعدّد المنافسين في دوائر حساسة انتخابياً للسلطة في كسر أي إرادة تغييرية. لا تسمح الذهنية اللبنانية للتغييريين بالتنازل قليلاً عن "الأنا" لمصلحة المجموعة، ولا حتى في تشكيل لائحة موحدة في كل لبنان، تتضمن 128 مرشحاً على 128 مقعداً نيابياً، المكوّنة للبرلمان اللبناني. ستكون الفرصة هنا أكبر في اختراق البلوك السلطوي في الدولة اللبنانية. بالتأكيد، تعدّد المرشحين التغييريين يعني أمراً من اثنين: أن المرشحين ليسوا أذكياء كفاية لتوحيد جبهتهم وراضون بخسارة كل ما تراكم منذ حراك 2015 معطوفاً على السلبيات الكثيرة للحكومة اللبنانية، وهذه مصيبة كبرى. أو أنهم يدركون ما يفعلون، إلى حدّ أنهم "جواسيس" أو "ودائع" للسلطة داخل صفوف التغييريين، ما يعني أن المصيبة أكبر بكثير.
تغيير الذهنية اللبنانية مهم، فما نحتاجه ليس فقط تغييراً في الأشخاص، بل في العقلية. مثلاً، في لبنان، صعبٌ عليك أن تتقدّم في وظيفتك، بسبب كفاءتك، فقط لأن "الكوتا" الطائفية تمنع ذلك عنك. في لبنان، يُنظر إليك على أبواب المستشفيات زبوناً: "تملك المال؟ أهلاً وسهلاً بك". أما إذا كنت لا تملكه، شأنك شأن 60% من اللبنانيين، فإنك لن تدخل المستشفى، لو حتى توفيت على بابها. في لبنان، سهل طرد تلميذٍ من مدرسته، لأن والديه لم يتمكنا من دفع قسطه المدرسي الذي يزداد سنوياً. بالتالي، إذا تحوّل هذا التلميذ إلى مشروع مجرم أو إرهابي، فلا عتب عليه. في لبنان، يملك حفنةٌ من المتسلّطين الجزء الأكبر من الثروة الوطنية، والتي سُرقت من جيوب اللبنانيين، مواربة أو مباشرة. في لبنان، تخرج من المنزل غير متأكد من العودة إليه.
هذه أمثلة عن ذهنيةٍ سقطت أخلاقياتها، من دون التذرّع بالحروب ومبرّراتها، فألمانيا واليابان ويوغوسلافيا السابقة ونيجيريا وفيتنام والكوريتان وغيرها، كلها أمم عانت من حروبٍ داخلية أو خارجية، وتمكّنت من تجاوزها بفعل إيمان شعبها بوضع حدّ لتناسل الخلافات. هذا الأمر لا يحصل في لبنان، والتغيير المفترض يوجب الانطلاق من هذه النقطة، لا أن يخرج مرشح يدّعي التغيير ثم يقول إن "سلاح حزب الله لا يمسّ"، أو أن يقول آخر إن "النظام اللبناني جيد وعلينا تغيير أشخاصه"، وغيرها من تبريراتٍ غير منطقية، لمن يُفترض أن يزرعوا بذرة تغييرية تحت سقف البرلمان.
"إذا رأيت مرشحاً تغييرياً، يتصرّف كمرشح تقليدي، عليك بالابتعاد عنه"، ربما يكون هذا التعريف الأمثل لمحاولة كسر الحلقة المفرغة التي يدور فيها لبنان نيابياً وسياسياً. ينبع التغيير من الذات، ومن إنهاء أسطورة الشوفينية اللبنانية، نحو اعتناق مبدأ "الدولة المدنية العادلة". لا يمكن أن يبدأ شيءٌ من دون تغيير الذهنية، وإلا فإن ما ورثناه من الحرب الأهلية وإفرازاتها سنورثه لأولادنا وللأجيال المقبلة. وتلك خطيئةٌ مميتةٌ نستحق أن يديننا بها التاريخ.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".