ترامب وإحياء التحالفات

10 مايو 2017

محمد بن سلمان وترامب في البيت الأبيض (14/3/2017/Getty)

+ الخط -
يبدو أن رؤية ولي ولي العهد وزير الدفاع بالمملكة السعودية، الأمير محمد بن سلمان، فيما يخص توجهات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأسلوب تعامله مع المملكة بوجه الخصوص، وبقية حلفاء واشنطن التقليديين، كانت في محلها، قياسا بمجمل الإجراءات التي سلكتها إدارة ترامب مع المشكلات التي ورثتها من سابقتها في مناطق عدة في العالم، ومنها الشرق الأوسط وكوريا الشمالية وأفغانستان. فقد قال، عقب لقائه الرئيس الأميركي في البيت الأبيض، في 14 مارس/ آذار الماضي إن "الرئيس ترامب سيعيد الولايات المتحدة إلى مسارها الصحيح، بعد باراك أوباما، الذي لم يثق به المسؤولون السعوديون"، وأكد حينها، في لقاء مطول مع صحيفة واشنطن بوست، أنه "على الرغم من أن ترامب لم يتم 100 يوم في كرسي الرئاسة، إلا أنه استعاد جميع تحالفات الولايات المتحدة مع حلفائها التقليديين". 

وعلى عكس كل ما قاله في أثناء حملته الإنتخابية، فإن دونالد ترامب (الرئيس) وجد أن مصلحة بلاده، ومصلحته رئيساً جديداً لها، أن يلملم حلفاءه التقليديين في كل مناطق التوتر، وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط، بعد أن وجد أن العالم تحت وقع المسؤولية المباشرة غيره عند السباق الرئاسي، وفرضيات الحسم الفوري أو أحلام المساواة والعدالة التي كان الرئيس السابق، باراك أوباما، يتنغم بها في حملته الانتخابية حينها؛ فكانت أولى قوائم الاستقبال الخاصة بالرئيس من حصة قادة دول التحالف مع الولايات المتحدة، كالمملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية والعراق ومصر والسلطة الفلسطينية. والواضح أن كل هؤلاء القادة خرجوا من عند الرئيس ترامب فرحين بطريقة استقبالهم والترحيب بهم وحجم الدعم الذي أبداه ترامب وفريق عمله لهم.
يرجع التغير الكبير في خطاب ترامب، المرشح الرئاسي، وخطابه وهو رئيس فعلي للولايات 
المتحدة، لأسباب عدة؛ حيث إن بعضها أعد خصيصا لاستثمار عقدة الخوف التي زرعها في أثناء حملته الانتخابية، ثم حجم القوة التي حاول إظهارها لأميركا، وأراد لها أن تكون وسيلة (التركيع) الرئيسة للدول التي تتولى واشنطن (حمايتها). وقد نجح في ذلك إلى حد كبير، فيما يخص الجانب العربي من هذه الصورة، كما كان أسلوبا لترامب أراد من خلاله إبراز الفارق بينه وبين المرشّحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون، باعتبارها امتدادا لأسلوب باراك أوباما الضعيف جدا.
حالة الولايات المتحدة الفعلية على مستوى القوة العسكرية، وكذلك حجم النفوذ السياسي والاقتصادي، تأثرت كثيرا بما آلت إليه أحوال العالم بشكل عام، بسبب السياسات الخاطئة والجانحة التي انتهجها رؤساء أميركا السابقون، وخصوصا في فترات الرئيسين السابقين، جورج بوش وباراك أوباما، وقد يكون من مصلحة الرئيس الجديد، إذا ما أراد أن يعيد الولايات المتحدة فعلا إلى سابق عهدها قوة مهابة في العالم، أن يقوّي حلفاءه التقليديين، مثل كوريا الجنوبية واليابان ودول الخليج العربي ومصر والأردن وتركيا، والآن العراق، وغيرها من دول أوروبية وآسيوية وأفريقية.
كانت الضربة الصاروخية التي وجهها ترامب إلى موقع عسكري للنظام في سورية في سياق المنهج (الترامبي) ضروريةً، لإثبات رؤيته "إن على أميركا أن تتصرف أولا، ثم ليعلم العالم بعد ذلك"، وهذا ما تحقق بدايةَ، وبعد حصول القصف الصاروخي للقاعدة السورية مباشرة، ثم أعقبها بإلقاء ما سميت "أم القنابل" على كهوفٍ ومغاراتٍ تحتمي بها قيادات حركة طالبان في أفغانستان، وهي أيضا شغلت وسائل الإعلام تحليلا ووصفا لهذه القنبلة، وحجم الدمار الذي يمكن أن تسببه. ولكن، ما أن ذهبت ردة الفعل لدى الجهات المتضرّرة من العمليتين، حتى بدأت مرحلة الرد المقابل. ففي سورية، كثفت طائرات النظام والطائرات الروسية غاراتها، مستخدمةً أنواعا عدة من الأسلحة المحرمة دوليا، كالفسفور الأبيض والعنقودية والحارقة، وسقط مئات القتلى، جلهم من المدنيين. وفي أفغانستان، ردّت "طالبان "على أم القنابل بإدخال عشرة من عناصرها بسهولة إلى قاعدة عسكرية في مدينة مزار الشريف، ليفجروا أنفسهم، ويقتلوا حوالي 140 جنديا، ويصيبوا 160 آخرين بجروح، معظمها خطير، كما كشّرت كوريا الشمالية عن أنيابها تحدّيا للرئيس الجديد، واختبارا لقدرته على المواجهة، في ظل توقعاتٍ، منها أنه لا يمكن أن يتورّط بأي عمل عسكري معها، وحليفته الكبرى في المنطقة (كوريا الجنوبية) في مرمى قواها النارية كلها.
كان وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، الرسول المكلف بإعادة إحياء التحالفات، بعد أن بدا واضحا أن الجانب الآخر من قوى النفوذ الممتد من موسكو حتى طهران وسورية، مرورا ببيونغ يانغ، وبعض المنظمات التي توصف أميركيا إرهابية، يقوم أيضا بتقوية تحالفاته وتضييق الخناق على طريق الإدارة الأميركية الجديدة، وتكوين بؤر مشتعلة في مناطق عدة لا يمكن لأي رئيس أن يواجهها وحده.

زار ماتيس المملكة، وقدّم لها، قبل وصوله إليها، مديحا لم يقدّمه مسؤول أميركي سابق، ثم ركز خلال وجوده في الرياض على موضوع إيران بشكل خاص (هاجس المنطقة المرعب حاليا)، ووصفها دولة "تزعزع الاستقرار في المنطقة"، ثم أكمل جولته في مصر و(إسرائيل) وقطر وجيبوتي وأفغانستان، وكلها تضم قواعد أميركية كبيرة، بما يوحي أن المنطقة التي هلع بعض قادتها من تصريحات ترامب قبيل رئاسته وجدت نفسها في بحبوحة العودة إلى أحضان الحليف الإستراتيجي لهم، وفي ذلك درع يرونه أكيداً عن أي شرر إيراني مقبل، فيما تراه واشنطن إعلان المنطقة ساحة صراع، سيتحمل الحلفاء تبعاته الاقتصادية والسياسية والإنسانية.
ستسعى القوى والتحالفات المضادة للولايات المتحدة وحلفاؤها حتما لتوريط الرئيس الأميركي في مناطق نزاع يختارونها قد تكلف الحلفاء الكثير. ولكن قد تفقد واشنطن ما تبقى من هيبتها إذا لم تحسن إدارة الصراع سياسيا، قبل أن تمد أذرعها العسكرية لتورّط نفسها وحلفاءها بحروبٍ لا قبل لهم بها.
F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن