حصار قطر وحقوق الإنسان

05 يوليو 2017
+ الخط -
أفاق العالم في الخامس من يونيو/ حزيران 2017 على قرار رباعي من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية (دول الحصار) بقطع العلاقات الدبلوماسية، وإغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية مع دولة قطر، وترحيل مواطنيها من دولهم، ومنع مواطني تلك الدول من السفر إليها.
وبدأ التصعيد من دول الحصار، بعد اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية، وهو الأمر الذي أكدته وكالة التحقيقات الفيدرالية الأميركية، ثم اختلفت الأسباب المعلنة التي دفعت هذه الدول إلى اتخاذ هذه الإجراءات، ما بين اتهامٍ لدولة قطر بدعم الإرهاب وإقامة علاقات مع ايران وحركة حماس وحزب الله، من دون تقديم أدلةٍ تثبت هذه الاتهامات، متناسين القاعدة الشرعية القانونية: البيّنة على من ادّعى. إلا أننا لسنا بصدد عرض أسباب الحصار ومدى ثبوتها، بل يعرض المقال انتهاكات دول الحصار للقانون الدولي، وبالتحديد القانون الدولي لحقوق الإنسان.
ولمعرفة أبعاد انتهاكات حقوق الإنسان الناتجة عن هذا الحصار، من المهم عرض تعريف القانون الدولي لحقوق الإنسان، والذي عرّفته الأمم المتحدة: مجموعة من القواعد الدولية المُشرعة لحماية وتعزيز الحقوق المتأصلة للجميع، لمجرد كونهم بشراً بدون تمييز. مثل حق الصحة وحق التنقل وحق الإقامة وحق الملكية وحق حماية الأسرة وحق حرية ممارسة الشعائر الدينية وحق العمل وحق الأمومة وحق التعليم. وتتكون مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان
من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وأهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يعد القاعدة الأساسية التي بنيت عليها عديد من معاهدات حقوق الإنسان الدولية، كالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها. وتجتمع هذه الاتفاقيات والمعاهدات في إلزامها الدول بثلاثة مبادئ لحماية حقوق الأفراد وهي: احترام حق الفرد من خلال عدم التدخل فيه، وحمايته عن طريق منع الغير من التدخل فيه، والوفاء به، من خلال اتخاذ التدابير اللازمة لتسهيل ممارسته.
قرار دول الحصار إغلاق المنافذ الحدودية ومنع مواطنيها من الوجود على الأراضي القطرية، أو السفر إليها، ومنع القطريين من دخول تلك الدول، يعد اخلالاً بالتزاماتها بالحقوق الفردية لكل من مواطنيها ومواطني دولة قطر، بالإضافة إلى المقيمين في كل تلك الدول، ذلك لأنها لم تلتزم باحترام الحقوق الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات اللاحقة أو حمايتها أو الوفاء بها، وقد رصدت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر 13314 حالة انتهاك مباشر لحقوق الأفراد، وحدّدت نحو 30 ألف أسرة مشتركة بين دولة قطر ودول الحصار متضرّرة جراء هذه الانتهاكات. وبهذا القرار، تخالف هذه الدول المبادئ الثلاثة التي يفرضها القانون الدولي لحقوق الإنسان، فهي لم تحترم حق الفرد، لأنها تدخلت بشكل مباشر بمنعه من حقه، كما خالفت مبدأ الحماية، لأنها لم تمنع الآخرين من التدخل فيه. وأخيراً، خالفت مبدأ الوفاء بحق الفرد، لأنها لم تتخذ التدابير لتسهيل ممارسته، علماً أن إخلال الدول بأيٍّ من هذه المبادئ يعد اخلالاً بالحقوق الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات اللاحقة.
وتترتب على الإخلال بالمبادئ الثلاثة تبعاتٌ قانونية على الصعيدين، الشخصي والدولي، فعلى الصعيد الشخصي يحق لكل متضرّر مطالبة دول الحصار بالتعويضات المتناسبة مع الضرر
الذي لحق به، من خلال المحاكم الوطنية أو الدولية. وعلى الصعيد الدولي، هناك مستويان من الإجراءات القانونية التي يمكن اتخاذها. الأول أممي، يتمثل باللجوء إلى المفوّض السامي لحقوق الإنسان ومجلس حقوق الإنسان واللجنة الثالثة التابعة للأمم المتحدة، والتي ترفع توصيتها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بهذا الشأن، لكن أكثر الإجراءات فعالية هو اللجوء لمجلس الأمن الذي يمتلك الصلاحية في اتخاذ قراراتٍ لفض النزاعات المهدّدة للأمن والسلم، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة. المستوى الثاني مرتبط بالمؤسسات الدولية المستقلة، حيث يمكن البدء في منازعة قرار الحصار وتبعاته، وفقاً لنظم تلك المؤسسات، مثل منظمتي التجارة العالمية والطيران المدني الدولية.
وبناءً على ما سبق، تتضح انتهاكات دول الحصار القانون الدولي لحقوق الإنسان، وبالتحديد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات اللاحقة له، ما يعني أن إصرارها على الاستمرار في هذه الانتهاكات والمخالفات قد يعرّضها لعقوباتٍ دوليةٍ، قد تصل إلى حد العزلة السياسية أو الاقتصادية أو المالية.
5F8C86A8-17BA-48B2-989F-B92F4A809F54
5F8C86A8-17BA-48B2-989F-B92F4A809F54
سلمان أحمد الانصاري

محام وحقوقي قطري. عمل محاضرا في جامعة قطر، ومستشارا قانونيا ومحاميا لشركة محاماة دولية. ماجستير في القانون من جامعة بنسلفانيا في الولايات المتحدة. وماجستير إدارة الاعمال التنفيذية من جامعة باريس.

سلمان أحمد الانصاري