فشل السياسة الروسية في سورية

01 مارس 2018
+ الخط -
لم يعد لروسيا في سورية سوى سياسة الأرض المحروقة، كما تتبعها في الغوطة الشرقية، كل محاولاتها في حل سياسي كانت مجرد تغطيةٍ على دورها العسكري في حماية (ودعم) مجرم يحكم بلداً اسمه سورية، ويستخدم كل مواردها ليس لحماية سكانها وشعبها، وإنما لقتلهم وتدميرهم وتهجيرهم.
فكما توقع خبراء ومراقبون كثيرون للحرب السورية، فإن مؤتمر سوتشي الذي أصرّت موسكو على عقده، في نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، انتهى بفشل ذريع، وعلى الفور أقال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، نائب وزير الخارجية غينادي غاتيلوف الذي كان مسؤولاً عن الملف السوري وتنظيم مؤتمر سوتشي، من دون أن تعترف الخارجية الروسية بأن السبب المباشر كان وراء إقالته فشل المؤتمر، بسبب عدم التحضير الجيد والفجوة الكبيرة بين الأطراف المشاركة، وعدم محاولة إيجاد مناخ إقليمي ودولي، يساعد في تخفيف التوتر وإنجاح المؤتمر، بل على العكس رفضت الولايات المتحدة حضور المؤتمر، بينما شاركت الأمم المتحدة بعد ضغوط روسية على المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا.
وكان أقصى ما تم التوصل إليه بعد المؤتمر هو الإعلان عن إنشاء لجنة دستورية تحت رعاية الأمم المتحدة، ووفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، كما أشار دي ميستورا، وتم وضع الأمر تحت إدارته الكلية، فهو المخول بتشكيل اللجنة من ممثلين للحكومة وممثلي المعارضة المشاركة في المفاوضات، وخبراء سوريين وممثلين للمجتمع المدني ومستقلين وقيادات قبلية ونساء، كما ستضم تمثيلا مناسبا للمكونات العرقية والدينية لسورية. وكأن المؤتمر كله كان أقرب للاستعراض الروسي بالمساهمة في الحل السوري، على الرغم من إدراك روسيا أن طريق الحل لا يبدأ في سوتشي، وإنما في ممارسة ضغوط سياسية حقيقية على النظام السوري للقبول بالانتقال السياسي.
وردا على هذا الفشل، قامت روسيا بتصعيد عسكري غير مسبوق في كل من إدلب والغوطة 
الشرقية، مستهدفةً، بشكل رئيسي، المراكز الطبية والمستشفيات، مع تقارير موثقة عن استخدام غاز الكلور في سراقب. وكان نتيجة ذلك سقوط مئات من المدنيين الأبرياء، ما دفع المفوض السامي لحقوق الإنسان، الأمير زيد بن رعد، إلى اتهام روسيا بارتكاب جرائم حرب في قصفها الغوطة الشرقية وإدلب.
أرادت روسيا من هذا التصعيد العسكري بث رسائل واضحة إلى المعارضة السورية التي رفضت المشاركة في مؤتمر سوتشي أنها هي من تمتلك مفاتيح الحل في سورية، وعلى المعارضة الموافقة على الشروط الروسية، ورفض تمسكها بمسار جنيف للحل السياسي في سورية، كما أعلنت المعارضة مرات. وقد يتيح هذا التصعيد العسكري الفرصة لروسيا في حشر الولايات المتحدة في الرّقة، ومنعها من التفكير في التقدم غرباً، عبر "قوات سورية الديمقراطية" باتجاه دير الزور أو غيرها من المناطق حيث ما زال تنظيم داعش" يمتلك بؤراً أو خلايا كما حصل مع فوج من مقاتليه الذين عبروا إلى إدلب من مناطق يسيطر عليها النظام السوري، وتمكن الجيش الحر من قتل عديدين منهم وأسر البقية.
فروسيا إذا مصممة على دحر المعارضة العسكرية عسكريا، وكل سيناريوهات المحادثات في أستانة كانت تهدف إلى تخفيف الضغط الدولي على روسيا، كما أنها ما زالت توظف حضورها في مجلس الأمن، بامتلاكها حق النقض (الفيتو) من أجل منع تشكيل لجنة تحقق بالهجمات الكيميائية في سورية، عقب انتهاء مهمة اللجنة المشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر استخدام الأسلحة الكيميائية، كما أنها مارست "الفيتو" لمنع إدانة النظام السوري الذي حملته تقارير الأمم المتحدة المسؤولية المباشرة عن استخدام السلاح الكيميائية في خان شيخون، وبالتالي حمايته من أي شكل من المحاسبة، بعد انتهاكه القرارات الدولية التي تجرّم استخدام هذا السلاح.
فيما يسود الغموض حقيقة العلاقة الروسية الأميركية، حيث لم يصدر عن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أو البيت الأبيض، أي بيان يدين فيه التصعيد العسكري الروسي ضد المدنيين 
في سورية، واكتفت الخارجية الأميركية بإصدار بيان مقتضب، تعبر فيه عن قلقها من سقوط المدنيين، من دون الإشارة إلى المسؤولية الروسية عن هذه الهجمات، ما زالت الاستراتيجية الأميركية في سورية غير واضحة، على الرغم من تقديم وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، رؤيته لسياسة بلاده في سورية في جامعة ستانفورد، بناء على خمس قواعد أساسية، أهمها الحد من النفوذ الإيراني والقضاء على "داعش" ومنع استخدام الأسلحة الكيميائية وضمان تحقيق انتقال سياسي لن يكون الأسد جزءا منه، لكن على ما يبدو تتغير الخارطة الحقيقية للاعبين في سورية على الأرض بشكل سريع، وأهمها توسع النفوذ الروسي في مناطق المعارضة السورية، ومحاولة الضغط على المناطق التي تسيطر عليها "قوات سورية الديمقراطية" المدعومة من الولايات المتحدة في الرقة ودير الزور، بغرض السيطرة الكاملة على حقول النفط والغاز السورية واستثمارها. ولذلك وقعت وزارة النفط السورية التابعة لنظام الأسد مذكرة تعاون مع روسيا، من أجل استثمار حقوق النفط والغاز في المناطق الشرقية السورية التي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية. ولذلك عندما تقدمت المليشيات التابعة لنظام الأسد باتجاه هذه الحقول، ردت قوات التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، باستهداف هذه المليشيات، ما أوقع أكثر من مائة قتيل، بحسب بيان التحالف الدولي. وعلى الفور، أصدرت الولايات المتحدة بيانا، أوضحت فيه أن مصالحها الرئيسية في سورية ما زالت تركز في القضاء على "داعش"، مع حقها في الدفاع عن نفسها أو حلفائها، إذا ما تعرّضت إلى أي هجوم من قوات النظام السوري. وبالتالي، بقيت هذه الضربة الأميركية الموجعة للنظام السوري معزولة، ولم تنبئ بتحول عسكري واستراتيجي، يقود إلى تحقيق الأهداف الخمسة التي كشف عنها تيلرسون في السياسة الأميركية تجاه سورية.
BCA0696E-8EAC-405E-9C84-3F8EA3CBA8A5
رضوان زيادة

كاتب وباحث سوري، أستاذ في جامعة جورج واشنطن في واشنطن