فرنسا.. "إرهاب إسلامي" أم ابتزاز إسرائيلي؟

05 سبتمبر 2017

ماكرون: محاربة "الإرهاب الإسلامي" أولى مهام الدبلوماسية الفرنسية (30/8/2017/Getty)

+ الخط -
أعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في خطاب ألقاه في المؤتمر التقليدي لسفراء فرنسا في الخارج، أن محاربة ما سماه "الإرهاب الإسلامي" هي أولى مهام الدبلوماسية الفرنسية، وإنه يتبنى بالكامل صفة "الإسلامي"، البعيد عن الملائكية في هذا المضمار، "لحماية مواطنينا الذين لديهم خوف من الإسلام". وقال ماكرون، في أول خطاب له عن السياسة الخارجية الفرنسية، إنه سيعيد إلى "فرنسا المستقلة" موقعها في العالم، محدداً للدبلوماسيين الفرنسيين ثلاثة محاور، هي الأمن والاستقلالية وتأثير فرنسا في أوروبا والعالم، فهل ستستعيد فرنسا فعلاً سياستها المستقلة، ودورها السابق الذي يقول وزير الخارجية السابق، هوبير فيدرين، إنها فقدته بسبب خطابها عن الإسلام ومواقفها من قضايا الشرق الأوسط وقرارات القانون الدولي حولها؟
وضع الرئيس ماكرون "محاربة الإرهاب الإسلامي" في أولى مهام السياسة الخارجية، وتبنيه الصفة التي أطلقها عليه، كما قال هو موقف جديد كلياً لرئيس فرنسي، فلم يسبق لأي رئيس، منذ عام 2001، أن طرح قضية الإرهاب بهذا الشكل الذي يطرحه ماكرون، ولا تبنى بهذه الطريقة غير الدبلوماسية الكلام عن الإسلام. الرئيس الأميركي جورج بوش وطاقمه من المحافظين الجدد فقط هم من أطلقوا حروباً غير شرعية تحت شعار "محاربة الإرهاب الإسلامي" في أفغانستان، ووجود "أسلحة دمار شامل" لغزو العراق، وتغيير خريطة المنطقة لشرق أوسط كبير. موضوع محاربة الإرهاب الذي يبدو أن الرئيس الجديد ليس فقط لا يريد تجاوزه، على الرغم من أنه يعود إلى العام 2001، وإلى حفنة من المنظرين الذين يضعون مصلحة إسرائيل والجهاز الصناعي - العسكري فوق المصلحة الأميركية والأوروبية، بل يعيد تسويقه وإطلاقه من جديد بلسان فرنسي. فهل يفهم من هذا الخطاب أن هناك حروباً جديدة ستقودها فرنسا، كما حدث مع الولايات المتحدة في عهد جورج بوش؟ هل يعني مزيداً لمشاركة فرنسية في الحروب التدميرية في الشرق الأوسط، بحجة ما حصل من إرهاب في فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية تحت يافطة "إسلامي وعربي"؟

لكن من سيصدّق بعد انكشاف كذبة أسلحة الدمار الشامل في العراق، واستقالة كولن باول وزير خارجية بوش، وبعد اعتذار رئيس الوزراء البريطاني، توني بلير، عقب تقرير شيلكوت الذي كشف مدى تلاعبه بالمعلومات في غزو العراق، وبعد عشرات الشهادات عن كذب الرواية الرسمية للإدارة الأميركية فيما يخص أحداث سبتمبر/ أيلول 2001، من سيصدق الروايات الرسمية للقصص المشابهة لها، حتى لو أنها قد سوقت بإعلام عالمي هائل وتواطؤ حكومات وشيطنة كل من يحاول تفسيرها، حسب دلائل وإثبات بالصوت والصورة والأقمار الصناعية، وبعشرات المواقع الأميركية والأوروبية. ليس العام 2001 هو 2017. لقد أدركت شعوب أوروبا وأميركا أن ما حصل ويحصل من إرهاب عمل داخلي، يتم بالتنسيق مع الكيان الصهيوني؟
يبدو أن موضوع "الإرهاب الإسلامي" يُسوَّق مجدداً بطريقة "نسخ ولصق" إلى أوروبا بعد استخدامه بنجاح في تدمير العراق. لكن مثلما هناك أدلة وإثباتات مهمة تم جمعها في الولايات المتحدة حول أحداث "11 سبتمبر"، هناك في أوروبا، وفي فرنسا بالذات، أدلة على أن الإرهاب الذي يضرب أوروبا ليس إسلامياً، بل هو ابتزاز إسرائيلي ليكودي، هدفه الضغط على حكومات هذه الدول، لكي لا تعلن اعترافها بالدولة الفلسطينية أو وقوفها مع حقوق الشعب الفلسطيني وضد حصار غزة. استهدف هذا الإرهاب السويد والدنمارك والنرويج وألمانيا وبلجيكا، وبالذات فرنسا، الدولة الأوروبية الأهم من حيث كثافة أعداد الفرنسيين من أصول عربية ومسلمة، والمعروفة بوجود تأييد شعبي فرنسي واسع للقضية الفلسطينية. تليها اليوم إسبانيا، وفي مدينة برشلونة التي صوّت مجلسها البلدي على مساندة الشعب الفلسطيني. تطور الموقف الفرنسي بهذا الخصوص والتضييق على حرية التعبير دليل على هذا الابتزاز والإرهاب ونجاحه اليوم، إذ يعلن الرئيس ماكرون، وبثقة، أولوية الحرب على "الإرهاب الإسلامي"، وقبل ذلك ساوى بين المعاداة للصهيونية والمعاداة للسامية بحضور استثنائي لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو. وأصدرت حكومته في 3 أغسطس/ آب الماضي قراراً يجرّم الكلام الخاص، بين شخصين، عن العنصرية واللاسامية والمثلية بغرامة وبدروس إعادة تأهيل سياسي.
لهذه السياسة الليكودية الإرهابية تاريخها الموثق منذ العام 2001، عندما رفض الرئيس جاك شيراك غزو العراق بحجج كاذبة، أسقطت طائرة مصرية تقل سياحاً فرنسيين بين شرم الشيخ وباريس في اليوم التالي لخطاب وزير الخارجية، دومينيك دوفيلبان، وأذيع في أخبار القناة الرسمية الفرنسية الثانية عن وجود مهندسين إسرائيليين لتصليح هذه الطائرة في مطار القاهرة آنذاك. تلت ذلك أحداث تدمير الصادرات الفرنسية إلى الولايات المتحدة، وتقدر بعدد من المليارات. والاعتداء على فرنسيين، ووصفهم بأنهم أعداء الولايات المتحدة. وقد هللت إسرائيل، ومن ورائها اللوبي الصهيوني وشخصياته وصحافيوه في فرنسا، لنهاية ما أطلقوا عليها "السياسة العربية" لفرنسا التي لم تكن سياسة عربية، بقدر ما كانت سياسة متوازنة، تراعي أولاً المصالح الفرنسية لا غيرها. ومع وصوله إلى الحكم، وضع الرئيس ساركوزي وعوده التي أطلقها في مدينة هرتزل الإسرائيلية بخطاب مشهور له موقع التطبيق، إذ تمت ملاحقة ناشطي القضية الفلسطينية، وخصوصاً الفرنسيين منهم في الإعلام، وتسريح عدد من المتخصصين بمنطقة الشرق الأوسط، يشوب كلامه قليلاً أو كثيراً من المصداقية بشأن الاحتلال الإسرائيلي وحقوق الشعب الفلسطيني، واختفت فلسطين من الإعلام خلال سنوات حكمه.
وقبل أن يتم انتخابه رئيساً، صرّح فرانسوا هولاند إنه مع اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية،
ولم يكن هولاند الوحيد في الحزب الاشتراكي الذي يشاركه هذا الرأي، لكن الأعمال الإرهابية التي ضربت باريس ونيس أدت، كما كتب رئيس معهد الدراسات الدولية والإستراتيجية، باسكال بونيفاس، إلى أن يشطب فرانسوا هولاند بيده من الخطاب المعد له جملة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، على الرغم من ضغوط عليه من وزيري الخارجية، لوران فابيوس ومارك إيرولت. كما أوردت صحيفة الكنارانشنيه الأسبوعية، في أثناء أحداث 13نوفمبر/ تشرين الثاني 2014 الإرهابية، أن نتنياهو لم يكن مدعواً لحضور المسيرة التي دُعي لها رؤساء العالم للمشاركة في تظاهرة ضد الإرهاب، لكنه أصر على الحضور، على الرغم من رفض الإليزيه. وقد دعى الرئيس فرانسوا هولاند عمداً الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وبعد التظاهرة، رافق هولاند نتنياهو إلى المعبد اليهودي وسط العاصمة باريس، لكنه نهض ممتعضاً تاركاً المكان، حالما صعد نتنياهو إلى المنصة لإلقاء كلمة، يحث فيها يهود فرنسا على الهجرة إلى إسرائيل، بسبب ما سماه "الإرهاب الإسلامي".
يظهر جرد الإرهاب في أوروبا، وخصوصاً في فرنسا، بعد نهاية حكم الرئيس جاك شيراك، أن ما يسمى الإرهاب الإسلامي، ليس إلا ابتزازاً إسرائيلياً بكل الطرق، لمنع الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ومنع مساندة الشعب الفلسطيني.
065C781D-CEC8-48F5-8BB1-44AD7C46983D
065C781D-CEC8-48F5-8BB1-44AD7C46983D
ولاء سعيد السامرائي

كاتبة وصحفية عراقية مقيمة في باريس

ولاء سعيد السامرائي