نخبٌ على مواقف الحكام

25 يونيو 2017
+ الخط -
نخبة العرب على مواقف حكامها. تأكد هذا الحكم وتعزّز في أزمة الخليج الراهنة. كل مثقف يغني على أنغام السلطة السياسية في بلاده، ويواكب أطروحاتها، بغض النظر عن صوابها من عدمه، فقد باركت غالبية الشخصيات العامة في الدول المقاطعة قطر هذا الفعل، وذهبت تنظر وتفسر وتحلل سياسات قطر وسلوكها تجاه دولهم. سواء تعلق الأمر بأكاديميين، إعلاميين، فنانين وكذا مشايخ الدين.
تحتاج هذه الظاهرة إلى التوقف عندها، والتفكير في مدى تغلغل عقلية الأنظمة السياسية السلطوية في نفوس أناسٍ يُنتظر منهم، في الظروف العادية، أن يكونوا وسطاء وملطفين للتوتر الذي ألمّ بمنطقة الخليج العربي التي تتداخل فيها العلاقات قبليا وعائليا وكذا دينيا، ما يجعل قطع العلاقات تفتيتا للنسيج المجتمعي، وضرباً للعلاقات الإنسانية غير المسيسة في الصميم.
ساير غالبية مثقفي الدول الأربع (العربية السعودية، الإمارات العربية، البحرين، مصر) أطروحة حكامهم، واختار كثيرون منهم الصعود على دخان الحريق، في غفلة منهم بأن التاريخ سجل للمواقف. تبنى إعلاميو السعودية والإمارات (مع إبقاء الاستثناء حاضرا) مبادئ مدرسة الإعلام المصري الجديد، والذي لا يتقن شيئا سوى صدمة الكلمات، وصنع التهم، ونسج الفضائح وترويجها. إعلاميون كثيرون لا يفهمون ما يقولون، من منطلق أن النص يأتي جاهزا من دوائر صنع القرار مباشرة إلى استودوهات صب الزيت على النار. ويعرف السواد الأعظم منهم، أحسن من غيرهم، أن قناة الجزيرة أهم مؤسسة إعلامية في شرقنا التعيس. والدوحة أكثر مدن الشرق الأوسط أمنا وسلاما في منطقةٍ لا يأمن الإنسان على نفسه في بيته.
سار على الخطى نفسها فنانون ومشايخ دين، وإن كان الأمر يقبل من الفنان ولو بمرارة، فإنه لا يصدق حين يصدر من علماء الدين ونجوم الدعوة إلى دين السلام، فقد وافق شيوخٌ حكامهم وقادتهم من دون بينة، أو صمتوا صمتا لا يليق بهم عن حصار الأخ أخاه أيام شهر الرحمة. وغضّوا أبصارهم عن ضرب العلاقات العائلية الخليجية في الصميم، واتهام قيادة شعب شقيق بدعم الإرهاب وتمويله، وهم أكثر الناس علما بوسطية المجتمع القطري وسماحته، وكيف استطاع احتضان فسيفساء دينية وإثنية من المقيمين على أرضه.
كما أن بعض رجال الأكاديميا والبحث العلمي جعلوا أنفسهم شاشاتٍ تعكس مشروع مستخدميهم، ومحللين تحت الطلب. يقولون ما يروق لمن اتصل بهم، ويتسابقون فيما بينهم حول موقع الأكثر ابتكارا في اتهام قطر وسلطتها السياسية. في مقابل هذا، واجهت النخب القطرية هذه الحملات القاسية والمركبة بعقلانية، استمدتها من تعقل قيادتها، وعدم تسرّعها في اتخاذ أحكام وقرارات تزيد الأمور سوءا. لم يظهر أي قطري في الإعلام ينادي بطرد رعايا الدول المقاطعة خارج الحدود. ولم تورط المؤسسات الإعلامية القطرية نفسها في الخوض في الأعراض، ولم يتهم أحد في قطر مؤسسات خيرية في الطرف الآخر بدعم الإرهاب وتمويله.
لا يُطلب من نخبة الخليج ومصر أن تكون محايدة، والا فإنها تفقد صفة النخبوية، وإنما يطلب منها أن تكون موضوعية في الحكم في أثناء أزمةٍ لا تتحملها دول ومجتمعات مجلس التعاون الخليجي، فالأزمة ليست مجرد اختلاف وجهات نظر حول قضيةٍ أو طرف معينين. بل هي اتهاماتٌ مباشرةٌ إلى حكومة شقيقة بأنها تدعم الإرهاب. والسكوت على هذا الأمر تصديقٌ للتهمة وتثبيت لها. وغياب دليل ملموس عليه لا يسيء سوى لمن أطلقه، لأنه يعدّ، في هذه الحالة، ملفق تهم وكاذبا في حق الآخر.
لا تؤدي نخب الدول الأربع دور الوسيط الحكيم الملين للخلافات، وإنما تلعب دورا سائلا يأخذ شكل السياق الذي توضع فيه، فقطر سيئة مدام الحكام يرون ذلك، ولن تعود كذلك في حالة عودة المياه إلى مجاريها، وتغيير أصحاب السلطة رأيهم. فقد المثقف بريقه، وأضحى ذاتا مطاطية تتمدّد وتتقلص بحسب المناخ السياسي، وتقلبات مزاج النافذين. أغفل مثقفو الجوقة الإعلامية، أن اتهام قطر يعني اتهام دول الخليج جميعها. وتشويه سمعة الشعب القطري دوليا تشويه لكل المجتمعات الخليجية المحافظة والمسالمة، فقطر ليست سوى جزء من الخليج، وشعبها جزء من المجتمع الخليجي الكبير الذي ربطته علاقات وشائجية وعائلية وقبلية. لقد اتهم المقاطعون ونخبهم أنفسهم باتهام قطر، وأساؤوا إلى أنفسهم بالإساءة إليها.
4B2FBF0A-B9D0-45E8-BB60-FC5241F9CD45
4B2FBF0A-B9D0-45E8-BB60-FC5241F9CD45
بلقاسم القطعة

طالب جزائري في معهد الدوحة للدراسات العليا

بلقاسم القطعة