القلب الرحباني الكبير

18 مارس 2018
+ الخط -
أتحدث عن القلب، في سياق التجربة الرحبانية الفيروزية، زاعماً أنه مختلفٌ عن القلب الذي غنى له أساطينُ  الطرب الكبار. أولئك الفنانون الكبار غنوا للقلب بوصفه مركزاً للحب، والغرام، والألم، والعذاب، والحنان، والخوف على الحبيب، وكان ذكرُه يَرِدُ في عناوين أغانيهم، أو في متنها، من دون توقف أو انقطاع، فالشيخ سيد درويش غنّى "والله تستاهل يا قلبي"، ومنيرة المهدية غنّت "العين والقلب"، ومحمد عبد المطلب غنّى "في قلبي غرام"، وفريد الأطرش غنّى "حبيب القلب من جوة"، وفايزة أحمد غنّت "أنا قلبي إليك ميال"، وغنّى محمد عبد الوهاب "قلبي بيقول لي كلام" وغنّى أيضاً "خايف أقول اللي في قلبي"، وهذه الأغنية غنّتها فيروز، فزادت في أهميتها.. ومَثَّل عبد الوهاب، كذلك، في فيلم "رصاصة في القلب"، وغنّى كارم محمود "يا ويل قلبي"، وغنّى محمد فوزي "فين قلبي؟ وعبد العزيز محمود "ليه قلبي بتجرحُه". وأم كلثوم غنّت لمكة "القلب يعشق كل جميل"، وغنّت من ألحان الشيخ زكريا أحمد "الأولة في الغرام" وفيها مقطع تردده بتطريباتٍ متنوعة هو: حطيت على القلب إيدي، وأنا بودع وحيدي، وأقول يا عين أسعفيني، وبالدمع جودي.
وأما الأخوان الرحباني فقد وظفا القلب بالطريقة التقليدية في بعض الأحيان، كما في أغنيتي "عَمَّانُ في القلب"، و"قلبي عليك" التي تقول فيها: قلبي عليك من الهوى يميلك، ولا تعود تشكي لي وأشكي لك، ولا الليل يحكي لي ويحكي لك، قلبي عليك. وفي ذات مرة أسمياه الخافق كما في قصيدة لقاء الأمس: لملمتُ ذكرى لقاء الأمس بالهدبِ، ورحتُ أحضنها بـ الخافقِ التعبِ.
ولكن الاستخدام التقليدي للقلب أمرٌ نادر في قاموسهم، إذ لديهم أغنية عنوانها: يا قلبي لا تتعب قلبك. وفيها مقطع بالغ الإدهاش يقول: ماشي والقمر ماشي تبعت مراسيل، يا قلبي الـ متل فراشي حول القناديل.
ويتكرّر مفهوم (القلب الذي له قلب) في أغنية أخرى، هي "خذني بعينيك"، إذ تقول المغنية: يا طيبَ القلبِ يا قلبي تحملني، همَّ الأحبة إن غابوا وإن حضروا. وفي أغنية "أنا عندي حنين" التي كتبها عاصي منصور، ولحنها زياد يصبحُ القلب مكاناً للاختباء: أنا خوفي يا حبي، لا تكون بعدك حبي، ومتهيأ لي نسيتك، وأنتَ مخبى بـ قلبي.
هناك أغنية يُعَامَلُ فيها القلبُ معاملة الشخص "الآخر" الذي يحتاج مَنْ يحاوره وينصحه، لكنه يرفض النصيحة ويدفع الثمن: مغرور قلبي كيف بدي فهمو، إنو الهوى بيعذبو بيندمو؟ لا كان يتعلم من ليالي البكي، ولا كانت جروحو القديمي تعلمو. وقصيدة يكون فيها القلب في سن الشباب والفتوة، فيتمرس باللذَّات: قلبٌ تَمَرَّسَ باللذات وهو فتىً، كبرعم لمسته الريح فانفتحا. ومن أكثر نوادر الشعر ندرةً أن نرى القلب ينفصل عن صاحبه، ويعود كل منهما من طريق، كما في أغنية "دخيلك يا أمي": كلمة حكيها وراح من دربي، ورجعت وحدي وما رجع قلبي.
في قصيدة مشوار التي أبدعها سعيد عقل، يسافر ‏"القلب"‏ كما لو أنه كائن بشري: بيقولوا قلبا سافر مشوار. وأما أغنية ‏"عتاب"‏ فهي، كما سنرى، أغنية "قلبية" بامتياز. في البيت الأول، يكون الاستخدام عادياً: روح وأنا قلبي تعود عالعذاب. وبعد قليل تقول لحبيبها علّمت قلبي من الطفولة عَ هواك.. إلى أن تقول: وَينْ بتلاقي متل قلبي قلوب، شو صار صافيلك وغافرلك ذنوب، وقديش عن حبك قلت بكرا بتوب، ما تبت يا ولفي ولا هالقلب تاب. وأما رائعة ميشيل طراد "بكوخنا" فتقول والدة الطفل الغائب: وهـ القلب عم حفو بإجرين السرير. ‏
ومن شعر مجنون ليلى وألحان محمد محسن تغنّي فيروز:
وكنتَ وعدتني يا "قلبُ" أني، إذا ما تبتُ عن ليلى تتوبُ
فها أنا تائب عن حب ليلى، فما لك كلما ذُكِرَتْ تذوبُ
دلالات
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...