كمين التمكين

01 ديسمبر 2017
+ الخط -
مرة أخرى، يجد المتابع لمسلسل المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس نفسه متورّطا في عبث محاولة تفكيك حالةٍ باتت أعصى على الفهم، وصارت أعقد كلما اعتقد بعضهم أنها اقتربت من الحل. بعد الجولة الأخيرة من مسلسل المفاوضات الممتد منذ العام 2011، وربما قبل ذلك، إذا ما احتسبنا اتفاق مكة الموقع بين الحركتين في 2007، والورقة المصرية التي طرحتها القاهرة على الحركتين في 2009، ظن كثيرون أن الأزمة بين "فتح" و"حماس" قد أوشكت على الحل، أو على الأقل، دخلت في مسار التفكّك، لاسيما بعد انتخاب قيادة جديدة لحركة حماس في قطاع غزة، في مقدمتها القيادي يحيى السنوار. وزاد منسوب التفاؤل لدى المراقبين، وهم يتابعون أطروحات السنوار الجديدة ومرونته السياسية، وقبل ذلك إعلان "حماس" في مايو/ أيار الماضي عن وثيقة "المبادئ والسياسات العامة"، وهي عوامل أدّت إلى دوران عجلة المصالحة بوتيرةٍ غير مسبوقة.
وبحجم التفاؤل الذي ساد الأوساط الشعبية الفلسطينية، وهي تستقبل وفد حكومة الوفاق القادم من رام الله لتسلم معبر رفح، ومباشرة العمل في فروع الوزارات في القطاع، كان أهالي غزة يضعون أيديهم على قلوبهم، خشية انهيار الطبعة الجديدة من المصالحة، تماما كما انهارت اتفاقات "القاهرة 2011" و"الدوحة 2012" و"الشاطئ 2014"، ما يعني تفاقم المأساة المعيشية والظروف الصحية والتعليمية لسكان القطاع، بعد عشر سنوات من الحصار والانقسام، وزادت طينها بلة العقوبات الاقتصادية التي يفرضها الرئيس أبو مازن على القطاع.
للأسف، لا تبشّر التصريحات الصادرة من رام الله خلال الأسبوع الماضي، وما يقابلها من تصريحات لقيادات في حركة حماس، بالخير الكثير، بل إنها تحمل معها نذر رياحٍ عاتية، قد تجعل هذه الجولة من مسلسل المصالحة بين "فتح" و"حماس" الجولة الأخيرة. وبدلا من الدخول في مسار الحل، قد يجد الفلسطينيون أنفسهم وقد دخلوا نفقا طويلا ومظلما من الانقسام السياسي والجغرافي. ويبدو أن كمين "التمكين" الذي نصبه بعضهم على طريق المصالحة هو الأخطر في كل الملفات المطروحة على طاولة التسوية بين الفصيلين الأكبر في الساحة الفلسطينية، لاسيما أن "التمكين" يتفاوت في مفهومه بين حركة حماس التي ترى أنه تحقق إلى حد كبير بعد حل اللجنة الإدارية وتسليم الوزارات والمعابر، وبين حركة فتح التي ترى أن "التمكين" لا يتجزأ، ولا يتحقّق إلا بفرض سيطرة كاملة لحكومة فلسطينية واحدة، برأسٍ واحد، وقرار واحد، وسلاح واحد، في إشارة واضحة إلى ضرورة نزع سلاح المقاومة. ثم إن فريق حركة فتح المفاوض يربط بين "التمكين" الكامل ومصير باقي الملفات الساخنة الأخرى، من قبيل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة من الرئيس محمود عباس على إدارات القطاع، والبرنامج السياسي الفلسطيني، وإعادة هيكلة مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وحكومة الوحدة الوطنية، والانتخابات الرئاسية والتشريعية.
لا يبدو كمين "التمكين" سهل التفكيك، فلا حركة حماس ستقبل بشرط نزع سلاح المقاومة تحت أي شرط أو بند، وتعتبر قضايا الموظفين الذين عيّنتهم الحركة بعد منتصف عام 2007، وما تم إنجازه في ملف الأمن في غزة، وسلاح المقاومة خطوطاً حمراء لا يمكن التنازل عنها، وتهدّد بقلب الطاولة. وفي المقابل، لا تبدو سلطة رام الله مستعدةً لحمل هموم غزة، من دون تولي زمام الأمن والسلاح، وتهدّد باستمرار العقوبات على القطاع حتى أمد غير منظور. وفي خلفية المشهد، تُلوح القاهرة باستئناف التفاهمات التي كانت بدأتها بين محمد دحلان و"حماس"، لإعادة الاستقرار وتحسين الأوضاع في غزة، وفرض السيطرة على القطاع، باعتبار أن ذلك استراتيجيا لحماية الأمن القومي المصري.
وبعيدا عن حسابات الضغط والضغط المضاد الذي عادت قيادات حركتي فتح وحماس إلى ممارسته على بعضهما بعضا، يظهر الشارع الفلسطيني في قطاع غزة واقعا في كمين مطرقة "فتح" وسندان "حماس"، مرعوبا من فشل الجولة الراهنة من المفاوضات بين الحركتين. وبالتالي استمرار الحصار والانقسام والعقوبات الرئاسية إلى أجل غير مسمى.
AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.