10 ابريل 2019
الوجه المتغيّر لمصر السيسي
سواء التقى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بالرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أو لم يلتق به، فلن يغير ذلك من واقع الحريات في مصر شيئاً. وبذا يصبح انتقاد منظمة هيومن رايتس ووتش الزيارة غير ذي جدوى بقلقها على حقوق الإنسان التي بلغت الحضيض في مصر، وأصبحت مهدّدةً في الولايات المتحدة، حسب تعبيرها. فلم يكن انقلاب السيسي في مصر والاعتقالات بعشرات الآلاف حصيلة هذا العام فقط. ولم تكن وجبات التعذيب والإخفاء القسري، وشبهات عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء غريبة على تقارير المنظمات الدولية والرأي العام العالمي.
يجيء إعلان ترامب ودعمه القوي حرب مصر على الإرهاب، في سياق توجه الإدارة الأميركية، فقد أوقفت إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، المساعدات العسكرية جزئياً لمصر عام 2013، عقب إطاحة النظام الذي جاءت به عملية انتخابية في مصر على يد العسكر. وأثار تجميد المساعدات العسكرية مشاعر الريبة حول جدية أوباما في محاربة الإرهاب. ومع ذلك، ظلّ التوسع الاقتصادي للقوات المسلحة في تزايد مستمر، ما ساهم في تقويض جهود البنك الدولي في إيجاد فرص جديدة لدعم الاقتصاد، وإزالة حالة الفقر والحد من الفساد.
طرأ تغير على الموقف عام 2015، وازدهرت المساعدات العسكرية لمصر مرة أخرى، والانقلاب العسكري ما زال قائماً، بدعوى محاربة الإرهاب، إذ سُمح بتسليم مصر طائرات أباتشي لمساعدتها في العمليات العسكرية لمكافحة الإرهاب في سيناء.
لم يقدّم الرئيس المصري نفسه ودولته في خدمة الإدارة الأميركية لمواجهة الإرهاب، إلّا من إدراكه بأنّ تركيزها في المقام الأول على مصر، الدولة العربية الأكثر سكاناً، والأميز من حيث الموقع الاستراتيجي الرابط بين ثلاث قارات مهمة، ثم سيطرتها على الممرّات المائية في المنطقة من خلال قناة السويس، كما تمثّل الدرع الغربي الواقي لإسرائيل وأمنها.
بدأت القراءات المتواترة لتأييد أعظم دولة وديمقراطية في العالم لمصر السيسي العسكرية.
تُرجع هذه العلاقة لما تسمى دورة تأييد الحكومات، فقد تأرجحت الولايات المتحدة في عهد أوباما وجورج دبليو بوش بين تعزيز شعار الديمقراطية في الخارج، وفي الوقت نفسه، لم تجد حرجاً من دعم حلفائها من الدول غير الديمقراطية. وقد تم التوثيق فيما قبل، إلى أن أرسل بوش وزيرة خارجيته، كونداليزا رايس، إلى القاهرة لتعلن أنّ أميركا تعطي الأولوية للاستقرار على الديمقراطية، ليس في مصر وحدها، وإنّما في الشرق الأوسط بأكمله. فلم تكن أميركا تجد حرجاً في دعم نظام حسني مبارك، لأنّه في نظرها يقي المصالح الأميركية من هجمات الحركات الإسلامية الراديكالية.
لم يكن موقف أوباما الذي توتر مع مصر السيسي لاحقاً بسبب عدم ديمقراطية الحكم، وإنّما كان بسبب تقاعس النظام المصري في مكافحة الإرهاب وتنظيم داعش خارج مصر، حيث اكتفى بالقمع الذي يمارسه على المواطنين في الداخل، وهذا ما رأته الإدارة الأميركية يطيل عمر الإرهاب. ثم كان هناك التردّد الذي شاب إدارة أوباما بين التأييد والدعم من عدمه، ففضلت الانتصار لشعاراتها بالتراخي، وليس بالمقاطعة النهائية.
لا يتوقع أن يقدّم ترامب شيئاً أكبر من استعادة التمويل والمساعدات الأميركية التي ستصب لصالح القطاع العسكري في مصر، فمنذ إسقاط الرئيس محمد مرسي في يوليو/ تموز 2013، ويتوسع الجيش المصري في الأنشطة الاقتصادية، وتطوره في القطاع الخاص يتعرّض لانتقادات كثيرة. وقد صرّحت الحكومة المصرية بأنّها سوف تقّلل من احتكار القوات المسلحة النشاطات الاقتصادية، ولكنه لا يزال قوياً في السوق، وكذا الامتيازات للجيش.
ما حدث في عهد أوباما من تطبيع للعلاقات مع مصر، يحدث الآن في عهد ترامب. الفرق أنّ
أوباما كان يرعى الديمقراطية التقليدية على الطريقة الأميركية التي أخذت تتجاذبها التناقضات بين النظرية والممارسة. وذاك كان الإرث الديمقراطي منذ عهد إدارة الرئيس بوش التي لم يثنها ترويجها الديمقراطية (كما ادّعت) عن أن تقود حملتها في الحرب على العراق، ثم مكافحة الإرهاب في العالم بأي وسيلة، حتى سماها محللون سياسيون الديمقراطية المعتمدة على القوة العسكرية والمختلطة مع الجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب، والتي لم تؤد إلى نتائج إيجابية. أما ترامب فيقدّم المصالح الأميركية على طريقته الشعبوية، حتى ولو تعارضت مع القيم الديمقراطية.
ينظر السيسي إلى علاقة مصر مع الولايات المتحدة وسيلةً لبسط نفوذه، أو تأمين نظامه إقليمياً على أقل تقدير، حيث نجحت الولايات المتحدة في تهميش دور الدول الداعمة لمصر مؤقتاً. ولن يكون أمراً فارقاً أن تحشد مصر كل المساعدات الأميركية لصالح الجيش، لأنّ الإدارة الأميركية تدرك أنّ تثبيت الاستقرار في المنطقة، وأمن إسرائيل خصوصا، لن يتسنى إلّا من خلال هذا المزيج العسكري في باطنه، والدبلوماسي في ظاهره.
كان التعامل مع مصر وما زال المهمة اليسرى على رؤساء الولايات المتحدة طوال العقود السابقة. ولكن بالنسبة لترامب، تبدو المهمة أكثر يُسراً، فتاريخياً، وكما هو الحال اليوم، فإنّ دعم إسرائيل وحقها في الوجود ضمن الشروط المسبقة التي سيطبقها السيسي، وهو أكثر انتفاخاً بعودته، وقد نال الرضا الأميركي.
لم يتحول ضعف السيسي الذي كان يعتمد بشكل كبير على دعم السعودية والخليج إلى قوة حقيقية، إلّا بمقدار ما أصبح عليه الحبل أطول قليلاً من حبال الآخرين، في قول زوربا اليوناني.
يجيء إعلان ترامب ودعمه القوي حرب مصر على الإرهاب، في سياق توجه الإدارة الأميركية، فقد أوقفت إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، المساعدات العسكرية جزئياً لمصر عام 2013، عقب إطاحة النظام الذي جاءت به عملية انتخابية في مصر على يد العسكر. وأثار تجميد المساعدات العسكرية مشاعر الريبة حول جدية أوباما في محاربة الإرهاب. ومع ذلك، ظلّ التوسع الاقتصادي للقوات المسلحة في تزايد مستمر، ما ساهم في تقويض جهود البنك الدولي في إيجاد فرص جديدة لدعم الاقتصاد، وإزالة حالة الفقر والحد من الفساد.
طرأ تغير على الموقف عام 2015، وازدهرت المساعدات العسكرية لمصر مرة أخرى، والانقلاب العسكري ما زال قائماً، بدعوى محاربة الإرهاب، إذ سُمح بتسليم مصر طائرات أباتشي لمساعدتها في العمليات العسكرية لمكافحة الإرهاب في سيناء.
لم يقدّم الرئيس المصري نفسه ودولته في خدمة الإدارة الأميركية لمواجهة الإرهاب، إلّا من إدراكه بأنّ تركيزها في المقام الأول على مصر، الدولة العربية الأكثر سكاناً، والأميز من حيث الموقع الاستراتيجي الرابط بين ثلاث قارات مهمة، ثم سيطرتها على الممرّات المائية في المنطقة من خلال قناة السويس، كما تمثّل الدرع الغربي الواقي لإسرائيل وأمنها.
بدأت القراءات المتواترة لتأييد أعظم دولة وديمقراطية في العالم لمصر السيسي العسكرية.
لم يكن موقف أوباما الذي توتر مع مصر السيسي لاحقاً بسبب عدم ديمقراطية الحكم، وإنّما كان بسبب تقاعس النظام المصري في مكافحة الإرهاب وتنظيم داعش خارج مصر، حيث اكتفى بالقمع الذي يمارسه على المواطنين في الداخل، وهذا ما رأته الإدارة الأميركية يطيل عمر الإرهاب. ثم كان هناك التردّد الذي شاب إدارة أوباما بين التأييد والدعم من عدمه، ففضلت الانتصار لشعاراتها بالتراخي، وليس بالمقاطعة النهائية.
لا يتوقع أن يقدّم ترامب شيئاً أكبر من استعادة التمويل والمساعدات الأميركية التي ستصب لصالح القطاع العسكري في مصر، فمنذ إسقاط الرئيس محمد مرسي في يوليو/ تموز 2013، ويتوسع الجيش المصري في الأنشطة الاقتصادية، وتطوره في القطاع الخاص يتعرّض لانتقادات كثيرة. وقد صرّحت الحكومة المصرية بأنّها سوف تقّلل من احتكار القوات المسلحة النشاطات الاقتصادية، ولكنه لا يزال قوياً في السوق، وكذا الامتيازات للجيش.
ما حدث في عهد أوباما من تطبيع للعلاقات مع مصر، يحدث الآن في عهد ترامب. الفرق أنّ
ينظر السيسي إلى علاقة مصر مع الولايات المتحدة وسيلةً لبسط نفوذه، أو تأمين نظامه إقليمياً على أقل تقدير، حيث نجحت الولايات المتحدة في تهميش دور الدول الداعمة لمصر مؤقتاً. ولن يكون أمراً فارقاً أن تحشد مصر كل المساعدات الأميركية لصالح الجيش، لأنّ الإدارة الأميركية تدرك أنّ تثبيت الاستقرار في المنطقة، وأمن إسرائيل خصوصا، لن يتسنى إلّا من خلال هذا المزيج العسكري في باطنه، والدبلوماسي في ظاهره.
كان التعامل مع مصر وما زال المهمة اليسرى على رؤساء الولايات المتحدة طوال العقود السابقة. ولكن بالنسبة لترامب، تبدو المهمة أكثر يُسراً، فتاريخياً، وكما هو الحال اليوم، فإنّ دعم إسرائيل وحقها في الوجود ضمن الشروط المسبقة التي سيطبقها السيسي، وهو أكثر انتفاخاً بعودته، وقد نال الرضا الأميركي.
لم يتحول ضعف السيسي الذي كان يعتمد بشكل كبير على دعم السعودية والخليج إلى قوة حقيقية، إلّا بمقدار ما أصبح عليه الحبل أطول قليلاً من حبال الآخرين، في قول زوربا اليوناني.