10 ابريل 2019
أثر ترامب والعبور إلى اللعنة
ذهبت مع الريح تصوراتٌ كثيرة متفائلة بأنّ القمة الأميركية – الإسلامية في 22 مايو/ أيار الماضي، ورحلة الرئيس دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، جاءت لتؤسس الدعوة إلى السلام. وذلك لأنّه وقبل أن يرفع قدميه من تراب الشرق الأوسط، نثر ترامب لعنته، ثم مضى إلى حائط المبكى يتمطى، تاركاً القوم يحلّلون دواعي التنافس الإسرائيلي الإيراني على زعامة المنطقة.
كانت زيارة ترامب بمثابة عبور دول المنطقة إلى اللعنة، أو القدر المتمثّل فيها، فقد حمل رسائل مفخّخة إلى الشرق الأوسط، تم تأسيسها على عدة نقاط. الأولى إعلانه تشكيل ما سماه (ناتو عربي إسلامي سُني). قد لا تكون هذه التسمية أثارت انتباهاً كبيراً، ولكن بالرجوع إليها، في هذا التوقيت العصيب، يمكن فهم أنّها لم تكن بريئة، ولا عاطفية كما بدا من أول وهلة. فليس هناك من مبرّر يجعل الرئيس الأميركي يزمع على تشكيل حلف مكوّن مسبقاً، وبشكلٍ أشمل، ومن دون تصنيف، على أساس تسمية محدّدة لم يطالبه بها أحد، فقد أنشأت الدول الإسلامية، بقيادة العربية السعودية منذ عام 2015، التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، مكونّاً من 40 دولة، بهدف محاربة الإرهاب بتوجهاته كافة. وفيه تم مناقشة التبعات الجيوسياسية المتولّدة عن تأثير اتجاهات الطموحات الدولية والإقليمية التي تسعى إلى التوسع، مزودة بالقوة والتحالفات الدولية المواجهة.
ثم إنّ أميركا نفسها طرحت الفكرة من قبل مع مصر في 2015 لتأسيس "قوات تحرّك"، قوامها 40 ألف رجل شبيهة بقوات "الناتو"، وتضم مصر والأردن والمغرب والسعودية والسودان وبقية الدول الخليجية، ولكن اصطدمت نية تأسيس هذه القوات بالوضع المتوتر في منطقة الشرق الأوسط وبالصراعات الطويلة التي تشهدها المنطقة.
أثارت هذه الرسالة العلنية شكوكاً في هذا الجزء من العالم الإسلامي، وأثارت حفيظة بعضهم،
وأسّست في الأذهان لسيناريو وجود جيشين إسلاميين بتسميتين مختلفتين، في مواجهة بعضهما بعضاً. وهنا لا تقف إسرائيل بعيداً عن المسرح المشتعل، ولكنها تتلقى بحبور كبير ما أعلنته وسائل إعلام أنّ خطة الرئيس ترامب تنصُّ على أن تكون إسرائيل هي من ستزود الجيش العربي– الإسلامي بتدفق المعلومات الاستخباراتية التي يحتاج لها التحالف، في إشارة إلى الإمكانات التكنولوجية التي تمتلكها الاستخبارات الإسرائيلية، من أقمار اصطناعية وأجهزة وبرمجيات متطورة للرصد والتعقب وتحليل المعلومات.
إذن، غرض ترامب من ترويج التهديد الذي تتعرّض له الدول العربية من دول مجاورة (ليس تهديداً وليد اللحظة) يلفت النظر إلى نيته في إغراء الدول العربية، بطلب الحماية المادية والمعنوية من الولايات المتحدة. ولنا أن نتصوّر ما ستدره أثمان هذه الحماية على الاقتصاد الأميركي، ومضاعفته كلما ارتفعت وتيرة الصراع، وتحفيز تلك الدول بالبحث عن الأمن والسلام.
النقطة الثانية هي اختيار ترامب المملكة العربية السعودية، في أول زيارة خارجية له بعد وصوله إلى البيت الأبيض، من باب الاستعراض أمام حلفاء أميركا المقربين الذين تأمل إدارة ترامب في أن يجدّدوا جهودهم لمواجهة الإرهاب. ومن قبل، أعلنت إدارة ترامب أنّ المحادثات التي أجروها مع كل القادة في العالم أظهرت أنّ هناك إحباطاً كبيرا من طريقة ترامب في إدارته الأمور، واعتقدوا أنّ هذه الزيارة هي تحرك وفق المنطق السليم والمنهج العملي لإنجاز الأمور. لذا، رأوا أنّ الزيارة تم إعدادها بشكل محدّد لدحض الانطباعات أنّ ترامب معادٍ لبعض الشعوب، ومنها المسلمون. وبهذا، يمكن أن تسترد أميركا ثقة حلفائها التقليديين. وقد حقّقت الزيارة أثراً مباشراً هو مدى تمسك إدارة ترامب بنية قيادة العالم وعزمها على ألّا تقف مكتوفة الأيدي أمام الشؤون العالمية، على الرغم من اتباعها سياسة "أميركا أولاً" التي تركز في الواقع على الشؤون الداخلية الأميركية.
وفي هذا الصدد، تظهر السمة الأساسية للسياسة الأميركية التي لا يختلف حولها ترامب، ومن قبله أوباما، وهي التمسك بقيادة العالم، فقد أعلن أوباما أنّ الولايات المتحدة ستقود العالم لمائة سنة مقبلة. فيما صرّح ترامب إنّه سيجعل الولايات المتحدة عظيمةً مرة أخرى. وهذا يدلُّ على العزم الأميركي في الحفاظ على تأثير الولايات المتحدة ومكانتها في العالم. ولكن الفرق هنا أنّ ترامب انتقد الحكومات الأميركية السابقة بإهدار موارد هائلة في الشرق الأوسط، ما يدعّم من صحة النقطة السابقة، ويقوّي من سياسة استمرار التدخل في الشرق الأوسط، حتى ولو عن طريق وكلاء في المنطقة.
تجيء النقطة الثالثة، بتأسيس الولايات المتحدة أدوات جديدة للعلاقة مع الشرق الأوسط، قد
تنسف الأدوات القديمة، وربما تذهب في اتجاه تغيير قواعد اللعب واللاعبين. وفي هذه العلاقة الجديدة، ستقف أميركا عن المناداة بالديمقراطية في العالم العربي، وتتبع نهجاً يضمن لها مصالحها في الشرق الأوسط أولاً، حتى لو ساءت العلاقة بين هذه الدول، فهي المستفيدة الأولى من كل الأطراف في كل الخلافات. ولكي تحقّق ذلك، لا يلزمها التعامل مع المنطقة، وفقاً لظروفها وخصوصيتها الثقافية وأساليب حكمها الخاصة، فالواقعية الجديدة في التعامل مع الشرق الأوسط هي في التخلي عن التعامل معه أمراً واقعاً يجب مجاراته، وإنما بإيجاد واقع جديد ملائم.
ومن خلاصة هذه النقاط، يمكن النظر إلى أنّ زيارة ترامب أسّست لإيجاد تيار فكري أميركي مواجه للتيار الذي تأسس منذ اعتداءات 11 سبتمبر/ ايلول 2001، بالميل النسبي نحو إيران، وتركيز الخصومة الأميركية ضد السنة في العالم، بوصفهم خصوما استراتيجيين، والذي أفرز قانون "جاستا" والاتفاق النووي الإيراني.
تحتاج أميركا إلى عدو دائم في منطقة الشرق الأوسط، فمن الناحية العملية، سيساعد عزل إيران والضغط عليها واشنطن في تحقيق مصالح أكبر من تقاربها معها، وتنشيط الإحساس بهذا العدو سيجعل من أميركا وصية على هذه المنطقة على الدوام. وفي خضم هذا الحراك، لا ينسى ترامب طمأنة إسرائيل، وتهدئة مخاوفها التقليدية بتهيئة المسرح لها، لرعاية مصالحها وضمان أمنها وسلامها الذي يُعتبر أولويةً عند الإدارة الأميركية في كل العهود، وعند ترامب بشكل أخصّ. ولا يعتمد ذلك الطموح على مدى إصرار ترامب على تحقيقه، أو على تقلباته المزاجية، وإنّما على احتمال استمراره رئيساً للولايات المتحدة من عدمه. وعلى ما ستسفر عنه الأسابيع القليلة المقبلة، والحُبلى بنية النبش في ملفات ترامب، أهمها ملف التخابر والتعاون مع روسيا، ومعركته المرتقبة إثر قرار إعفائه مدير مكتب التحقيقات الفدرالي، والقانوني المشاكس، جيمس كومي، من دون سابق إنذار أو سبب وجيه.
كانت زيارة ترامب بمثابة عبور دول المنطقة إلى اللعنة، أو القدر المتمثّل فيها، فقد حمل رسائل مفخّخة إلى الشرق الأوسط، تم تأسيسها على عدة نقاط. الأولى إعلانه تشكيل ما سماه (ناتو عربي إسلامي سُني). قد لا تكون هذه التسمية أثارت انتباهاً كبيراً، ولكن بالرجوع إليها، في هذا التوقيت العصيب، يمكن فهم أنّها لم تكن بريئة، ولا عاطفية كما بدا من أول وهلة. فليس هناك من مبرّر يجعل الرئيس الأميركي يزمع على تشكيل حلف مكوّن مسبقاً، وبشكلٍ أشمل، ومن دون تصنيف، على أساس تسمية محدّدة لم يطالبه بها أحد، فقد أنشأت الدول الإسلامية، بقيادة العربية السعودية منذ عام 2015، التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، مكونّاً من 40 دولة، بهدف محاربة الإرهاب بتوجهاته كافة. وفيه تم مناقشة التبعات الجيوسياسية المتولّدة عن تأثير اتجاهات الطموحات الدولية والإقليمية التي تسعى إلى التوسع، مزودة بالقوة والتحالفات الدولية المواجهة.
ثم إنّ أميركا نفسها طرحت الفكرة من قبل مع مصر في 2015 لتأسيس "قوات تحرّك"، قوامها 40 ألف رجل شبيهة بقوات "الناتو"، وتضم مصر والأردن والمغرب والسعودية والسودان وبقية الدول الخليجية، ولكن اصطدمت نية تأسيس هذه القوات بالوضع المتوتر في منطقة الشرق الأوسط وبالصراعات الطويلة التي تشهدها المنطقة.
أثارت هذه الرسالة العلنية شكوكاً في هذا الجزء من العالم الإسلامي، وأثارت حفيظة بعضهم،
إذن، غرض ترامب من ترويج التهديد الذي تتعرّض له الدول العربية من دول مجاورة (ليس تهديداً وليد اللحظة) يلفت النظر إلى نيته في إغراء الدول العربية، بطلب الحماية المادية والمعنوية من الولايات المتحدة. ولنا أن نتصوّر ما ستدره أثمان هذه الحماية على الاقتصاد الأميركي، ومضاعفته كلما ارتفعت وتيرة الصراع، وتحفيز تلك الدول بالبحث عن الأمن والسلام.
النقطة الثانية هي اختيار ترامب المملكة العربية السعودية، في أول زيارة خارجية له بعد وصوله إلى البيت الأبيض، من باب الاستعراض أمام حلفاء أميركا المقربين الذين تأمل إدارة ترامب في أن يجدّدوا جهودهم لمواجهة الإرهاب. ومن قبل، أعلنت إدارة ترامب أنّ المحادثات التي أجروها مع كل القادة في العالم أظهرت أنّ هناك إحباطاً كبيرا من طريقة ترامب في إدارته الأمور، واعتقدوا أنّ هذه الزيارة هي تحرك وفق المنطق السليم والمنهج العملي لإنجاز الأمور. لذا، رأوا أنّ الزيارة تم إعدادها بشكل محدّد لدحض الانطباعات أنّ ترامب معادٍ لبعض الشعوب، ومنها المسلمون. وبهذا، يمكن أن تسترد أميركا ثقة حلفائها التقليديين. وقد حقّقت الزيارة أثراً مباشراً هو مدى تمسك إدارة ترامب بنية قيادة العالم وعزمها على ألّا تقف مكتوفة الأيدي أمام الشؤون العالمية، على الرغم من اتباعها سياسة "أميركا أولاً" التي تركز في الواقع على الشؤون الداخلية الأميركية.
وفي هذا الصدد، تظهر السمة الأساسية للسياسة الأميركية التي لا يختلف حولها ترامب، ومن قبله أوباما، وهي التمسك بقيادة العالم، فقد أعلن أوباما أنّ الولايات المتحدة ستقود العالم لمائة سنة مقبلة. فيما صرّح ترامب إنّه سيجعل الولايات المتحدة عظيمةً مرة أخرى. وهذا يدلُّ على العزم الأميركي في الحفاظ على تأثير الولايات المتحدة ومكانتها في العالم. ولكن الفرق هنا أنّ ترامب انتقد الحكومات الأميركية السابقة بإهدار موارد هائلة في الشرق الأوسط، ما يدعّم من صحة النقطة السابقة، ويقوّي من سياسة استمرار التدخل في الشرق الأوسط، حتى ولو عن طريق وكلاء في المنطقة.
تجيء النقطة الثالثة، بتأسيس الولايات المتحدة أدوات جديدة للعلاقة مع الشرق الأوسط، قد
ومن خلاصة هذه النقاط، يمكن النظر إلى أنّ زيارة ترامب أسّست لإيجاد تيار فكري أميركي مواجه للتيار الذي تأسس منذ اعتداءات 11 سبتمبر/ ايلول 2001، بالميل النسبي نحو إيران، وتركيز الخصومة الأميركية ضد السنة في العالم، بوصفهم خصوما استراتيجيين، والذي أفرز قانون "جاستا" والاتفاق النووي الإيراني.
تحتاج أميركا إلى عدو دائم في منطقة الشرق الأوسط، فمن الناحية العملية، سيساعد عزل إيران والضغط عليها واشنطن في تحقيق مصالح أكبر من تقاربها معها، وتنشيط الإحساس بهذا العدو سيجعل من أميركا وصية على هذه المنطقة على الدوام. وفي خضم هذا الحراك، لا ينسى ترامب طمأنة إسرائيل، وتهدئة مخاوفها التقليدية بتهيئة المسرح لها، لرعاية مصالحها وضمان أمنها وسلامها الذي يُعتبر أولويةً عند الإدارة الأميركية في كل العهود، وعند ترامب بشكل أخصّ. ولا يعتمد ذلك الطموح على مدى إصرار ترامب على تحقيقه، أو على تقلباته المزاجية، وإنّما على احتمال استمراره رئيساً للولايات المتحدة من عدمه. وعلى ما ستسفر عنه الأسابيع القليلة المقبلة، والحُبلى بنية النبش في ملفات ترامب، أهمها ملف التخابر والتعاون مع روسيا، ومعركته المرتقبة إثر قرار إعفائه مدير مكتب التحقيقات الفدرالي، والقانوني المشاكس، جيمس كومي، من دون سابق إنذار أو سبب وجيه.