الموقف الأميركي من الأزمة الخليجية.. هل من جديد؟

25 سبتمبر 2017

توازن موقف ترامب من الأزمة الخليجية أخيرا (19/9/2017/فرانس برس)

+ الخط -
شهدت المساعي الدبلوماسية الأميركية لحل الأزمة الخليجية تسارعًا كبيرًا في غضون الأسبوعين الماضيين. وكان أبرز ما فيها دخول الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على خط الأزمة مباشرةً، وذلك عبر لقاءَي قمة عقد أحدهما مع أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، في واشنطن في 7 أيلول/ سبتمبر 2017، وآخر مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في نيويورك في التاسع عشر من الشهر نفسه، على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة. ويمثل دخول ترامب وسيطًا على خط الأزمة وحصار قطر تطورًا لافتًا للانتباه؛ ذلك أنه، منذ قطع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية والبحرين، إضافةً إلى مصر، علاقاتها مع قطر، وفرض حصار عليها في 5 حزيران/ يونيو الماضي، أخذ البيت الأبيض موقفًا منحازًا إلى دول الحصار، في مقابل موقف أكثر توازنًا اتخذته وزارتا الخارجية والدفاع الأميركيتان.

تغير في الموقف الأميركي؟
بدا التغير في نبرة ترامب نحو قطر واضحًا في اللقاء الذي جمعه بأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في نيويورك؛ إذ بدأ بالإشادة بالأمير، واصفًا العلاقة بينهما بـ "الصداقة
الطويلة". ثم تطرّق مباشرةً إلى الأزمة الخليجية، بحيث أكد أنه يحاول حلّها، قائلًا: "أعتقد أننا سنحلها، ولديّ شعور قوي بأنها ستجد طريقها إلى الحل سريعًا جدًا". وذهب ترامب إلى أبعد من ذلك، عندما أكد أنّ العلاقات الأميركية - القطرية ليست محصورة في الأزمة الخليجية، بل إنها تشمل "التجارة المتبادلة وقضايا أخرى كثيرة. ونحن لدينا علاقات ممتازة [...] خصوصًا منذ لقائنا في السعودية (قمة الرياض في أيار/ مايو الماضي)، الذي كان لقاء مهمًا جدًا".
وأكد الشيخ تميم من جهته "قوة" العلاقات الأميركية - القطرية و"تاريخيتها"، خصوصًا في مجالات التجارة والتعاون العسكري والأمني. كما أكد أهمية قمة الرياض، مذكّرًا بأنّ قطر هي أول دولة وقّعت مع الولايات المتحدة مذكرة لمكافحة الإرهاب. وكانت قطر قد وقّعت المذكرة المشار إليها خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، الدوحة في 12 تموز/ يوليو الماضي. وفي ما يتعلق بالأزمة الخليجية، خاطب الأمير الرئيس ترامب قائلًا: "مثلما قلت، سيادة الرئيس، لدينا مشكلة مع جيراننا، وتدخّلك سيساعد كثيرًا، ونأمل أن نجد حلًا لهذه الأزمة. لقد قلنا دومًا إننا منفتحون على الحوار، وسنبقى كذلك". وقد أكد ترامب، في هذا الاجتماع، أنّه سيبذل شخصيًا جهدًا لجمع الأطراف على طاولة الحوار.
وكان ترامب بدأ يعطي مؤشراتٍ على تغيّر موقفه من الأزمة في لقاء القمة الذي جمعه بأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، في واشنطن؛ إذ شدّد، في المؤتمر الصحافي المشترك الذي أعقب القمة على أن "قطر والسعودية والإمارات والبحرين ومصر شركاء أساسيون" في محاربة الإرهاب. وأضاف "سيكون جهدنا أنجع إذا كان مجلس التعاون لدول الخليج العربية موحدًا". بل مضى ترامب أبعد من ذلك بإعلان استعداده للتدخل والوساطة بين قطر ودول الحصار، معربًا عن اعتقاده بإمكانية التوصل إلى اتفاق سريعًا. وقال: "إذا تسنّت لي المساعدة في التوسط بين قطر والإمارات والسعودية على الأخص، فإنني سأكون مستعدًا لفعل ذلك، وأعتقد أنه سيكون لديكم اتفاق على نحو سريع للغاية"، غير أنه عاد، في أثناء المؤتمر الصحافي، خلال فقرة الأسئلة والأجوبة، إلى القول "ابتدأت هذه الأزمة بسبب وجود تمويل ضخم من جانب بعض الدول للإرهاب. وإذا لم يتوقفوا عن تمويل الإرهاب فلا أريدهم أن يتوحدوا من جديد"، في إشارة إلى مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

غياب عقيدة أميركية واضحة
من القضايا التي تمثّل محل إجماع لدى المراقبين لسياسات إدارة ترامب أنّ هذه الإدارة ما زالت لم تطور عقيدة واضحة في السياسة الخارجية، ولا يتضح هذا في الأزمة الخليجية فقط، بل يصحّ في شأن أكثر القضايا والملفات الدولية؛ مثل الأزمة مع كوريا الشمالية، وموضوع الملف النووي الإيراني، والأزمة السورية، وغيرها. والسبب الرئيس في غياب هذه العقيدة هو ترامب نفسه. وفي هذا السياق، أشار تقرير لصحيفة واشنطن بوست، نشر في 20 أيلول/ سبتمبر، أي بعد يوم واحد من لقاء ترامب مع أمير دولة قطر، إلى تصاعد حدة الخلاف بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية حول كيفية التعامل مع الأزمة الخليجية. وبحسب التقرير، فإنّ البيت الأبيض، وترامب شخصيًا، غاضبان من تعطيل وزير الخارجية، تيلرسون، بيع أسلحة بعشرات المليارات من الدولارات لدول خليجية، بما في ذلك أكثر من مئة وعشرة مليارات من الدولارات للسعودية كان أعلن عنها خلال زيارة ترامب المملكة في أيار/ مايو الماضي. وبحسب مسؤولين أميركيين تحدثوا للصحيفة، فإنّ حسابات تيلرسون ووزارة الخارجية من تعطيل مبيعات الأسلحة أنّ ذلك يعطي الولايات المتحدة ميزة أفضل لتكون في وضعٍ يؤهلها
للضغط على أطراف الأزمة لحلّها، في حين يرى البيت الأبيض أنّ تعطيل المبيعات ليس فعّالًا في الضغط على السعودية. ويؤيد رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، بوب كوركر، موقف تيلرسون، وهو كان قد عطل إرسال مزيد من شحنات الأسلحة للحلفاء الأميركيين في الخليج أواخر حزيران/ يونيو الماضي إلى أن يجدوا طريقًا دبلوماسية لحل الخلافات بينهم. ويوضح تقرير"واشنطن بوست" مدى عدم التضارب في مواقف إدارة ترامب من الأزمة الخليجية، وذلك بنقله عن مسؤول كبير في الخارجية الأميركية قوله إن تيلرسون بادر إلى الاتصال بوزراء خارجية دول خليجية زارها صهر الرئيس ومستشاره، جاريد كوشنر، الشهر الماضي، ليتأكد أنّه لم يوصل إليهم رسائل متضاربة عن الموقف الأميركي من الأزمة.

ما الذي تغير في تفكير ترامب؟
وفقًا لمصادر إعلامية مختلفة، بدأت مواءمات تطرأ على مقاربة ترامب للأزمة الخليجية، المنحازة إلى دول الحصار، وذلك بعد تحذيرات من وزير خارجيته، تيلرسون، ووزير دفاعه، جيمس ماتيس، ومستشاره للأمن القومي، أتش. أر. ماكماستر، من أن إطالة أمد النزاع تفيد إيران، وتشتت جهد الضغط عليها. إضافةً إلى ذلك، جاءت الأزمة مع كوريا الشمالية لتزيد من حجم الضغوط على ترامب الذي بدا في غنى عن فتح أزمة جديدة في الخليج. والحقيقة أنّ وزارتي الخارجية والدفاع ساهمتا مساهمةً فعالة في تزويد ترامب بمعلومات وتقديم صورة أكثر شمولًا للوضع في الخليج مما سمعه من قادة الإمارات والسعودية.
وقد تكون الأزمة مع كوريا الشمالية، واحتمال اندلاع أزمة مع إيران بسبب موقف ترامب الرافض اتفاق البرنامج النووي، من العوامل المهمة التي عزّزت ميله الراهن إلى الضغط على دول الحصار الخليجية لحل الأزمة مع قطر عبر الحوار، من هنا جاءت مساعي ترامب لترتيب اتصال هاتفي، يوم الجمعة 8 أيلول/ سبتمبر، بين أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، اتفقا خلاله على العمل على حل الخلافات بينهما على طاولة الحوار، إلا أنّ السعودية تراجعت، في اليوم نفسه، عن تعهداتها تلك ملقيةً باللوم على قطر، ومطالبةً إياها بالامتثال للشروط الثلاثة عشر التي وضعتها دول الحصار.
وقد ذهبت وسائل إعلام غربية أبعد من ذلك، عبر نقلها عن مسؤولَيْن أميركيين مُطلِعَيْن أن ترامب تدخّل شخصيًا لكبح مخطط سعودي - إماراتي للقيام بعمل عسكري ضد قطر، محذرًا إياهما من مغبّة الإقدام على ذلك، ومؤكدًا أنّ أي عمل عسكري سيكون من شأنه تعزيز وضع إيران في منطقة الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أنّ ترامب نفى، خلال لقائه مع الأمير تميم، صحة التقرير، فإنّ تصريحات الأمير الصباح حول النجاح في تجنب عمل عسكري في الأزمة الخليجية ترجّح احتمال أنّ دول الحصار فكرت في الفعل في القيام بعمل عسكري ضد قطر، لكنها تراجعت جرّاء الرفض الأميركي، والموقفين التركي والإيراني الضاغطين، والأهم من ذلك نجاح قطر في تعرية موقف دول الحصار والالتفاف على حصارهم.


خلاصة
ما زال توقّع تطورات موقف الرئيس الأميركي من الأزمة الخليجية صعبًا، مع استمرار تقلّبه تجاهها. لكن، يمكن القول إنّ الموقف الرسمي للإدارة الأميركية مجتمعة بدأ يتوافق أكثر في ضرورة إنهاء الأزمة الخليجية، ووضع حدٍ لحصار قطر. فاستمرار الأزمة يفيد إيران، ويشتت المواقف الإقليمية منها، وهذا ما لا تريده إدارة ترامب، خصوصًا أنّها في وارد التصعيد مع إيران، بحسب ما ظهر من خطاب ترامب الذي ألقاه أخيرًا في الأمم المتحدة. كما أنّ استمرار الأزمة الخليجية يهدّد بتفكيك واحد من أهم التكتلات الإقليمية الحليفة للولايات المتحدة في المنطقة والذي لا يزال متماسكًا، أي مجلس التعاون لدول الخليج العربية. أضف إلى ذلك أنّ هذه الأزمة تهدد الحرب الأميركية على الإرهاب، وهو ما لا يفتأ المسؤولون الأميركيون يحذرون منه. فضلًا عن ذلك، يبدو "البنتاغون" قلقًا من احتمال تأثر عملياته العسكرية في الشرق الأوسط بالأزمة الخليجية، خصوصا أنّ قطر تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط، وهي قاعدة العديد الجوية التي تضم نحو 11000 جندي أميركي، وتحتضن مركز العمليات الأميركية الجوية المشتركة لمهمات القيادة والسيطرة على القوة الجوية الأميركية في العراق وسورية وأفغانستان، فضلًا عن 18 دولة أخرى. كما تعدّ القاعدة مقرًا متقدمًا للقوة الجوية للقيادة الوسطى الأميركية، ومركز العمليات الجوية والفضائية المشترك، وغيرها من الوحدات الجوية الأميركية. ويتخوف المسؤولون الأميركيون، خصوصًا في وزارة الدفاع، من أنّ هذه الامتيازات التي تحصل عليها الولايات المتحدة في قطر ربما تكون مهددة في حال استمرت حملة التصعيد الدبلوماسي معها، وفي حال استمرار تصريحات ترامب غير المنضبطة تجاهها.
لذلك، يبدو أن مؤسسة الحكم لا تريد أن تبقى رهينة طريقة الرئيس الأميركي الحالي في اتخاذ المواقف وإدارة السياسة الخارجية، فنجدها تتدخل في كل مرة لضبط الأمور. ولكن، يحصل هذا التدخل في أغلب الأحيان بعد وقوع الضرر، على الرغم من أهميته؛ لذلك من المهم أن يحصل التغيير على مستوى تفكير الرئيس ترامب وسلوكه السياسي والدبلوماسي.