03 أكتوبر 2024
النائم والثورة وعماد أبو صالح
عن ديوان عماد أبو صالح، الشاعر والإنسان، أتحدّث. ذلك الديوان الذي أخذ اسماً يفتح شهية الثوريين للكلام (كان نائماً حين قامت الثورة)، ويثلج صدور ما بعد الحداثيين، ويجعلهم في محمدة وضع الحياد، بعيدا عما سموها "المعركة"، وبعضهم قالها بلا لبس: "وإيه يعني ما يرجع مبارك"، فرد عليه صديقه من "الأربعائيين": "لا مش للدرجا دي يا مهاب، ما وصلتش لكده يا هوبا".
أتكلم عن عماد الإنسان، ومواقفه الإنسانية التي تتماسّ مع جوهر الشعر، وقد دفع فيها الثمن، دونما يافطةٍ ولا إعلان حزبي، أو احتماء بشلة أو جماعة أو حجر أيديولوجية أو قومية عربية أو فرعونية.. إلخ. هو القادم من قريته وحيداً، والعائش مع شعره في المدينة وحيداً بلا جلبة أو صخب. عماد غير المحسوب أبداً على (مظلة المهجر) وقسمة كعكته من الخارج، صحافة ومؤتمرات أو ترجمات تظلّ على أرفف مكتبات الغرب، حليةً تؤكد دعم كتّاب البلدان الفقيرة، ومدّ يد العون لهم بترجمة، أو (بورشة) كتابة، أو بدعوةٍ، وما غير ذلك من الطرق الصغيرة والحيل التي تذكّرني بأدباء الأقاليم في ترويج سلع بعضهم بعضاً، كصغار التجّار في أسواق الخضار لدى مؤسسات الغرب، على الرغم من عيشهم في العالم الواسع.
عماد الذي يخطو في الشعر "كخائف" حقيقي، دونما بلاغةٍ أو تقليدٍ لقديمٍ أو شائع من طرق. عماد أبو صالح يعدو وحيداً من غير وساطةٍ من أحد، أي أحد، حتى لجان الشعر رفضها، ومشى إلى حاله هادئاً من غير أحمال ولا ذنوب. لا يعطي اسم الديوان (كنت نائما حين قامت الثورة)، أي فرصةٍ وجيهة في الطعن في النائم، وهو عماد أبو صالح. ولمن يعرف عماد ويقترب أو اقترب منه، يعرف أن عماد لا ينام أبداً على حق هدر، ولا على جمالٍ تم مسخه لصالح سلطةٍ أو جماعة، ولا على خير كوني نذر روحه له من ربع قرن، قراءة وكتابة، ولا نام على واجبٍ شعريٍّ وإنسانيٍّ يراه، يمثل طريق روحه، ويمثل رؤيته من العالم. أما وأن الديوان قد يعطي، من خلال اسمه، باباً أو فرصةً، للطعن في الثورة، فعماد من أول الثائرين على المؤسسة ومكاسبها وتكلساتها، بل من أول كارهيها، وذلك عن استغناء روحي حقيقي بلا تزييف أو تزيين، وليس غبناً، أو تسويغاً لمطامع يخطّط لها فيما بعد، بل هو من المبتعدين عن كل المؤسسات الثقافية حد القسوة على نفسه، وحد الشطط أحياناً، لكنه شططٌ صنع له السلامة والسلام، على الأقل ما بينه وبين نفسه وما يكتبه. سلامةً له، ولروحه، ولشعره بشكل كبير. عماد أبو صالح حالة خاصة في الهروب من كل المستنقعات، الحزبية، والأكاديمية، والشللية، واليسارية، واليمينية، والسلطوية، والمؤسسية، والمهجرية، وخصوصاً لو "صلى ركعتي الحداثة والمهجر" على أبواب الغرب أو أميركا أو جامعاتيهما.
اكتفى عماد، من ربع قرن، بالشعر، وبمحبته وبعماد أيضا. قدّم ثورته الخاصة، على نفسه أولا، ففاز وابتعد، من دون أن يكون ناقلاً حداثياً للعبارات والتهويمات، ومن دون أن يلتحق بركب، أي ركب. ركب نفسه، وهو صوت نفسه، وهو يقين نفسه، وعناد نفسه، وكتاب نفسه. عماد لا يحاذي أحداً، ولا يقلد أحداً. يمشي في ركب نفسه. ومن بعيدٍ، يكتب القصائد، ويمنحها للناس بيده على المقهى، كعجوز، يطعم طيور الله، ولا يسنّ سكيناً بعد الطعام لطير ولا ليمام.
هو يعيش الشعر، حالة وجودية وروحية معا، من دون أن ينتظر الثواب أو الأجر أو المكرمة. يذكّرني عماد بذلك الفيلسوف اليوناني الذي عاش على كومةٍ من تراب، فجاءه حاكم أثينا، وقال له: قل ما تريد؟ فقال له: ابعد قليلا، كي أرى الشمس. عماد يقول للمؤسسة من ربع قرن: "ابتعدي عني، كي أهرب إلى شقائي". وهؤلاء قد يطيب لهم النوم في الغروب أو في السحر، أو حتى حين تقوم الثورات.
سلام على عماد، في الصالحين، فقد صنع ثورته قبل الثورات بربع قرن، ونام مستريحاً بلا ذنوب، تاركاً الذنوب على ظهورنا نحن، وانسلّ هارباً كعادته.
أتكلم عن عماد الإنسان، ومواقفه الإنسانية التي تتماسّ مع جوهر الشعر، وقد دفع فيها الثمن، دونما يافطةٍ ولا إعلان حزبي، أو احتماء بشلة أو جماعة أو حجر أيديولوجية أو قومية عربية أو فرعونية.. إلخ. هو القادم من قريته وحيداً، والعائش مع شعره في المدينة وحيداً بلا جلبة أو صخب. عماد غير المحسوب أبداً على (مظلة المهجر) وقسمة كعكته من الخارج، صحافة ومؤتمرات أو ترجمات تظلّ على أرفف مكتبات الغرب، حليةً تؤكد دعم كتّاب البلدان الفقيرة، ومدّ يد العون لهم بترجمة، أو (بورشة) كتابة، أو بدعوةٍ، وما غير ذلك من الطرق الصغيرة والحيل التي تذكّرني بأدباء الأقاليم في ترويج سلع بعضهم بعضاً، كصغار التجّار في أسواق الخضار لدى مؤسسات الغرب، على الرغم من عيشهم في العالم الواسع.
عماد الذي يخطو في الشعر "كخائف" حقيقي، دونما بلاغةٍ أو تقليدٍ لقديمٍ أو شائع من طرق. عماد أبو صالح يعدو وحيداً من غير وساطةٍ من أحد، أي أحد، حتى لجان الشعر رفضها، ومشى إلى حاله هادئاً من غير أحمال ولا ذنوب. لا يعطي اسم الديوان (كنت نائما حين قامت الثورة)، أي فرصةٍ وجيهة في الطعن في النائم، وهو عماد أبو صالح. ولمن يعرف عماد ويقترب أو اقترب منه، يعرف أن عماد لا ينام أبداً على حق هدر، ولا على جمالٍ تم مسخه لصالح سلطةٍ أو جماعة، ولا على خير كوني نذر روحه له من ربع قرن، قراءة وكتابة، ولا نام على واجبٍ شعريٍّ وإنسانيٍّ يراه، يمثل طريق روحه، ويمثل رؤيته من العالم. أما وأن الديوان قد يعطي، من خلال اسمه، باباً أو فرصةً، للطعن في الثورة، فعماد من أول الثائرين على المؤسسة ومكاسبها وتكلساتها، بل من أول كارهيها، وذلك عن استغناء روحي حقيقي بلا تزييف أو تزيين، وليس غبناً، أو تسويغاً لمطامع يخطّط لها فيما بعد، بل هو من المبتعدين عن كل المؤسسات الثقافية حد القسوة على نفسه، وحد الشطط أحياناً، لكنه شططٌ صنع له السلامة والسلام، على الأقل ما بينه وبين نفسه وما يكتبه. سلامةً له، ولروحه، ولشعره بشكل كبير. عماد أبو صالح حالة خاصة في الهروب من كل المستنقعات، الحزبية، والأكاديمية، والشللية، واليسارية، واليمينية، والسلطوية، والمؤسسية، والمهجرية، وخصوصاً لو "صلى ركعتي الحداثة والمهجر" على أبواب الغرب أو أميركا أو جامعاتيهما.
اكتفى عماد، من ربع قرن، بالشعر، وبمحبته وبعماد أيضا. قدّم ثورته الخاصة، على نفسه أولا، ففاز وابتعد، من دون أن يكون ناقلاً حداثياً للعبارات والتهويمات، ومن دون أن يلتحق بركب، أي ركب. ركب نفسه، وهو صوت نفسه، وهو يقين نفسه، وعناد نفسه، وكتاب نفسه. عماد لا يحاذي أحداً، ولا يقلد أحداً. يمشي في ركب نفسه. ومن بعيدٍ، يكتب القصائد، ويمنحها للناس بيده على المقهى، كعجوز، يطعم طيور الله، ولا يسنّ سكيناً بعد الطعام لطير ولا ليمام.
هو يعيش الشعر، حالة وجودية وروحية معا، من دون أن ينتظر الثواب أو الأجر أو المكرمة. يذكّرني عماد بذلك الفيلسوف اليوناني الذي عاش على كومةٍ من تراب، فجاءه حاكم أثينا، وقال له: قل ما تريد؟ فقال له: ابعد قليلا، كي أرى الشمس. عماد يقول للمؤسسة من ربع قرن: "ابتعدي عني، كي أهرب إلى شقائي". وهؤلاء قد يطيب لهم النوم في الغروب أو في السحر، أو حتى حين تقوم الثورات.
سلام على عماد، في الصالحين، فقد صنع ثورته قبل الثورات بربع قرن، ونام مستريحاً بلا ذنوب، تاركاً الذنوب على ظهورنا نحن، وانسلّ هارباً كعادته.