انقلاب تركيا والنموذج المصري

21 يوليو 2017
+ الخط -
مرّت قبل أيام الذكرى الأولى للمحاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدتها تركيا في يوليو/ تموز من العام الماضي. وقد حملت الذكرى شجونا عديدة للمواطنين العرب المنكوبين في ثوراتهم، والذين وضعوا أيديهم على قلوبهم في تلك الليلة، خشية نجاح الانقلاب وتقويض التجربة التركية، بما ستحمله من نتائج كارثية على أوضاع العرب بشكل عام، والسوريين بشكل خاص، وبجانبهم آلاف من المصريين الهاربين من قمع النظام، والمقيمين في تركيا.
تعدّدت المقالات والتحليلات التي حاولت تقديم مقارباتٍ عديدة للحدث التركي، بدءا من تحليل أسباب (وعوامل) صمود الأتراك، ونجاحهم في إفشال الانقلاب، مرورا بمقارنة أسباب نجاح الأتراك وفشل العرب، وكيف ساهمت تجربة الانقلاب العسكري في مصر في إفشال نظيرتها في تركيا، وليس انتهاء بالدروس المستفادة من الحدث.
وجدت، وأنا مواطن مصري، بلدي قد أصبح، بتجربته المأساوية وأوضاعه الكارثية الحالية، عبرة للجميع، ومصيراً يخشى الكل من أن يلقاه، ونموذجا يحرص الجميع على تجنبه وعدم اتّباعه، فليس سرا أن نجاح الانقلاب العسكري في مصر ونتائجه الوخيمة قد ألقى بظلاله على إدراك المواطنين الأتراك، وهم يتصدّون للدبابات في شوارع إسطنبول وأنقرة وغيرهما. كما كانت التجربة المصرية، بجانبها السلبي، أحد العوامل التي ساهمت في تبرؤ جميع القوى السياسية التركية من الانقلاب أو من تأييده، وهو ما أدى إلى ظهور الانقلاب التركي عاريا عن أي شكل من الغطاء السياسي الذي تمتع به الانقلاب المصري، بمباركة (وتأييد) القوى
 السياسية المصرية التي تسمي نفسها "مدنية". وقد ظهر ذلك الإدراك واضحا منذ اللحظات الأولى لمحاولة الانقلاب، ولعلنا نتذكّر تصريح الرئيس التركي السابق، عبد الله غول، من أن تركيا ليست "دولة أفريقية"، لكي يحدث فيها انقلاب، وإرسال السلطات التركية رسائل على الهواتف المحمولة للمواطنين، تحثّهم فيها على البقاء في الميادين، وعدم تكرار خطأ المصريين الذين تركوا الميدان، بالإضافة إلى حرص رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، في كلمته بعد فشل الانقلاب بأسبوعين، على القول إن تركيا ليست مصر أو سورية، كما انتشرت صورة عبد الفتاح السيسي في ميادين تركيا بجوار فتح الله غولن المتهم بتدبير محاولة الانقلاب، في رسالةٍ من الأتراك بأنهم يعلمون جيدا من يقف وراء المحاولة، ومن يدعمها، ومن كان يتمنى نجاحها.
لم يترك الإعلام المصري، في ذلك الوقت، أي فرصةٍ للشك في حقيقة الموقف الرسمي المصري من المحاولة الانقلابية، كما لم يترك الفرصة ليذكّرنا بانحطاطه المذهل، وانحيازه إلى كل المجرمين وأشكال الإجرام في العالم أجمع، فرأينا كيف هلل الإعلاميون المصريون للانقلاب في ساعاته الأولى، وكيف روّجوا نجاحه، وكيف أطلقوا على ما حدث "ثورة الجيش"، ثم كيف انقلبوا وأعربوا عن خيبة أملهم وإحباطهم الشديد من فشل الانقلاب، وكيف صرخوا من الألم، عندما شاهدوا عمليات القبض على الضباط الانقلابيين (الانقلابي للانقلابي كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضا)، وكيف لجأوا إلى تلفيقاتٍ مضحكة، مثل الادعاء بأن الحدث بأكمله "مسرحية" نفذها الرئيس رجب طيب أردوغان، ليتمكّن من إهانة الجيش التركي.
ولم يتخلف الموقف الرسمي المصري مما حدث عن موقف الأذرع الإعلامية، فقد تحفظ نظام السيسي على مشروع قرار منظمة التعاون الإسلامي باعتبار جماعة غولن التركية إرهابية. كما عرقل مندوب السيسي في مجلس الأمن مشروع بيان للمجلس يدعو إلى دعم الحكومة التركية المنتخبة بالوسائل الديمقراطية، ويتخذ موقفاً ضد محاولة الانقلاب الفاشلة ضدها، بعد أن اعترض المندوب المصري على عبارة "التي وصلت إلى السلطة عبر انتخابات ديمقراطية"، بالذات لوصف الحكومة التركية في نص البيان، زاعما أن المجلس لا يملك وصف أي حكومةٍ بأنها منتخبة ديمقراطيا، وهو ما دفع المتحدث باسم الحكومة التركية إلى القول إن ذلك الاعتراض طبيعي، بالنسبة إلى نظام وصل إلى الحكم في انقلاب عسكري.
لم تتوقف "العبرة المصرية" بعد الانقلاب العسكري على المجال السياسي، بل تعدّتها إلى مجالاتٍ أخرى، فقد استعدت الحكومة المغربية لتعويم عملتها المحلية بحملة لطمأنة المواطنين تحت شعار "المغرب ليس مصر"، في إشارةٍ إلى تجربة مصر في تعويم عملتها، والتي أدت إلى انخفاض حاد وغير مسبوق في العملة، تجاوز نسبة 100%، وعقد البنك المركزي المغربي مقارنةً مع ما حدث في مصر، واصفا قرار نظيره المصري بتعويم العملة بأنه
"قسري وغير منظم"، كما أعد البنك جدولا يوضح الفوارق بين ظروف القرار في مصر والمغرب، مؤكدا أن القرار لن يؤدي إلى انخفاض كبير في العملة، مثلما حدث في مصر. وهو ما قامت به تونس، إذ صرحت وزيرة المالية التونسية، لمياء الزريبي، أن البنك المركزي لن يسمح بانزلاقٍ كبير للعملة المحلية، مثلما حدث في مصر، عندما جرى تعويم الجنيه، كما أصبحت مصر مثالا لا يجب أن يُحتذى، بل ويجب تجنبه في مجالات أخرى عدة، فقد احتلت مصر المرتبة الرابعة عالميا في قائمة أكثر الدول التي لا تحترم القانون. وبرزت مصر ضمن قائمة الدول الأكثر خطورةً على حياة السائحين، وفقا لتقرر نشرته صحيفة ديلي ميرور البريطانية. واحتلت مصر قائمة الدول التي لا يجب أن تُزار مرة أخرى، وفقا لتقييم صحيفة ديلي ميل البريطانية، والتي أسهبت في سرد المصاعب التي يواجهها السائحون في مصر بشكل تفصيلي. كما حصلت مصر على المركز الأول في العالم في عدد وفيات حوادث الطرق، وفقا لتقرير منظمة الصحة العالمية عام 2016 بعدد ضحايا بلغ أكثر من 25 ألف قتيل ومصاب. ووضعت مصر ضمن قائمة الدول الأسوأ سمعةً وفقا لتصنيف معهد السمعة العالمي. حتى إن صحيفة اليوم السابع، الموالية بشكل مطلق للنظام، نشرت تقريرا مجمعا عام 2014، يوضح ترتيب مصر في المؤشرات الدولية والإحصائيات العالمية، أوضحت فيه أن مصر هي الأولى في الأمية والطلاق والإصابة بفيروس سي وتلوث الهواء وحوادث الطرق وسوء أحوال المعيشة، والثانية في التحرّش والاتجار بالنساء، والأخيرة (في ذيل الدول) في مؤشّرات السعادة وجودة التعليم. وعلى الرغم من أن نظام السيسي يقول للمصريين إنهم بخير، لأنهم أفضل من سورية والعراق وليبيا، فإن شعوبا كثيرة تحمد الله على أنها "ليست مصر" بعد ست سنوات على ثورةٍ كان الجميع يتمنى لو يقوم بمثلها، لينقلب الحال، وتصبح مصر نموذجا في تصوير مآل الدول التي تشهد انقلابات عسكريةٍ في هذا الزمن.
D90F1793-D016-4B7E-BED2-DFF867B73856
أسامة الرشيدي

صحفي وكاتب مصري، شارك في إنجاز أفلام وحلقات وثائقية عن قضايا مصرية وعربية، وكتب دراسات ومقالات نشرت في مجلات ومواقع إلكترونية.