16 ديسمبر 2017
حرب قادمة..
مع نهايات القرن الماضي، خفت كثيراً الصراع العربي الإسرائيلي، خصوصاً بعد توقيع مصر وإسرائيل اتفاقيات كامب ديفيد وما تلاها.
صحيح أن إسرائيل ظلت، ولا تزال، تواصل نهج العدوان في خنق الشعب الفلسطيني، وتوسيع نطاق المستوطنات، وتقتيل المحتجين الفلسطينيين. كما تواصل اعتداءاتها المتكرّرة ضد لبنان وسورية، ويرى فيها العربي العدو الرئيس، والخطر المستمر.
في حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، انقسم الموقف العربي: دول الخليج، واليمن، والسودان وقفت إلى جانب صدام حسين. ووقفت معظم الدول العربية ضد الحرب، وبعضها ساند إيران، مثل سورية وليبيا وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. واعتبروا الحرب على إيران استجابة لمخطط أميركي لحرف الصراع. وقوّت تلك الحرب الاتجاهات الإسلاموية: السنية، الشيعية. انتصرت في إيران الاتجاهات الأكثر يمينية وتشدّداً وشوفينية. كانت الحرب في المضمر تصدير البلدين الجارين أزمتيهما الداخلية، وطموح إيران في تصدير الثورة ذات القناع الاثني عشري، ورغبة صدام في التوسع، وتزعم المنطقة العربية بديلا لزعامة جمال عبد الناصر.
ثم كانت نتائج الحرب الثلاثينية، والتي شاركت فيها كل دول الخليج بقيادة السعودية، وشاركت فيها مصر وسورية، كارثية؛ فلأول مرة تشارك عدة دول عربية تحت الراية الأميركية؛ لتدمير بلد عربي مُؤَسِّس في جامعة الدول العربية، هو العراق، البلد الأكثر تطوراً، وثراءً، وقوة عسكرية. وكالتفاحة، سقط العراق بين فقهاء وآيات إيران، لتبدأ المنطقة في مواجهة خطرٍ له امتداد في نسيج المجتمعات: العراقي والسوري واللبناني والخليجي.
قوّت الحرب العراقية الإيرانية الجنوح الإسلاموي الذي يعني، في العمق، الصراع السني -
الشيعي، مع احتفاظ النظام في بغداد بالشعارات القومية ذات النزعة العرقية. وكان المستفيد الأكبر من إعطاء الصراع البعد الطائفي الآيات الإيرانية؛ لأن ذلك يقوّي التشدد في مواجهة تيار اليسار الماركسي (حزب تودة)، وفدائيي الشعب (اليسار الإسلامي)، كما تنتصر على حكومة التكنوقراط بزعامة مهدي بازركان، والآيات الإيرانية المستنيرة: محمود طالقاني، وآية الله علي منتظري. والأول من تلاميذ محمد مصدق، ومن أنصار محمد حسين النائيني الداعي إلى ولاية الأمة، بدلاً من أنصار الفقيه في كتابه "تنبيه الأمة وتنزيه الملة"، ومن أوائل دعاة المشروطة في إيران، ومن تلاميذه: محمد مصدق، ومحمود طلقاني، والعديد من الآيات الداعين لولاية الأمة.
يرى الباحث زهير الجزائري صاحب كتاب "الاستبداد" أن تحول الخطاب العراقي من القومية إلى الدين جاء مفاجئا بعد حرب الخليج الثانية. واستقبله بعضهم بترحاب، باعتباره علامة توبة لحاكم ضال عائد إلى طريق الهداية، واعتبره آخرون خروجاً عن طبيعة العلمانية القومية. ولم تكن السخرية الوجه البارز في هذا النفاق؛ ففي خضم المواجهة، جرى تقديس الأفعال، بغض النظر عن نتائجها، والنيات المختبئة وراءها، ولم ينتبه أحد لهذا الانعطاف.
اللافت أن البداية الأولى لمؤسسي فرع بعث العراق، والذين سمّاهم ميشيل عفلق الملائكة الصغار، كان معظمهم من الشيعة: حازم جواد ، طالب حسين الشبيبي، سعدون حمادي، علي صالح السعدي، وأبو طالب الهاشمي. وحقاً، فإن فكر البعث المرتكز على البعد الروحي مازج بين الروح الإسلامية والهوية العربية.
ويرى الباحث العراقي، فالح عبد الجبار، في كتابه المهم "المادية والوعي الديني" (دار الفارابي، بيروت، 1985) أن "التعارض بين الخطابين، القومي والديني، ينطوي على تداخل تاريخي وفكري؛ فقد بدأ الإسلام كدين عربي، ثم انتشر بين غير العرب. وعلى خلاف القومية التوحيدية الأوروبية التي ظهرت في حرب الكنيسة، كان الإسلام في بدايات الرسالة عنصر توحيد للقبائل العربية. ولاحقاً تحول إلى عنصر مقاومة للاحتلال الخارجي؛ فأثناء الاحتلال العثماني الإسلامي اتخذت المواجهة شكل خلافات طائفية: شيعية أو وهابية مع دين المركز".
في الحرب العالمية الأولى، قاتل بعض حكام العرب إلى جانب بريطانيا وفرنسا ضد الوجود التركي؛ ليقعوا ضحية "سايكس بيكو"، ويفقدوا السيادة والاستقلال على العراق وسورية وفلسطين. أما الحرب العالمية الثانية، فكانت مصر وفلسطين والأردن والعراق والسودان وجنوب اليمن تحت المظلة البريطانية، وكانت النتيجة خسران فلسطين. وانتهت الحرب على العراق، تحت الراية الأميركية، بتدمير هذا البلد. والحرب ممتدة وموجهة ضد الربيع العربي بالأساس، وقد دمرت سورية وليبيا، وتدمر اليمن، ولن تقف عند حد؛ خصوصاً وهي تتخذ اللبوس الطائفي السني- الشيعي.
استولت إيران على العراق بتقوية المليشيات المسلحة (منظمة بدر) التي درّبتها، كما شجعت
المراجع الشيعية الموالية: الدعوة، والمجلس الأعلى الإسلامي. ولا ينبغي قراءة الصراع المتصاعد مجدّداً بين السعودية وإيران من كوة السنة والشيعة، على الرغم من وجودها فعلاً، لكنها توظف في الصراع السياسي عند الاحتياج.
ويتزامن التصعيد مع مجيء دونالد ترامب رئيسا في البيت الأبيض، وتشكيل تحالف "سني" في مواجهة إيران. وتنفرط السبحة: تحاصر قطر بتهمة دعم الإرهاب. يدعو ترامب إلى إعادة النظر في الاتفاق النووي مع إيران. يتزايد القصف والحصار على اليمن. يرسل أنصار الله (الحوثيون) صاروخا يصل إلى الرياض. تتهيأ العراق وسورية للقضاء على الدواعش، وتتحرك إسرائيل وأميركا لمنع التمدّد الإيراني إلى سورية عبر ما سماه الملك عبدالله الثاني "الهلال الشيعي".
وللصراع السني- الشيعي علاقة بتوجه الإدارة الأميركية الجديدة، ونهج ترامب المؤجج للصراع، والمعطي الأولوية لتجارة السلاح، وأتاوة الحماية. كما أن لتصعيد الصراع واستمراره علاقة بالصراعات الداخلية في إيران والسعودية. إذ يخدم هذا الأمر التيار المتشدّد والآيات وأنصار ولاية الفقيه، وتقريب زمن الظهور، وتصدير الدعوة الاثني عشرية. أما في العربية السعودية، فإن الانقلاب ضد أقطاب في الأسرة المالكة من أحد فروعها يحتاج إلى الضغط على الجرس، ودق طبول الحرب، ورفع راية حماية الجزيرة والعرب، ومحاربة الإرهاب، والتصدّي لتمدد إيران، وقطع أذرعها الممتدة إلى لبنان وقطر واليمن، ومحاربة الفساد في الداخل السعودي الذي هو بكل تأكيد جزء أساسي فيه، وفي الرأس منه.
صحيح أن إسرائيل ظلت، ولا تزال، تواصل نهج العدوان في خنق الشعب الفلسطيني، وتوسيع نطاق المستوطنات، وتقتيل المحتجين الفلسطينيين. كما تواصل اعتداءاتها المتكرّرة ضد لبنان وسورية، ويرى فيها العربي العدو الرئيس، والخطر المستمر.
في حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، انقسم الموقف العربي: دول الخليج، واليمن، والسودان وقفت إلى جانب صدام حسين. ووقفت معظم الدول العربية ضد الحرب، وبعضها ساند إيران، مثل سورية وليبيا وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. واعتبروا الحرب على إيران استجابة لمخطط أميركي لحرف الصراع. وقوّت تلك الحرب الاتجاهات الإسلاموية: السنية، الشيعية. انتصرت في إيران الاتجاهات الأكثر يمينية وتشدّداً وشوفينية. كانت الحرب في المضمر تصدير البلدين الجارين أزمتيهما الداخلية، وطموح إيران في تصدير الثورة ذات القناع الاثني عشري، ورغبة صدام في التوسع، وتزعم المنطقة العربية بديلا لزعامة جمال عبد الناصر.
ثم كانت نتائج الحرب الثلاثينية، والتي شاركت فيها كل دول الخليج بقيادة السعودية، وشاركت فيها مصر وسورية، كارثية؛ فلأول مرة تشارك عدة دول عربية تحت الراية الأميركية؛ لتدمير بلد عربي مُؤَسِّس في جامعة الدول العربية، هو العراق، البلد الأكثر تطوراً، وثراءً، وقوة عسكرية. وكالتفاحة، سقط العراق بين فقهاء وآيات إيران، لتبدأ المنطقة في مواجهة خطرٍ له امتداد في نسيج المجتمعات: العراقي والسوري واللبناني والخليجي.
قوّت الحرب العراقية الإيرانية الجنوح الإسلاموي الذي يعني، في العمق، الصراع السني -
يرى الباحث زهير الجزائري صاحب كتاب "الاستبداد" أن تحول الخطاب العراقي من القومية إلى الدين جاء مفاجئا بعد حرب الخليج الثانية. واستقبله بعضهم بترحاب، باعتباره علامة توبة لحاكم ضال عائد إلى طريق الهداية، واعتبره آخرون خروجاً عن طبيعة العلمانية القومية. ولم تكن السخرية الوجه البارز في هذا النفاق؛ ففي خضم المواجهة، جرى تقديس الأفعال، بغض النظر عن نتائجها، والنيات المختبئة وراءها، ولم ينتبه أحد لهذا الانعطاف.
اللافت أن البداية الأولى لمؤسسي فرع بعث العراق، والذين سمّاهم ميشيل عفلق الملائكة الصغار، كان معظمهم من الشيعة: حازم جواد ، طالب حسين الشبيبي، سعدون حمادي، علي صالح السعدي، وأبو طالب الهاشمي. وحقاً، فإن فكر البعث المرتكز على البعد الروحي مازج بين الروح الإسلامية والهوية العربية.
ويرى الباحث العراقي، فالح عبد الجبار، في كتابه المهم "المادية والوعي الديني" (دار الفارابي، بيروت، 1985) أن "التعارض بين الخطابين، القومي والديني، ينطوي على تداخل تاريخي وفكري؛ فقد بدأ الإسلام كدين عربي، ثم انتشر بين غير العرب. وعلى خلاف القومية التوحيدية الأوروبية التي ظهرت في حرب الكنيسة، كان الإسلام في بدايات الرسالة عنصر توحيد للقبائل العربية. ولاحقاً تحول إلى عنصر مقاومة للاحتلال الخارجي؛ فأثناء الاحتلال العثماني الإسلامي اتخذت المواجهة شكل خلافات طائفية: شيعية أو وهابية مع دين المركز".
في الحرب العالمية الأولى، قاتل بعض حكام العرب إلى جانب بريطانيا وفرنسا ضد الوجود التركي؛ ليقعوا ضحية "سايكس بيكو"، ويفقدوا السيادة والاستقلال على العراق وسورية وفلسطين. أما الحرب العالمية الثانية، فكانت مصر وفلسطين والأردن والعراق والسودان وجنوب اليمن تحت المظلة البريطانية، وكانت النتيجة خسران فلسطين. وانتهت الحرب على العراق، تحت الراية الأميركية، بتدمير هذا البلد. والحرب ممتدة وموجهة ضد الربيع العربي بالأساس، وقد دمرت سورية وليبيا، وتدمر اليمن، ولن تقف عند حد؛ خصوصاً وهي تتخذ اللبوس الطائفي السني- الشيعي.
استولت إيران على العراق بتقوية المليشيات المسلحة (منظمة بدر) التي درّبتها، كما شجعت
ويتزامن التصعيد مع مجيء دونالد ترامب رئيسا في البيت الأبيض، وتشكيل تحالف "سني" في مواجهة إيران. وتنفرط السبحة: تحاصر قطر بتهمة دعم الإرهاب. يدعو ترامب إلى إعادة النظر في الاتفاق النووي مع إيران. يتزايد القصف والحصار على اليمن. يرسل أنصار الله (الحوثيون) صاروخا يصل إلى الرياض. تتهيأ العراق وسورية للقضاء على الدواعش، وتتحرك إسرائيل وأميركا لمنع التمدّد الإيراني إلى سورية عبر ما سماه الملك عبدالله الثاني "الهلال الشيعي".
وللصراع السني- الشيعي علاقة بتوجه الإدارة الأميركية الجديدة، ونهج ترامب المؤجج للصراع، والمعطي الأولوية لتجارة السلاح، وأتاوة الحماية. كما أن لتصعيد الصراع واستمراره علاقة بالصراعات الداخلية في إيران والسعودية. إذ يخدم هذا الأمر التيار المتشدّد والآيات وأنصار ولاية الفقيه، وتقريب زمن الظهور، وتصدير الدعوة الاثني عشرية. أما في العربية السعودية، فإن الانقلاب ضد أقطاب في الأسرة المالكة من أحد فروعها يحتاج إلى الضغط على الجرس، ودق طبول الحرب، ورفع راية حماية الجزيرة والعرب، ومحاربة الإرهاب، والتصدّي لتمدد إيران، وقطع أذرعها الممتدة إلى لبنان وقطر واليمن، ومحاربة الفساد في الداخل السعودي الذي هو بكل تأكيد جزء أساسي فيه، وفي الرأس منه.