التحول الوطني ورهان التيارات السعودية

25 ابريل 2016

سعودية تقترع في الانتخابات البلدية في جدة (12 ديسمبر/2015/Getty)

+ الخط -
تنطلق اليوم، 25 من إبريل/ نيسان، خطة التحول الوطني في السعودية، ضمن إعلان رؤية شاملة للمملكة في السنوات المقبلة. وتركز الخطة على تحويل الاقتصاد السعودي إلى اقتصاد أقل اعتماداً على النفط، كما هو مُعلن، وزيادة كفاءة الإنفاق الحكومي، وتنويع مصادر الدخل. وتأتي هذه التغييرات والتحولات الاقتصادية مصحوبةً بتغييرات اجتماعية، تجنح نحو مزيد من الانفتاح في المجال الاجتماعي، وقد بدأت ملامح هذا الانفتاح تظهر، مع التنظيم الأخير لعمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية، أو ما يُعرف في الإعلام الغربي بالشرطة الدينية، والتنظيم الجديد ينزع من الهيئة صلاحية الضبط، ويحصر مهمتها في إطار إبلاغ الشرطة عن المخالفات وحسب، ما يعني خلعاً لأنيابها وسلطتها، وهو ما أثار جدلاً واسعاً بين التيارين المحافظ والليبرالي، استكمالاً لجدل وصراعٍ لم ينته منذ سنوات طويلة.
تمتع التيار الديني المحافظ في السعودية، منذ تأسيس الدولة، بنفوذٍ كبير، لكنه تقلص تدريجياً عبر عقود، بسبب مأسسة الحالة الدينية، وتالياً تحجيم قدرتها على الحركة بحُرِّية، وعملية التحديث داخل أجهزة الدولة، غير أن التيار الديني ظلّ يمنح الدولة أحد مصادر شرعيتها الأساسية، أي الشرعية الدينية. بعد أحداث "11 سبتمبر" في العام 2001، سعت السلطة إلى مزيدٍ من تقليص نفوذ التيار الديني (بتشعباته) داخل مؤسسات الدولة، وتهذيب الخطاب الديني الرسمي، وفتح المجال للتيار الليبرالي في الصحف والمؤسسات الإعلامية لنقد المؤسسات الدينية ونفوذ المحافظين في الدولة، والدعوة إلى "لبرلة" المجال الاجتماعي.
دار سجالٌ بين الليبراليين والمحافظين، محوره المجال الاجتماعي، وشعر المحافظون أن البساط يُسحب من تحت أقدامهم بالتدريج. وبفعل تأثيرات العولمة من جهة، وهيمنة خطابٍ مناقض للتيار الديني داخل المؤسسات الإعلامية، من جهة أخرى، انكسرت هيمنة التيار المحافظ على الساحة الاجتماعية، ولم يعد وحيداً في تشكيل اتجاهات الناس ووعيهم. لذلك، ظلت أحلام العودة للهيمنة الكاملة على المجال الاجتماعي والثقافي تداعب خيال التيار الديني، وهو ما توهم عدد كبير من رموزه وجمهوره بأنه قريب للتحقق في العهد الجديد.

راهن التيار الديني، بتقليدييه وحركييه، على العهد الجديد، لأسباب داخلية وخارجية، وفيما ركّز التقليديون، وعموم السلفيين، على استعادة الزخم الداخلي والنفوذ داخل مؤسسات الدولة، اهتم التيار الإخواني، ومن يدور في فلكه، بالسياسة الخارجية، وراهن على سياسةٍ خارجيةٍ تحقق لتيار الإخوان المسلمين في المنطقة أهدافه، وتخوض معاركه، وتعيده إلى السلطة التي فقدها في أكثر من بلدٍ عربي. أقلقت الدعاية التي أطلقها هؤلاء، استبشاراً بالعهد الجديد وتحولاته، الليبراليين، وجعلتهم في حالة ترقب، وسلّم بعضهم بأن العهد الجديد سيحمل تعزيزاً لموقع التيار الديني، لكن الحقائق على أرض الواقع كانت أقوى من تصور عودة مظفرة لهيمنة التيار الديني، إذ اختلف المزاج العام كثيراً عن زمن الصحوة الدينية، وقد كان الحفاظ على التوازنات بين الليبراليين والمحافظين الاستراتيجية المعتمدة، وبدا خلال الأشهر الأولى من العهد الجديد ألا تغيير فيها.
على الرغم من أن العهد الجديد لم يصدر أي إشارةٍ، ولو صغيرة، لتعزيز نفوذ التيار الديني، إلا أن الدعاية السلفية استمرت في الادعاء بحصول تغيير، رغبةً في الدفع نحو حصوله فعلاً، لكن التغيير لم يحدث. ومع نهاية العام المنصرم، بدأ الحديث عن تحول وطني اقتصادي كبير، وبالتدقيق في طبيعة التحول الاقتصادي المطروح، كان الاستنتاج سهلاً بضرورة إيجاد انفتاح اجتماعي لدعم هذا التحول الاقتصادي، وهو ما تأكد مع مقابلة ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، مع مجلة ذا إيكونومست، ثم أخيراً في حديثه لوكالة بلومبرغ، إذ إن ولي ولي العهد قارب قضايا الاشتباك الرئيسية بين الليبراليين والمحافظين (المرأة، الترفيه) بالجزم بحصول انفتاح، وجاء نزع صلاحية الضبط من هيئة الأمر بالمعروف ليغير بالفعل قواعد اللعبة. ولكن، في اتجاهٍ لم يرغبه أو يتوقعه الدعاة ورموز التيار الديني الذين تفاءلوا بدايةً بتغييرٍ في قواعد اللعبة لصالحهم، فإذا بهم يفقدون مزيداً من السلطة على المجتمع، بتنظيم الهيئة الجديد، ويترقبون مزيداً من الخسائر على هذا الصعيد.
حتى الرهان الإخواني على سياسة خارجية تحتضنهم، لم يتحقق بالشكل المطلوب، وإنْ صارت السياسة السعودية أقل عدائيةً تجاه الإخوان المسلمين، إلا أنها لم تتخذ الموقف المطلوب إخوانياً من نظام عبد الفتاح السيسي، وفشلت المحاولات المتتالية لتيار "الإخوان" في تأليب السعودية على عبد الفتاح السيسي، كما أن التقارب السعودي الإماراتي إقليمياً استمر بشكل يخيف "الإخوان" من عاقبته في اليمن بالذات، ولا يبدو أن تغييراً يلوح في الأفق، ويجعل السعودية تحتضن "الإخوان" كما فعلت في الخمسينيات والستينيات، كما أن مسؤولين سعوديين، مثل وزير الخارجية عادل الجبير، يؤكدون على ثبات الموقف السلبي من الإخوان المسلمين.
إعلان رؤية السعودية المستقبلية، وخطة التحول الوطني، يحمل، في طياته، اتجاهاً نحو مزيد من الانفتاح الاجتماعي، وهو ما يجعل النشوة الليبرالية مبرّرة، إذ تعدُ مؤشرات المرحلة الجديدة بانتصارٍ لليبراليين في ملفاتٍ اجتماعيةٍ استهلك السجال حولها زمناً طويلاً، مثل حقوق المرأة وصلاحيات هيئة الأمر بالمعروف وتوسيع مجال الترفيه. إنها قواعد جديدة، لا بد من رصد أثرها في تحولاتٍ اجتماعيةٍ وثقافيةٍ مستقبلية.

9BB38423-91E7-4D4C-B7CA-3FB5C668E3C7
بدر الإبراهيم

كاتب سعودي. صدر له كتاب "حديث الممانعة والحرية"، و"الحراك الشيعي في السعودية .. تسييس المذهب ومذهبة السياسة".