أسد بديل للأسد

05 اغسطس 2017
+ الخط -
يقال إن العالم لم ولن يجد بديلا لبشار الأسد غير بشار أسد آخر. بعد إعلانات مكثفة، استمرّت أعواما، وتحدثت عن "قرب، وحتمية، وضرورة، وشرعية، وقانونية... إلخ" رحيل بشار، مجرم الحرب الذي لا يقارن حتى هتلر به، "كوّع" العالم، وقرّر أن لا بديل للمجرم بشار الأسد غير مجرم من طينته. هذا الاكتشاف، أعلن بأصوات متنوعة قالت للسوريين: "مبين بشار متمسّك بالكرسي، هلكنا ونحنا نطالبو بكل لطف إنو يترك الحكم ويرحل. ما قبل، نحنا شو فينا نعمل أكتر من هيك مع واحد متلو، العمى بعيونو ما أيبس راسو، اللي خلانا بالآخر نطبق عليه الحكمة اللي بتقول: اللي ما بيجي معك تعا معو. لا تظنوا العملية كانت سهلة علينا، يشهد الله هلكنا من الدوارة، بس ما لقينا حدا، فاتفقنا كممثلين للشرق وللغرب إنو ما فيه حدا غيرو. ومع هيك، ما قرّرنا نقبلو إلا بعد ما حلف بشرفو إنو ما يعود هوي نفسه، ويصير بديل حالو، يعني حدا تاني. شو رأيكم تعتبروه، إنتو السوريين، كمان واحد تاني وترتاحو؟ ليش ما بتقبلوه إذا حط إيدو على شارب كبير لواحد من الحرس الجمهوري، وحلف بشاربه إنو طلع من جلد هداك المجرم اللي قتل أولادكن ونسوانكن. لا تجبروا بشار الجديد يكرّر اللي عملو بشار القديم، ترى بعدين منزعل منكن نحنا وهوي، وإنتو ما إلكن مصلحة إنو يزعل منكن. ما هيك؟".
هدف هذا النص العبثي الاعتراض على واقع يصعب تصديقه، هو قبول العالم، منذ عام ونيف، بقاء بشار الأسد في كرسي الرئاسة، خلال مرحلة انتقالية لم يحدّد أحد مدتها، سيكون خاضعا خلالها لرقابة دولية. اعتقدنا أول الثورة أنه المشكلة، وحين تبين لنا أن نظامه مرتبط به شخصيا، وأن الفوضى ستطيحه، بما سيترتب عليها من إضرار بمصالحنا، قرّرنا أنه صار هو الحل، ولاسيما أن نظامه كالدودة الوحيدة، ينتج نفسه من رأسه، من رئيسه. عندئذ، تذكّرنا حكمة "من تعرفه أفضل ممن تتعرّف عليه"، ونحن نعرفه، نعرف أنه حريص على إسرائيل، وأنه أسرف في قتلكم، بعد اكتشافه أنكم لا تريدون الحرية، ولو كنتم تريدونها لمنعتم الإرهابيين من سرقة ثورتكم وأخذها إلى نقيضها، فهل نرحّل صديق إسرائيل، لأنه يقتلكم، ونعاقبه لأنه كان على صواب؟ بشار ما بعد الثورة سيكون خادمنا، نحن الذين سنضع أيدينا عليه، وسنلقنه أفكاره، ونشرف على أفعاله. وإذا رفض أن يكون في جيبنا، سيجد نفسه تحت أقدامنا، فلا تبلغن الغفلة بكم حدا تصدّقون معه أننا ننقذه، لأنه لا بديل له أو لأنه بديل ذاته. بشار عمل كأبيه تحت جناح إسرائيل، ولم يزعجها أو يُثرْ حفيظتها يوما. بدورها، لم تتوقف عن تزكيته دوليا وحمايته محليا، وأقنعت الغرب والشرق بوقائع جولانية دامغة أنه عازف عن أي أمر آخر عدا السلطة، وليس رجل قيم وطنية أو قومية أو إنسانية، فهل بعد هذا تعتقدون أننا سنراه بأعينكم، ومن خلال أعداد قتلاكم ومهجّريكم على يديه وأيدي أجهزته وجيشه وشبيحته. أو سنخاصمه، لأنه دفن عددا كبيرا من السوريين أو أحرقهم أحياء؟
في نظرنا، لا تناقض بين أن يكون بيدقا بيدنا وجلادا يكبّلكم بقيود جدل حبالها ببحارٍ من دمائكم، فلا تظنوا خطأ أننا نقبل ما يرفضه: أن تكونوا شعبا حرا ومستقل الإرادة، يقرّر شؤونه بنفسه، وينظم حياته تحت سماء العدالة والمساواة، وتوقير الكرامة الإنسانية وحفظها. قد تغريه حريته بإقامة نظام ديمقراطي يعادي إسرائيل وبعض نظم الخليج. لن يلبث أن يثير القلاقل، ويعمل لإرغام إسرائيل على التخلي عن أطماعها الفلسطينية الراهنة، والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته الحرة، والسيدة على كامل الأراضي التي احتلتها عام 1967، ولتوظيف تفاعلاته في المجال القومي، لتحريض بعض العرب على الخروج من العصر الحجري، والدخول إلى زمن العدالة والكرامة والحرية الذي نرفضه كجنون لن نسمح به، دواؤه عند بشار.
سيبقى بشار بديل نفسه، ما دمتم عاجزين عن إرغامنا على ترحيله، أو عن ترحيله بأنفسكم. والدول، كما قد لا تعلمون، ليست مؤسسات عمل خيري، ولا تتردّد في ذبح كل من يسلمها عنقه بأخطائه، مثلكم أنتم.
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.