حتمية بريطانيا "الأوروبية"

14 مايو 2016

كاميرون يؤيد البقاء في الاتحاد الأوربي (12مايو/2016/Getty)

+ الخط -
لم تعد مسألة بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي محسومة، كما يظنّ كثيرون. يظهر ذلك من الجهد الكبير لرئيس الحكومة، ديفيد كاميرون، ومعارضيه في حزب العمال، الذين يجهدون، كل من موقعه، في العمل على إبقاء بلادهم ضمن المنظومة الأوروبية، في ظلّ معارضة كبيرة نسبياً من البريطانيين للبقاء. وقبل شهر ونيّف على استفتاء 23 يونيو/ حزيران المقبل في بريطانيا، تبدو البلاد متردّدةً في حسم أمرها.
في الواقع، أدّى كاميرون دوراً محورياً في مسألة الاستفتاء برمّتها، منذ طرحها فكرةً في برنامجه في الانتخابات التشريعية في ربيع 2015، وصولاً إلى إعلان تأييده الاستمرار في الاتحاد الأوروبي. ومن شأن الخطوة البريطانية، إيجاباً أم سلباً، أن تُمهّد لسلسلة خطواتٍ متعلقةٍ بأوروبا، غير مرتبطة بانفصال أو ضمّ دول، بقدر ارتباطها بتعديل بعض القوانين والسياسات التي تحكم الاتحاد، أو تغييرها أو تطويرها، انطلاقاً من ملف الهجرة الذي تفاقم في العامين الأخيرين.
كما أن السلطات الرسمية البريطانية باشرت داخلياً ترويج فكرة "تطوير الاتحاد الأوروبي"، عبر منحها اسكتلندا حق إجراء استفتاء الانفصال عن بريطانيا في 18 سبتمبر/ أيلول 2014. وعلى الرغم من رفض غالبية الاسكتلنديين الانفصال عن بريطانيا، إلا أن النموذج البريطاني عبّد الطريق لبراغماتية أوروبية شاملة، بغية استيعاب التطوّر المتنامي للأحزاب اليمينية في القارة العجوز، حفاظاً على وحدة الاتحاد، لا تعزيز انقسامه.
هنا، يُمكن العودة إلى فرنسا "اليسارية" التي تحوّل الرئيس الاشتراكي فيها، فرنسوا هولاند، إلى وجهٍ يميني، في مرحلة ما بعد اعتداءات 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي في باريس، تحديداً لانحنائه أمام بعض التشريعات "القومية"، لكيلا ينكسر الحكم الاشتراكي. وقد كسب هولاند معركته إلى حين، في انتخابات المناطق، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بعد فرملة تقدّم حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، استناداً إلى القوانين "القومية" التي سوّقها بنفسه، مثل "إعلان حال الطوارئ" ودراسة "قانون سحب الجنسية الفرنسية".
في ألمانيا، لم تكن براغماتية المستشارة أنجيلا ميركل مشابهةً لفرنسا، لكنها تمكنت، حتى الآن، من احتواء نمو حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرّف، بالاعتماد على عاملين: الخوف المجتمعي الألماني من أي تغيير في مسار ما بعد الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945). واستقرار ألمانيا الاقتصادي الذي قادته ميركل بالذات، واعتبارها "اللاجئين قوة اقتصادية في ألمانيا".
على أن بريطانيا، بين كبار القارة، تتمتّع ببعض الخصائص، وحتى أنها بدأت بـ"مراكمة" إنجازات مرحلية، تفيدها في يوم الاستفتاء. صادق خان، عمدة لبلدية لندن، ليس الأمر عادياً في البلاد في الوقت الحالي، مع أنه كان "طبيعياً" منذ بات أندرو واتسون، أول لاعب من العرق الأسود يلعب مباراة لكرة القدم على مستوى عالٍ في بريطانيا عام 1874. بريطانيا، دائماً ما كانت خليطاً غريباً من العنصرية والتنوّع، لكنها لم تؤثر على تقدّم أي شخصٍ من أصول أجنبية، وهو ما حدث مع خان، غير أن مجرد وراثة الباكستاني الأصل العمدة السابق القوي، بوريس جونسون، في حقبة التساؤلات العالمية والأوروبية حول الأديان والأعراق، يُعدّ أمراً جميلاً، يصبّ في صالح بريطانيا "الأوروبية" أكثر من بريطانيا "الخارجة عن الاتحاد الأوروبي".
ليس هذا فحسب، بل أظهر البريطانيون مجدداً قدراتهم العسكرية، تحديداً في الأيام الأخيرة، حين تصدّت طائراتهم لطائرة روسية اخترقت أجواء البلاد، كما في مشاركة سلاح الجو البريطاني في العمليات العسكرية ضد "داعش" في العراق وليبيا. يعلم البريطانيون، أن دورهم المحوري جغرافياً هو ما ساهم في تحطيم جيش ألمانيا النازية، على ضفاف دونكيرك في النورماندي الفرنسية، في الحرب العالمية الأولى. استفتاء بريطانيا سيُقرّر وجه أوروبا وتوجّهها المستقبلي، فلولا بريطانيا في الغرب الأوروبي لكان أدولف هتلر سيداً على أوروبا، وتغيّر وجه التاريخ.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".