المغرب وجدلية كرة القدم والسياسة

25 نوفمبر 2017

لاعبون مغاربة يبتهجون بعد هدفهم ضد ساحل العاج (11/11/2017/الأناضول)

+ الخط -
على غير عادتها، انتفضت كل المدن والمناطق المغربية، واشتعلت الشوارع هتافاتٍ وشعاراتٍ، بدت الحشود المندفعة والمتدفقة بعفوية غارقة في الفرح إلى درجة الإثارة، وامتلأت الشوارع بالسيارات، وضجّت الساحات العمومية بالحركة، والمناسبة تأهل المنتخب المغربي إلى نهائيات كأس العالم في روسيا 2018. وكان الصمت قد خيم، طوال المباراة مع منتخب ساحل العاج، على امتداد التراب المغربي، وكأن حالة استثناء فرضت أحكاماً عرفية على السكان، لتمنعهم من التجول والتبضع، فقبل انطلاق المباراة التي جمعت بين المنتخبين، التزم السكان منازلهم، ليظلوا مشدودين إلى شاشات التلفزيون، أكثر من ساعة ونصف الساعة في انتظار ما كانت ستنتهي إليه المباراة. كانت الأعصاب متوترة، ولم تكن المشاعر مستقرة، وذهبت تكهنات الشارع المغربي في اتجاه التقليص من حجم التفاؤل، وعدم تضخيم الآمال، بالنظر إلى الفرص التي لم يستثمرها أسود الأطلس، كما تسميهم الصحافة، في مناسباتٍ سابقة. وبالنظر أيضا إلى الأداء غير المستقر على امتداد المنازلات الأخيرة، الأمر الذي أفسح المجال أمام تساؤلات مقلقة بشأن جدوى الخطط التي ينهجها مدرب المنتخب المغربي، وكذلك بشأن المصير الذي قد يؤول إليه أسود الأطلس، إذا كان الإقصاء من نصيبهم في ملعب هوفويت بوانيي في أبيدجان، سيما وأن جزءاً كبيراً من الجمهور المغربي يتخوف من تفكك عناصر منتخب بلدهم، والعودة إلى مربع الصفر، بعد كل الجهود التي بذلت، والشروط التي تم توفيرها لبناء منتخب قوي ومنسجم، تهابه أعتى الفرق، وتحسب له ألف حساب. وفي ذاكرتهم ما حدث بعد خسارة المنتخب المغربي أمام المنتخب التونسي في العام 2006 على عهد المدرب المغربي، بادو الزاكي.
وقد أضفت أجواء فوز فريق الوداد البيضاوي بلقب دوري أبطال أفريقيا، بعد تغلبه على فريق
 نادي الأهلي المصري، نكهة خاصة على مباراة المغرب وساحل العاج، فقد اعتبر المغاربة نيل اللقب الأفريقي محفزاً سيكولوجياً ومعنوياً، ومن اللحظات القوية، فهم ألفوا أن يفجروا أفراحهم، وأن يترجموا مشاعرهم الوطنية في أوقات انتصار فريقهم الوطني لكرة القدم. وغالباً ما يحدث هذا بشكل تلقائي وجماعي، حيث يخرج السكان إلى الشوارع في مسيراتٍ شعبية للتعبير عن الفرح والمشاعر الوطنية الجياشة، بمختلف الأشكال والطرق، كما حدث في هذه المباراة، فحصول المنتخب المغربي على تأشيرة الذهاب إلى نهائيات كأس العالم في روسيا، والكيفية الأنيقة التي لعب بها، وأعداد الأهداف التي سجلها، والفرجة التي أتاحها، والروح القتالية التي أظهرها، أكسبه هذا كله تقدير الشارع المغربي وإعجابه وتعاطفه، وحركت في الشارع حالة من المساندة الجماعية، والاهتمام غير المسبوق بكرة القدم.
بعد نحو 25 دقيقة، في مباراة 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، فاجأ اللاعب نبيل درار 
الجميع، عندما سجل هدفاً بكيفية احترافية في مرمى الفريق الخصم، لم يثق الجمهور المغربي فيما حدث، فعلا الصراخ المنازل والمقاهي والفضاءات التي نصبت فيها شاشات عملاقة، وكأن كل المغاربة ضبطوا عقارب مشاعرهم على ما يمكن حسبانها لحظة وطنية عفوية، بل هناك من خرج إلى الشرفات، للصراخ، وهناك من أطلق شعارات حماسية. وزاد منسوب الثقة والفرح والاطمئنان، عندما أضاف عميد المنتخب المغربي بنعطية هدفاً ثانياً قبل نهاية الشوط الأول. بعد تسجيل الهدفين تمكنت عناصر المنتخب المغربي من إحداث صدمة نفسية، وارتباكات في صفوف منتخب ساحل العاج، وبدت معالم التوتر واحتقان الأعصاب واضحةً على أغلبية اللاعبين. وهذه المرة، وخلافاً للمرات السابقة، تدفقت الجموع بشكل ملفت، وخرجت في مسيرات حاشدة، ولعلعت الزغاريد، كما درجت على ذلك النساء في كل مناسبات انتصار المنتخب المغربي، وأطلقت السيارات زماميرها، وانتظمت في طوابير إلى وقت متأخر من الليل، لإعلان الفرح الجماعي. الكل علته علامات الاعتزاز والفخر والفرح، والفرح في المغرب عملة نادرة، ولا يحدث إلا في المناسبات والانتصارات الكبيرة.
في المغرب، غالباً ما تختلط الرياضة بالسياسة، فيفسر أي انتصار رياضي انتصاراً للخيارات السياسية، كما أن إجراءات اقتصادية واجتماعية كثيرة يتم ترويجها رديفاً للصواب، ويتم تمريرها في أوقات الانتصارات الرياضية، بل إن الرياضة، وخصوصاً كرة القدم، توظف بشكل منهجي للرفع من رصيد شعبية الحكم. وتبعاً لذلك، تنبري وسائل الإعلام العمومية، سيما التلفزيون، لترويج هذه الانتصارات وتسويقها، وربطها بالازدهار الاقتصادي، والاستقرار السياسي، اللذين تنعم بهما البلاد، وتعمد هذه الوسائل إلى بث لقطات ومشاهد لتأجيج المشاعر، بشكلٍ يصل أحياناً إلى مستوى الشعبوية، ويعكس نموذجاً لوطنية شوفينية. وهذا ما ترجمته تدوينات رواد شبكات التواصل الاجتماعي وتغريداتهم، وهم الذين أظهروا حماسةً استثنائية، وأشهروا في وجوه من يعتبرونهم عدميين وسلبيين وطنيةً من نوع خاص، لا تخلو من تطرّف وانغلاق، ولم يتوانوا عن جلدهم وتعنيفهم لفظياً، وإلصاق نعوتٍ قدحية بهم، خاصة بالنشطاء الذين ربطوا اكتمال هذا الانتصار بإطلاق سراح المعتقلين على خلفية الحراك الاجتماعي الذي عرفته مدينة الحسيمة، علماً أن لاعبين في المنتخب المغربي، يشكلون قوته الضاربة، يتحدرون من منطقة الريف (الحسيمة والناضور)، وهذا ما أثار نوعاً من الحنق والألم في نفوس فئاتٍ عريضة من سكان المنطقة وجاليتها التي تشكل أغلبية المغاربة المقيمين، خصوصاً في هولندا وألمانيا وبلجيكا وإسبانيا، من منطلق أن شباب الريف المعتقلين لا يقلون وطنيةً ووفاء للقيم المشتركة عن تلك الكوكبة من اللاعبين الذين أثاروا الجمهور المغربي بقتاليتهم وإخلاصهم وصلابتهم، والذين يتقاسمون معهم اللغة والهوية والانتماء إلى تاريخ مليء بالرموز، ومشحون بالتوترات والاحتقانات.
دلالات