الديمقراطيفوبيا والخليج

14 يوليو 2017
+ الخط -
لم يعد خافيا أن الصراع الحاصل في الشرق الأوسط هو بين الأنظمة الاستبدادية والشعوب المتطلعة للديمقراطية والحرية، وما الإرهاب إلا أداة تستثمرها النظم القمعية، وتتخذها ذريعة لضرب المشاريع الديمقراطية والحركات التحريرية، وكذلك تتخذها الدول الغربية، وتحديدا أميركا وسيلة لابتزاز دول البحر النفطي.
في خطاب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في قمة الرياض، وأمام زعماء العالم العربي والإسلامي، لم يذكر مصطلح الديمقراطية، ولم يشر إليه من قريب أو بعيد، بينما ذكر مصطلح الإرهاب في أكثر من موضع، وكرّر ذلك عشرات المرات، ليس لأنه يكره الديمقراطية، فهو من بلد ديمقراطي وجاء إلى الرئاسة بانتخابات. هناك سببان لعدم ذكر هذه المفردة التي طالما يتغنّى بها الأميركان في كلّ المحافل، وهما:
أولا، تجنب الحديث عن الديمقراطية في قمة تاريخية، لأن البلد المستضيف يحكم بنظام ملكي، ومن واجب الضيف أن لا يجرح مشاعر مضيفيه، وهو يدرك أن هذه المصطلحات مجرّم ذكرها أو تداولها، وتثير الحساسية، حتى صارت عند هؤلاء الحكام فوبيا من الديمقراطية، بإمكانهم محاربتها، ولو كانت خارج الجغرافيا العربية.
ثانيا، هو جاء لتحقيق هدف واحد يتمثل بالمليارات، وأما تركيز أهداف القمة حول الإرهاب فقط فكان ذلك مجرّد ورقةٍ، يمكن من خلالها اختلاس الأموال الضخمة وتمرير الصفقات، فالرجل يدرك أنّ ذكر الديمقراطية قد تفسد ما جاء لأجله، على خلاف خطاب سلفه باراك أوباما في جامعة القاهرة، فالأميركان يدركون جيدا أنّ الاستبداد وغياب الديمقراطية هو من صنع الإرهاب، وأنّ ما يحدث في الشرق الأوسط نتاج القمع وتضييق مساحة الحرية. لكن، ما دامت مصالحهم مرتبطة ببقاء الإرهاب والأنظمة المستبدة والهشة، فلزاما عليهم التناغم مع الوضع القائم.
كشفت الأزمة الخليجية أخيرا عن حجم الديمقراطيفوبيا لدى بعض حكام الخليج، فمن خلال الأسباب التي دفعتهم إلى حصار قطر واتهامها بالإرهاب ودعمه، يتضح أن الأزمة تمثل امتداداً لموجة الثورات المضادة التي تتزعمها الإمارات وتمولها، والتي بدأت من مصر في 2013، وأنّ هذه الخطوات التصعيدية ضد قطر، عقب قمة الرياض هي عقاب لقطر، لأنها وقفت مع الشعوب في اختيار من يحكمهم في ثورات الربيع العربي.
كل المطالب التي قدمت لقطر تتعلق بالديمقراطية والحريات، جماعة الإخوان المسلمين و قناة الجزيرة، وحقها السيادي في علاقتها الخارجية، ولم يثبتوا بدليل واحد صحة الاتهامات التي ساقوها بعد ساعات من إعلان فرض الحصار، وهو ما جعلهم الآن في حالة ارتباكٍ بعد موجة الانتقادات الدولية، وكذلك الموقف القطري الصلب.
يفهم من هذه التطورات أنّ الارهاب الذي تقصده السعودية وأخواتها ليس الذي نعرفه نحن والعالم، وإنما الحركات والأحزاب والمنظمات التي تؤمن بالحريات والديمقراطية مبدأ للحكم والوصول إلى السلطة.
إنها الحرب التي يتزعمها محمد بن زايد على جماعة الإخوان المسلمين، وامتدت نيران هذه الحرب إلى كل دول الربيع العربي، وتجاوزت الحدود الجغرافية، ووصلت إلى تركيا وبريطانيا، وليس لخلاف عقائديا وإيديولوجيا كما يظن بعضهم، وإنما لأنّ هذه الجماعة مرتبطة بالديمقراطية، ولأنها الأكثر حضورا والأقوى تنظيما، ولديها القدرات والإمكانات التي توصلها إلى الحكم في حال ترسخت الديمقراطية، وهذا ما حدث عقب ثورات الربيع العربي في مصر وليبيا وتونس والمغرب، والذي أصاب أنظمة الخليج باستثناء قطر بالسعار.
صار واضحا أن كل من يؤمن بالديمقراطية مستهدف، وتهمة الإرهاب جاهزة، إسلاميا كان أو يساريا. ما يحصل الآن في دول المنطقة حرب ممنهجة، هدفها القضاء على مشاريع الثورات العربية، وسحق الديمقراطية، وكل من يدعو إليها، من حركات وأحزاب، واستبدالها بالحركات المتطرّفة التى ترى الديمقراطية والسياسة كفرا وخروجا عن الجامعة والإسلام.
الحكومة التي تضيق ذعراً من تغريدة لمواطن من شعبها، لا تمانع في إشعال الحرائق وتحويل المنطقة إلى ركام، ما دام ذلك سيزيح كابوس الديمقراطية والرأي الآخر من أمامها. وأما الإرهاب فهو شماعة، ستبقى قائمةً ما دام مشروع الثورات قائماً.
DD268FEC-6110-453D-B288-E14D02EF55F5
DD268FEC-6110-453D-B288-E14D02EF55F5
ياسين العقلاني (اليمن)
ياسين العقلاني (اليمن)