ماذا تبقى من "الحلم الأميركي"؟

08 سبتمبر 2017
+ الخط -
بإلغائه برنامج "الحالمين" الذي كان يوفر فرصة لما يقرب من مليون شاب لاتيني للبقاء والعيش في أميركا، وتجنيسهم لاحقاً، يكون الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد ألقى بأحد مكامن القوة الناعمة لبلاده على قارعة الطريق، غير عابئ بتداعيات ذلك على صورة أميركا داخلياً وخارجياً.
كان المشروع الذي يُعرف باسم "داكا" (اختصاراً لاسمه الحقيقي، وهو الفعل المؤجل لأطفال المهاجرين غير الشرعيين) قد تم إقراره أواخر حقبة الرئيس السابق، باراك أوباما، بعد جدل طويل مع الكونغرس الأميركي، واستفاد منه حوالي ثمانمائة ألف شاب من أصول لاتينية، جاءوا مع آبائهم من المهاجرين غير الشرعيين قبل عقدين، وقضوا طفولتهم في أميركا، ومنحوا حق العمل والدراسة في أميركا مؤقتا، وذلك حتى يتم تقنين أوضاعهم وأوضاع أهاليهم القانونية، بحيث يصبحون مهاجرين شرعيين، قبل أن يتم تجنيسهم لاحقاً، وينالوا الجنسية الأميركية.
قرار ترامب، وإن كان يمثل وفاء بأحد وعوده الانتخابية فيما يتعلق بمسألة المهاجرين غير الشرعيين، إلا أنه أيضا يعد امتداداً لسياسة "خالف...تُعرف" التي يتبعها فيما يخص رفض كل ما أقرّه وأصدره سلفه أوباما من سياساتٍ وقرارات، ومحاولة نقضها، والتخلص منها حتى ولو كان الثمن ضياع مستقبل مئات الآلاف من الشباب الذين لم يعرفوا بلداً آخر غير الولايات المتحدة. وقد أعطى ترامب الكونغرس مهلة تصل إلى حوالي ستة أشهر، من أجل التوصل إلى قانون جديد بشأن كيفية التعاطي مع هذه المسألة. ما يعني أنه، بحلول السادس من مارس/ آذار المقبل، لن يكون في مقدور هؤلاء الشباب الإقامة أو العمل أو الدراسة في الولايات المتحدة، وسيكونون هدفاً للترحيل في أي وقت. ومن المفارقات أنه، خلال العقدين الماضيين، فشل الكونغرس بحزبيه، الديمقراطي والجمهوري، في التوصل إلى حل هذه المشكلة، وهو ما جعلها تترحل من إدارة إلى أخرى. والواضح أن المشكلة سوف تستمر، نتيجة حالة الانقسام والاستقطاب غير المسبوقة بين الحزبين الكبيرين.
لم تكن المشكلة في وصول شخص، مثل دونالد ترامب، إلى السلطة، وهو القادم من خارج المؤسسات التقليدية (ولهذا أصلا تم اختياره)، فهذه هي قواعد اللعبة الديمقراطية التي تضع الناخب فوق كل اعتبار، وتحترم إرادة الناخبين، وإنما المشكلة الأهم في أنه جاء ببرنامج انتخابي يطعن في الفكرة الأصلية التي قامت عليها أميركا، أي المهاجرون. وهي فكرة ليست فقط فلسفية ذات جذور تاريخية، وإنما أحد مكامن القوة الناعمة الأميركية التي نجحت الولايات المتحدة، من خلالها، في اجتذاب ملايين المهاجرين الأكفاء والموهوبين الذين بنوا اقتصادها وسمعتها العالمية. وهو أيضا يضرب مسألة الأمان الوظيفي والنفسي التي كان يتمتع بها المهاجرون من خلال تعريضهم للترحيل في أي لحظة، خصوصا أن جميع بياناتهم الشخصية مسجّلة لدى وزارة الداخلية الأميركية، وهو ما يتنافى أيضا مع مسألة الخصوصية الفردية التي تمثل واحدة من أهم قيم الديمقراطية الأميركية.
لذا، انتفضت الشركات العالمية مثل "فيسبوك" و"مايكروسوفت" و"آبل" و"غوغل" ضد قرار ترامب، ورفضته، واعتبرته إهانة للقيم الأميركية، خصوصا أن هناك بعض المنخرطين تحت قرار "الحالمين" يعملون في هذه الشركات، وهي تدافع عن حقوقهم وأسرهم.
بطريقة أو بأخرى، جاءت سياسات الهجرة التي يحاول ترامب تطبيقها، حتى الآن، بآثار ونتائج سلبية على الولايات المتحدة وصورتها، ومن المتوقع أن تستمر هذه الصورة في التدهور في المرحلة المقبلة، وذلك حتى تنتهي معها أسطورة "الحلم الأميركي" التي صمدت نحو قرنين ونصف القرن.
A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".