أخونة "العدالة والتنمية" المغربي

24 مايو 2017
+ الخط -
بدايةً، لا بد من توضيح مفهوم الأخونة، والمقصود بأخونة حزب إسلامي، هو "العدالة والتنمية" المغربي؟
أولا، مفهوم الأخونة مرتبط بجماعة الإخوان المسلمين المصرية، وغالبا ما يستعمله بمعنى قدحي خصومها الذين يتهمونها بالسعي إلى فرض سلطتها، وبسط وصايتها على الدولة والمجتمع. واستعمل هذا المفهوم وما زال لتبرير الانقلاب العسكري في مصر، لتخويف الناس من الجماعة وتنفيرهم من خطابها، لكن هذا المفهوم يستعمل أيضا بقصد الإشارة إلى تغليب الدين والخلط بين الدين والسياسة عند التعاطي مع قضايا المجتمع والدولة. وهذا المفهوم هو المقصود في عنوان هذا المقال.
ثانيا، حزب العدالة والتنمية إسلامي، وعندما يريد خصومه من الأحزاب السياسية، ومن مراكز السلطة في المغرب مهاجمته يتهمونة بـ"الأخونة"، أي الانتماء إلى التنظيم العالمي لـ"الإخوان المسلمين". وقُبيل الانتخابات التشريعية التي شهدها المغرب في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، والتي تصدّر هذا الحزب نتائجها، نظّمت السلطة "مسيرةً" احتجاجيةً ضد الحزب، تتهمه بمحاولة "أخونة" الدولة، بغرض تخويف الناس والمتعاطفين معه من التصويت له، ولكن انفضاح أمر تلك "المسيرة" المفبركة أدى إلى نتائج عكسية، فقد صوّت ناخبون كثيرون لصالح الحزب الإسلامي تصويتا عقابيا ضد محاولة السلطة التي تحارب الحزب. لذلك، قد يتساءل بعضهم: المقصود إذن بأخونة حزب إسلامي؟ وهذا ما سيحاول هذا المقال تسليط الضوء عليه.
شكل حزب العدالة والتنمية حالة إسلامية فريدة من نوعها في تجارب "الإسلام السياسي" في المنطقة العربية، فهو خرج من رحم السلطة وبرضاها ونما وترعرع تحت رعايتها، حتى 
أصبح أول حزب إسلامي في المنطقة نفسها، يصل إلى قيادة الحكومة مرتين على التوالي عن طريق صناديق الاقتراع عامي 2011، و2016. لكن، كأغلب الأحزاب الإسلامية، بدأ "العدالة والتنمية" مساره عن طريق "الدعوة"، خرج من رحم حركة دعوية هي "الإصلاح والتوحيد" التي لم يقطع حبل السرة معها، حتى بعدما تولى إدارة الشأن العام في المغرب على مستوى قيادة الحكومة، فقد ظل وزراء من الحكومة الحالية، وتلك المنتهية ولايتها، ينتمون إلى هذا الحزب، يحتفظون بعضويتهم القيادية داخل الحركة الدعوية للحزب. وعند تعيين رئيس الحكومة الإسلامي الجديد من الحزب نفسه كان أول ما قام به هو الاجتماع بقيادة ذراع حزبه الدعوي وحضور مجلس شورى الحركة الذي ما زال رئيس الحكومة الحالي في المغرب ينتمي إليه.
وبعيدا عن الخطابات التي تروجها قيادات من الحزب الإسلامي الأول في المغرب عن نجاحه في الفصل بين ما هو سياسي ودعوي، ما زال هذا الارتباط العضوي قائما، لأن الحزب لا يمكنه أن يعيش بدون سند حركته الدعوية ودعمها، وهي التي توفر له القاعدة والحاضنة الشعبية العريضة. وعندما احتدّ الخلاف بين قيادات من الحزب نفسه حول إقالة الملك محمد السادس زعيمهم، عبد الإله بنكيران، من رئاسة الحكومة، وتعيين خلف له من الحزب نفسه، هو سعد الدين العثماني، الذي يتهمه قادةٌ من الحزب بتقديم "تنازلاتٍ" مجانيةٍ للسلطة، تدخل رئيس الحركة وأصدر "توجيها"، انتقد فيه ما سماها "السلوكات اللاأخلاقية" التي شابت النقاش بشأن هذا الموضوع.
ليست العلاقة العضوية ما بين الحركة والحزب الذي يعتبر بمثابة ذراعها السياسي جديدة، والجديد فيها أن السلطة وخصوم الحزب والحركة معا كانوا ينتقدونها، بينما يتغاضى عنها اليوم الخصوم أنفسهم والسلطة التي كانت وراء تنظيم المسيرة التي تتهم الحزب بـ"أخونة الدولة"، فيما نراها اليوم تبارك "أخونة الحزب"، أي التغاضي عن بسط ذراعه الدعوي لسيطرته عليه، في الوقت الذي يُحرّم فيه الدستور والقانون المغربيين تأسيس أحزابٍ سياسيةٍ على أسسٍ دينية.

فما الذي يجعل اليوم السلطة في المغرب وأحزابها تتغاضى عن هذا "التدخل" لحركة دعوية في قضايا حزب سياسي؟ وما الذي يجعل هذا الاستعمال "المفرط" للخطاب الديني عند حزب إسلامي أمرا عاديا اليوم، فيما كان يُنظر إليه، حتى أشهر قليلة، تهمة ونفاقا وتآمرا؟ يتضح الجواب عندما نعرف الهدف من هذا الاستدعاء للعنصر الديني في تدبير شؤون حزب سياسي يقود الحكومة في المغرب، فبعد "الإعفاء" الذي شبهه بعضهم بـ"الانقلاب الناعم" على زعيم حزب العدالة والتنمية، بنكيران، من رئاسة الحكومة وتعيين شخص طيٍّع خلفا له من حزبه، ومن أجل تقوية رئيس الحكومة الجديد داخل حزبه الذي انتفضت بعض قيادته على ما وصفته "انقلابا" على زعيم الحزب، و"تنازلات" مجانية قدمها خلفه على رأس الحكومة للسلطة وأحزابها، غضّت السلطة طرفها عن لجوئه إلى الخزّان الدعوي للحزب لتقوية موقعه لدى قواعده.
لكن، ليس هذا هدف السلطة فقط، وإنما سعيها إلى إضعاف الحزب الذي لم تستطع أن تهزمه، هي وأحزابها، عن طريق صناديق الاقتراع. وما فشلت السلطة وأحزابها في تحقيقه بالتنافس "الديمقراطي"، تسعى اليوم إلى تحقيقه بزرع الخلافات بين صفوف الحزب، مستعملةً جناحه الدعوي، لضرب جناحه السياسي، فالهدف من أخونة حزب العدالة والتنمية في المغرب هو التغاضي عن استعمال الدين في الصراع بين "الإخوة الأعداء" لشق صفوف الحزب وإضعافه، قبل الإجهاز عليه.
D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).