جنيف 8.. متى بدأت حتى تنتهي؟

08 ديسمبر 2017
+ الخط -
للمرة الثامنة على التوالي، يتم خداعنا، نحن السوريين، بمسلسل جنيف الذي يأبى أن ينتهي بخلاف كما بدأ، فالمبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، أعطى زخماً خاصاً لجولة جنيف 8 التي انطلقت في 28 من الشهر الماضي (نوفمبر/ تشرين الثاني)، وقد تمثل الزخم بإيهام الجميع بضرورة استثمار الوقت على أنه المناسب، هذه المرة، لإنتاج تسوية نهائية، ولا سيما بعد أن أعلن الحلفاء النصر المزيف على تنظيم الدولة الإسلامية في سورية والعراق، وسرعان ما تنافست روسيا وإيران على نسب النصر إليهما من دون أي اعتبار لنظام بشار الأسد.
وفي وقت كان دي ميستورا يتهيأ لممارسة مواهبه في جنيف، كانت الآمال تُعقد على بداية جدية دولية تحققت في سوتشي بين الدول الضامنة، روسيا وتركيا وإيران، فقد سبقت جنيف قمة ثلاثية تُوجت بوثيقةٍ لحل كامل في سورية، قوامه الحفاظ على وحدة البلاد وتكريس مناطق النفوذ الدولية، ومساعدة السوريين بحل سياسي ينهي مأساة العصر، وقد أعطت هذه الوثيقة زخماً كبيراً أقله للسوريين، إنّ الدول الضامنة استطاعت تشكيل حلف ثلاثي، يكبح توجهات واشنطن وضبابية سياستها في سورية، ما من شأنه أن يضع أميركا أمام الأمر الواقع للموافقة على الحل الثلاثي، بقيادة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
زادت في نسق الخداع مسارات المعارضة التي نتجت عن مؤتمر الرياض 2 برعاية العربية السعودية، فقد استطاعت المعارضة لأول مرة إنتاج وفدٍ واحد بالشكل، أما في الجوهر فقد ظهرت تيارات متعدّدة بتوجهاتٍ مختلفة، وهوما بدا للعيان أنّ الوحدة كانت بالإكراه، وليس بالتوافق، فهو وفد واحد، وليس موحدا كما عبر عنه العضو في وفد منصة موسكو، علاء عرفات.
لم تعق هذه المؤشرات انطلاقة جنيف، فقد بدت الصورة أنّ نجاح مؤتمر الرياض سيقود إلى مؤتمر الشعوب في سوتشي، لكن مررواً من جنيف. وهنا تكمن الخديعة أن واشنطن استسلمت للحلف الثلاثي، وسترضى بحلول ما تضمن لها مصالحها وقواعدها في سورية.
إلى هنا، ظن بعضهم أنّ أحلام السوريين قُتلت نهائيا، وفقاً لسجال تخلي المعارضة عن بند رحيل الأسد، ونسفٍ كامل لكل ثوابت الثورة مع دخول القاعة المستديرة بدون سقف تفاوضي يذكر. وعلى صعيد آخر، بدأ التفكير جديا أن بشار الأسد سيبقى في السلطة، بناء على قرار دولي تم اتخاذه وفقاً لتدوير الملف السوري من تركيا والسعودية، بما يتناسب مع مصالحهما القومية والتوجهات الروسية.
عطفاً على ذلك، تمّ نسف هذه المسارات على الأقل في الوقت الحالي، بعد غياب وفد النظام عن اليوم الأول للمؤتمر، أعقب ذلك رفضه أي مفاوضات مباشرة مع وفد المعارضة، فعاد إلى دمشق بخفي حنين، رافضاً أي حديث عن مرحلةٍ انتقاليةٍ تُفضي إلى خروج الأسد.
إزاء ذلك، صرّح كل من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إن مسار جنيف هو المرجعية الوحيدة للحل السياسي في سورية، الأمر الذي عكس غاية المكر والخداع التي يمارسها الجميع، وأنّ النية الدولية المشتركة لإنتاج حل سياسي لم تتضح بعد، فلا نضوج لتفاهم أميركي روسي بعد، وصحيح أنّ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مستعجل لحل يجني به ثمار التضحيات التي قدمها منذ تدخله في سورية في 2015، إلا أنّ هذا الأمر غير ممكن، بدون المرور من جنيف، وواشنطن لا ترغب بعد بحل نهائي، ولن تسمح لروسيا بأن تضع اللمسات الأخيرة في سورية، كما يناسب تطلعاتها، فما كنا نعتقد أنّه تحقق بتقاسم الحلول والمصالح بين الدول الضامنة الثلاث، اصطدم بحركة أميركية بسيطة عطلت كل الحلول، فما يجري في قاعات جنيف يختلف تماماً عمّا يجري على الأرض، فعلى سبيل الحقائق، أميركا وإسرائيل لطالما طالبتا بوتين بوضع حد لإيران، وتقليم أظافرها في سورية، فيما بوتين لم يهتم إلا لانتزاع شرعية دولية لمؤتمره المؤجل في فبراير/ شباط المقبل.
وعليه، تصبح المعادلة بعناوينها العريضة إرهاصاتٍ وخلافات بين تركيا وواشنطن في ملف الأكراد في عفرين، ولم تحسم بعد، ناهيكم عن عدم بلورة تفاهم أميركي روسي، فكلا القطبين يرغب بتحقيق نقاطٍ على حساب الآخر من بوابة سورية، إلى جانب توجّه دولي لتقليم أذرع إيران من كامل المنطقة، بناء على التهديدات الإسرائيلية المتكرّرة، وقد بدأت تُترجم رسائلها بتكرار غاراتها على مواقع إيرانية في سورية.
أمام هذا المناخ الدولي المتأزم، فلا يمكن أن يكون جنيف سوى مضيعة وملهاة، فهو معطل في الوقت الحالي برغبة أميركية، وسيبقى هذا طالما الجميع لا يريد التنازل للآخر، وطالما أنّ إيران تسرح وتمرح في أربع عواصم عربية، فلن يكون هناك جنيف، أما عن وفدي النظام والمعارضة فقد أصبحا طرفين خارج المعادلة، وقراراتهما مصادرة.
FB7E1B28-E9EF-474D-808F-467FC19B57EE
FB7E1B28-E9EF-474D-808F-467FC19B57EE
يمان دابقي (سورية)
يمان دابقي (سورية)