ترامب والعنصرية في أميركا اليوم

13 نوفمبر 2018
+ الخط -
قضية العنصرية في الولايات المتحدة بالغة الحساسية. وفي الوقت نفسه، لها جذور عميقة في التاريخ. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة قطعت أشواطاً هائلة في محاربة العنصرية داخلها، على المستويات، السياسي والقانوني والأخلاقي – القيمي، إلا أنها تظهر من حين إلى آخر، ما يعكس أن قضية البيض - السود ما زالت حاضرة في الحياة السياسية والاجتماعية الأميركية، وهو ما يدفع محللين سياسيين وعلماء اجتماع كثيرين إلى دراستها مجدداً، خصوصاً فيما يتعلق بتأثير الخطاب السياسي على منسوب التصريحات والأفعال الاجتماعية العنصرية.
وقد شكل وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مفاجأة، ونكسة لهذه الجهود، فتصريحه في أول مؤتمر صحافي أعلن فيه ترشحه للانتخابات الرئاسية إن المكسيكيين "دمويون ومغتصبون" كان يفترض أن ينهي حياته السياسية في الولايات المتحدة التي لا يتسامح إعلامها مع التصريحات العنصرية، غير أن نجم ترامب صعد في حملته الانتخابية، وأصبح يتصدر 17 مرشحاً جمهورياً في كل استطلاعات الرأي. وعندها انقسم الأميركيون إلى قسم اعتبر أن ترامب لن يصل، في أحسن الأحوال، إلى ترشيح الحزب الجمهوري، وقسم ثان اعتبر أنه حتى لو وصل إلى ضمان ترشيح الحزب، فإنه سيخسر في الانتخابات العامة أمام أي مرشّح ديمقراطي، وسيقود معه الحزب الجمهوري إلى نهاية مأساوية، الحزب الذي أسّسه أبراهام لينكولن من أجل حرية العبيد. وكان، مع تيودور روزفلت، حزب الإصلاح ومحاربة الفساد وبناء المؤسسات. ومع رونالد ريغان حزب الحرية ضد الشيطان (الاتحاد السوفياتي). فيما سيأخذه ترامب إلى أن يكون حزب العنصرية البيضاء ضد كل الأقليات في أميركا.
أثبتت الانتخابات أن كلا الفريقين كان مخطئاً، وفاز ترامب بترشيح الحزب الجمهوري، ثم فاز على منافسته كلينتون في الانتخابات العامة، ليصبح الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأميركية، وتبدأ بعدها موجة طويلة من التصريحات العنصرية التي أصبح يطلقها بشكل دائم ضد الأقليات في الولايات المتحدة، فقد استخدم كلمة "حيوان" مرات لوصف المتهمين بارتكاب جرائم، سواء كانوا أفراد عصابة أو إرهابيين في الولايات المتحدة أو في الخارج. كما تعرّض ترامب للانتقاد بعد استخدام كلمة "الحيوانات" لوصف الأشخاص الذين يعبرون الحدود. واستخدمها على "تويتر" مرات عديدة لوصف المتورّطين في قضايا الإرهاب. واستخدمها لإدانة الهجوم في لندن، بعد أن صدمت مركبة أشخاصاً خارج مبنى البرلمان.

ومع تزايد احتجاجات اللاعبين في نادي الفوتبول الأميركي (NFL)، ورفض مزيد من اللاعبين الوقوف للنشيد الوطني، قال ترامب "عندما لا يحترم أحدنا علمنا، ليقول أحضر ابن العاهرة من الملعب الآن. خرج. لقد طرد. لقد طرد". كان اللاعبون يعبّرون عن موقفٍ ضد العنصرية ضد السود في احتجاجٍ على وحشية الشرطة والعنصرية بعد قضايا بارزة تعرّض فيها رجالٌ سودٌ للرصاص، وقتلهم ضباط شرطة.
وادّعى دونالد ترامب مرّة أن قاضياً في محكمة كان يحكم ضده بسبب أنه من الأصل اللاتيني. وزعم أنه لا يجب أن يتعامل قاضي المقاطعة غونزالو كورييل مع قضيته، لأن الأخير من أصل مكسيكي، علماً أن القاضي ولد في الولايات المتحدة. وقال إن تراث كورييل يعني أنه لا يحب ترامب، لأن المرشح الجمهوري المفترض يريد بناء جدار بين الولايات المتحدة والمكسيك.
وفي أثناء محادثات الهجرة في المكتب البيضاوي، أصيب الرئيس ترامب بالإحباط، مستخدماً وصفاً عنصرياً لهايتي والسلفادور والدول الأفريقية، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست. ثم اقترح أن تحاول الولايات المتحدة زيادة الهجرة من دول مثل النرويج التي التقى رئيس وزرائها قبل تصريحه.
وقبل أن يصبح رئيساً، كان ترامب أحد أبرز أصوات مؤامرة "شهادة الميلاد" الخاصة بالرئيس السابق، باراك أوباما، إذ زعم أن أوباما لم يكن مولوداً في الولايات المتحدة، وإنما في كينيا. بل ذهب إلى حد ادّعاء أنه أرسل محققين إلى هاواي، حيث ولد أوباما الذي أصدر نسخة طويلة من شهادة ميلاده، على أمل إخماد المؤامرة، إلا أن ترامب ظل يطرح أن أوباما كان رئيساً غير شرعي، لكنه اعترف، في النهاية، بأن أوباما ولد في الولايات المتحدة، بينما زعم أيضاً أن هيلاري كلينتون كانت المسؤولة عن هذه المؤامرة.
وفي خطاب يونيو/ حزيران 2015 الذي أعلن فيه رئاسته، أمضى ترامب معظم الوقت في استهداف المكسيك والحدود الجنوبية. وقال إن المكسيك "تجلب أسوأ الناس" إلى الولايات المتحدة الذين "كانوا يجلبون المخدرات، إنهم يجلبون الجريمة، إنهم مغتصبون". وقال "إنهم لا يرسلون إلينا الأشخاص المناسبين"، و"أصبحت الولايات المتحدة أرضية لإغراق مشكلات الجميع".
هذا من التاريخ الطويل لترامب مع العنصرية. وعلى الرغم من ذلك، ما زال كثيرون من الجماهير يذهبون إلى تجمعاته الانتخابية. وقد يكون في القول إن ترامب سيولد مجتمعاً عنصرياً جديداً شيءٌ من المبالغة، إلا أنه، بكل تأكيد، حطم تاريخاً طويلاً اعتقدنا فيه أن الولايات المتحدة حاربت العنصرية، وأوصلت أوباما إلى البيت الأبيض، ولكن يبدو أن ترامب أعاد أميركا إلى مرحلة ما قبل الحركة المدنية في الستينيات.
BCA0696E-8EAC-405E-9C84-3F8EA3CBA8A5
رضوان زيادة

كاتب وباحث سوري، أستاذ في جامعة جورج واشنطن في واشنطن