تداعيات النزاعات على اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية

05 يونيو 2017

طفلة فلسطينية في مخيم في بغداد (22/3/2004/فرانس برس)

+ الخط -
طرد الصهاينة عام 1948 أهالي 531 مدينة وقرية في فلسطين، بالإضافة إلى أهالي 662 ضيعة وقرية صغيرة، ونتيجة التدمير والطرد الممنهج من الصهاينة، ولما سميت الحرب العربية الإسرائيلية وقتها، فإن 85% من أهالي الأرض التي أقيم عليها الكيان الصهيوني (إسرائيل) أصبحوا لاجئين. كما طرد ونزح من الأراضي التي سيطرت عليها إسرائيل حوالى 957 ألف عربي فلسطيني، أي ما نسبته 66% من إجمالي الفلسطينيين الذين كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية. وتفيد سجلات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بأن عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لديها في مطلع العام 2017 بلغ 606, 777, 5 لاجئين. وحسب بيانات الوكالة الأممية للفترة نفسها، فإن اللاجئين موزعون على النحو التالي:
351, 814 لاجئا في الضفة الغربيه و1408399 في غزه، إضافة إلى 876,264, 2 في الأردن و508,750 في لبنان و611,668 في سورية. إضافة إلى هذه الفئات من اللاجئين، هنالك من يعرفون بمهجري الداخل في فلسطين المحتله عام 1948، وهؤلاء تم إبعادهم عن أرضهم وأماكن سكنهم، وهم لا يستطيعون العودة إلى أراضيهم، ولا بيوتهم، ولا حتى الصلاة في أماكن عبادتهم، بسبب منع القوات الإسرائيلية لهم من القيام بذلك، لكنهم ليسوا مثل باقي اللاجئين، فهم يحملون الجنسية الإسرائيلية "كمواطنين"، ولكنهم بلا مواطنة، ويعيشون في أماكن قريبة من قراهم المهجرة، وهم يشكلون ما نسبته 30% من العرب الذين بقوا فوق ترابهم الوطني، وعددهم، حسب مركز الإحصاء الفلسطيني، هنالك حوالي 1,460000 عربي فلسطيني، ممن يحملون الجنسية الإسرائيلية نهاية عام 2015، ومن بينهم أكثر من 400,000 مهجر. وفوق ذلك، فان بعض اللاجئين فرّوا إلى العراق، وأكثريتهم بمواكبة الجيش العراقي، وبلغ عددهم عام 1948 حوالى أربعة آلاف إنسان، كما ولجأ إلى مصر حينها نحو سبعة آلاف شخص، ولم يتم تسجيل هذه الفئات من اللاجئين في "أونروا"، لأن الدول المضيفة أبدت استعدادها لتوفير مستلزمات هذه الفئة من اللاجئين. كما ولجأ عدد قليل من الفلسطينيين إلى دول عربية أخرى، كالكويت والسعودية وليبيا.


في الكويت والعراق
بدأت التداعيات السلبية للنزاعات في المنطقة على أحوال اللاجئين الفلسطينيين تظهر بعد حصول سلسلة من المتغيرات، طاولت الكتل البشرية الفلسطينية في مناطق النزاع العربية، بحيث إن عددهم في الكويت كان بين 350 ألفا و400 ألف قبل احتلالها من العراق، وهم من مختلف مناطق الشتات، وشكلوا حينها أكبر تجمع فلسطيني في دول الخليج، غير أن هذا العدد تضاءل نتيجة الحرب التي اندلعت عام 1990 إثر التدخل الأميركي لتحرير الكويت، حيث حصلت سسلسلة من الاعتداءات غير المقبولة على الفلسطينيين، في رد فعل على ما سمي تحالف الفلسطينيين مع العراق. كما أنه، بعد انتهاء الحرب، لم يبق في الكويت إلا فلسطينيو الضفة الغربية وقطاع غزة وجزء بسيط من اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في لبنان، وذلك لأنهم لم يتمكنوا من الذهاب إلى بيوتهم ومراكز سكنهم، فقد كانت السياسة الإسرائيلية تركز على تشتيت الفلسطينيين، وليس السماح لهم بالعودة للضفة الغربية وقطاع غزة. وبحلول عام 1995، أصبح عدد الفلسطينيين في الكويت لا يتجاوز 26,000، الأمر الذي أكد صحة وجود خطط للتخلص من الفلسطينيين وتبديدهم.
كما واجه اللاجئون الفلسطينيون في العراق مأساةً حقيقية بعد الاجتياح الأميركي عام 2003، حيث شهد الوضع الأمني لما يناهز 34,000 لاجئ فلسطيني في العراق تدهورا حادا، وأضحى اللاجئون الفلسطينيون في العراق هدفا للعنف والمضايقات والطرد من المنازل، عقب سقوط العراق على يد قوات التحالف التي قادتها الولايات المتحدة، حين دأب مهاجمون مجهولون على إطلاق أسلحتهم الهجومية وقذائف الهاون على أماكن سكن الفلسطينيين، وتقدّمت جماعات مسلحة توعدتهم بالأذى إن لم يغادروا العراق فوراً. وفي خضم العنف السياسي والإجرامي في العراق، تم استهداف الفلسطينيين أكثر من الأقليات الأخرى. وحسب بيانات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في 28/9/2003، فإن عدد الفلسطينيين المقيمين في العراق بلغ وقتها 5227 عائلة مكونة من 22100 فرد، من بينهم 4273 عائلة مؤلفة من 18233 فردا من حملة وثائق السفر العراقية، فيما ذكرت المفوضية أن البقية هم فلسطينيون من حملة جواز سفر أردني، ومقيمون في العراق (443 عائلة مكونة من 1923فردا) وفلسطينيون من حملة وثائق سفر فلسطينية مصرية مبعدون من الكويت، ومقيمون في العراق (210 عائلات مكونة من 992 فرداً). أما البقية فهي من الفلسطينيات المتزوجات من مواطنين عرب مقيمين في العراق.
وحسب الموقع الإلكتروني لفلسطينيي العراق، فقد أدى تفجير 22 فبراير/ شباط 2006 الذي دمر واحدا من الأضرحة الشيعية، وهو جامع الإمام العسكري في سامراء، إلى موجة من القتل الطائفي، حيث هاجم مسلحون أماكن سكن الفلسطينيين في بغداد، فقتلوا عشرة منهم على الأقل، كان بينهم شقيقا الملحق الفلسطيني السابق في بغداد، واللذان اختطفا من منزل والدهما، ثم وجدا مقتولين بعد يومين. وعلى النقيض من المواطنين العراقيين المعرّضين للخطر، والذين تمكّن معظمهم من إيجاد ملجأ خارج البلاد، لم يكن أمام الفلسطينيين مكان يفرّون إليه، فدول المنطقة، مع استثناءات قليلة، تغلق حدودها بإحكام أمام الفلسطينيين الفارّين من العراق. وواجه الفلسطينيون الذين حاولوا الفرار عقبات أكبر بكثير مما واجهه العراقيون، بمن فيهم أفراد الأقليات الأخرى المعرّضون للخطر، كالمندائيين والكلدان، حيث رفضت البلدان المجاورة، كالأردن والكويت والسعودية وسورية، استقبالهم. ونتيجة هذه الأوضاع، لم يتبقَ من الفلسطينيين داخل العراق سوى ما يقارب 5000 لاجئ، وربما أقل أو أكثر من ذلك قليلًا، وهو ما يماثل عددهم عند قدومهم مهجّرين من فلسطين إلى العراق عام 1948، والغالبية العظمى منهم يوجدون في منطقة البلديات في بغداد، وفيها ما يقارب ثلاثة آلاف لاجئ، في حين يتوزع ما يقارب ألف لاجئ في مناطق بغداد الأخرى، مثل مناطق الزعفرانية وحي السلام (الطوبجي) ومدينة الحرية والصرافية والدورة وتل محمد ومناطق أخرى. أما في مدينة الموصل شمال العراق فهناك ما يقارب 1100 لاجئ. وعلى الرغم من أن تبدل الظروف داخل العراق، وانحسار عدد اللاجئين الفلسطينيين فيه، وحصرهم في مناطق محددة، خفف من حالات الاستهداف المباشر، ما زالت حالة القلق تسيطر على اللاجئين، فهم معرّضون في أي لحظةٍ للاتهام بأنهم إرهابيون، حيث لا يزال في السجون العراقية ما يزيد على الثلاثين معتقلاً، من دون توجيه اتهامات حقيقية مدعمة بالأدلة وبدون محاكمات. وتضم السجون العراقية
فلسطينيين محكوما عليهم بالإعدام أو المؤبد، بتهم معظمها باطلة، أو من دون دليل دامغ. وقد تعرّض اللاجئون الفلسطينيون في العراق لعملية اجتثاث منظمة من الحكومات العراقية المتعاقبة والمليشيات الطائفية. وبالتالي، شكّل تبديد وجود اللاجئين الفلسطينيين في العراق أحد العوامل السلبية الناتجة عن النزاع الذي طاول البلد إثر التدخل الأميركي.

في سورية
أما في سورية، فيذكر المفوض العام لـ"أونروا" أن استمرار النزاع فيها خلال العام 2017 يتسم بوحشية وضراوة متزايدة، فيما لم تحقق الجهود الساعية إلى التوصل إلى حل سياسي النجاح المنتظر، حيث يوجد الآن ما يزيد على 4,8 ملايين شخص من سورية مسجلين لاجئين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وقرابة 6.5 ملايين شخص مهجرين داخل البلد، ما يجعل هذا الوضع يمثل أكبر أزمة تهجير في العالم. وفي خضم الكم غير المعقول من إراقة الدماء والدمار في سورية، يعد اللاجئون الفلسطينيون من بين أشد المتضررين، فمن بين 560,000 لاجئ فلسطيني مسجلين لدى "أونروا" في سورية، اضطر حوالي 400,00 للنزوح عن مساكنهم، وبينهم ما يزيد على 120,000 نزحوا عن البلد إلى لبنان والأردن ومصر وإلى أبعد من ذلك، بما يشمل أوروبا، فيما لا يزال 280,00 لاجئ فلسطيني من ضمن النازحين داخل سورية. كما أن هنالك 43,000 عالقون في مناطق محاصرة، ويصعب الوصول إليها، بما في ذلك مناطق القتال في اليرموك وخان الشيح. وبالتالي، فان لاجئي فلسطين تأثروا بشكل كبير جرّاء النزاع المسلح الدائر، حيث إن كل مناطقهم السكنية تقريبا تشهد اشتباكات مسلحة. ومن حيث النسبة والتناسب، يعد النزوح في أوساط الفلسطينيين أعلى بكثير منه في أوساط السوريين، كما أن تهديد الملاذ الآمن في سورية جنّب الفلسطينيين خيارات الهروب المقيّدة بشكل حاد، حيث وضع لاجئو فلسطين في مواجهة تحديات غير مسبوقة.
واضطر قرابة 16,000 لاجئ فلسطيني من سورية إلى النزوح إلى الأردن، في مقابل حوالي 31,000 إلى لبنان. ويضطر اللاجئون الفلسطينيون من سورية في لبنان والأردن إلى العيش في ظروفٍ محفوفة بالمخاطر ومهمشة، بسبب وضعهم القانوني غير الواضح، وهم يحصلون على قدر محدود من الحماية الاجتماعية، ما يجعلهم معتمدين بشدة على "أونروا "في تلبية احتياجاتهم الأساسية. وتكمن خصوصية الوجود الفلسطيني بالنسبة للاجئين الفلسطينيين في سورية، بما تمثله المخيمات من تجمعاتٍ مؤقته للاجئين إلى حين عودتهم، ومخاطر تلاشيها واندثارها تشكل خطراً على رمزية حق العودة، وما يترتب على ذلك من تداعياتٍ سلبية على قضية فلسطين وثوابتها. ومن أهم تداعيات الأزمة في سورية ما حل بالمخيمات الفلسطينية من تهجير ودمار، بعدما وصلت نيران الحرب إلى داخلها أو محيطها. والأنكى أن الفلسطينيين لا يحظون بالمميزات نفسها التي ينالها أقرانهم من السوريين في حالات اللجوء إلى الخارج.

مسؤوليات غائية
ولذا، فان ما جرى في الكويت وبعدها في العراق وما يجري في سورية اليوم، وما يجري
الإعداد له في لبنان إثر سقوط مخيم نهر البارد، وما يتعرّض له مخيم عين الحلوة من استهداف الجماعات المتطرّفة، وهو المخيم الذي يعتبر أكبر مخيمات الشتات بعد احتلال مخيم اليرموك، كل ذلك يعتبر استهدافاً لمراكز تجمع اللاجئين، بهدف تبديد وحدتهم البشرية التي شكلت أحد مداميك التمسّك بحق عودة اللاجئين إلى ديارهم، ففي لبنان وبعيداً عن مسارات الحرب الأهلية وحروب المخيمات التي أدت إلى فرار نسبة كبيرة من اللاجئين نحو أوروبا، بحيث أن عدد اللاجئين تضاءل بشكل حاد، بعيدا عن ذلك، فإن اللاجئين الفلسطينيين محرومون من حقوقٍ إنسانية أساسية كثيرة، كحق الملكية العقارية وحق العمل في المهن الحرّة، كما أن حصار المخيمات والحالة الأمنية الملتبسة فيها، كل ذلك أدى إلى دفعهم إلى خيارات اللجوء والفرار إلى الخارج. ولهذا، فإن استهداف الوجود الفلسطيني في الدول العربية كان، ولا يزال، مرتبطا تاريخياً، وبشكل ما، بمشروع سياسي يستهدف الحقوق الفلسطينية الوطنية، وتصفية مقاومة الشعب الفلسطيني، أو يستهدف حماية مصالح فئوية تتعارض، في المحصلة، مع منطق التحرّر والانعتاق من الاحتلال والهيمنة الغربية.
وبالتالي، شكل ما حصل في تجمعات اللاجئين الفلسطينيين مؤشراً على سلبية المتغيرات في الوطن العربي، فالقضية الفلسطينية كانت قضيةً مركزية لدى العرب، ولم تعد كذلك بعد "كامب ديفيد" والاجتياح العراقي للكويت، والصراعات الجانبية العربية. إنّ مواجهة التوجّه العربي والدولي المتصاعد والذي ينحو إلى التنصّل علناً من مسؤولية البحث عن حل عادل لقضية اللاجئين، بناءً على القرارات الدولية وقواعد القانون الدولي، والتراجع العربي في التمسّك بالقضية الفلسطينية قضية وطنية جامعة، بل وسعي بعضهم إلى الصلح مع الكيان الصهيوني كطريق للسلام المأزوم؛ كل هذا يستدعي ضرورة توفير آليات مواجهة، من أسسها حماية اللاجئين من التشتت مجدداً، وإعادة بعث مشروع وطني فلسطيني جامع للفلسطينين في الوطن المحتل بمناطقه كافة، وفي مناطق الشتات.
E64A09A2-8DB9-4CBB-887F-F1218463AA87
E64A09A2-8DB9-4CBB-887F-F1218463AA87
محمود العلي

باحث فلسطيني، دكتوراه في علم الاجتماع. عمل استاذاً مساعداً في معهد العلوم الاجتماعية - الجامعة اللبنانية، وفي عدّة وظائف في "الأونروا"، باحث ومنسق مركز حقوق اللاجئين – عائدون.

محمود العلي