أحلام الجماعة كوابيس المجتمع

13 ابريل 2016

الأمين العام لجماعة العدل والإحسان محمد عبادي

+ الخط -
لم يجد محمد عبادي مرشد جماعة العدل والإحسان (كبرى الحركات الإسلامية في المغرب) موضوعاً لحشد همم الأتباع وإنعاش ذاكرتهم الدينية سوى بعث مشروع (الخلافة على منهاج النبوة)، وضرورة إحياء هذا الحلم الذي يراود الجماعة منذ أربعين سنة.
رأى عبادي، في شريط مصور، أن إقامة الخلافة على منهاج النبوة فريضة الفرائض، ومقصد المقاصد، الأمس واليوم وغداً. واستدل على ذلك بإجماع فقهاء القرون الأولى الذين رأوا في وجوب قيام دولة واحدة لكل المسلمين فريضةً بها يقوم الدين، وتنعقد المصلحة، وترفع راية الإسلام في وجه أعدائه، ودليله في ذلك قول عمر بن الخطاب، وهو على فراش الموت (إذا بقي مخالف للإمام بعد ثلاثة أيام فاضربوا عنقه). وعلق قائد "العدل والإحسان" بالقول (ولم يخالف أحد من الصحابة عمر بن الخطاب، وهذا دليل على إجماع الصحابة على ضرورة تنصيب الإمام الواحد وجمع شمل الأمة في دولة واحدة)، ثم طاف صاحبنا على أقوال علماء السلف، من الماوردي إلى ابن حزم إلى الجويني إلى المتأخرين، رافعا شعار إحياء الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة التي على رأسها أمير واحد للمؤمنين، يدين له مليار و700 مليون مسلم اليوم بالطاعة والولاء. واستشهد بالحديث النبوي: إذا بويع لخليفتين، فاقتلوا الآخر منهما.
كيف سننصب هذا الإمام على 44 دولة إسلامية اليوم؟ وكيف نسقط الحدود بين هذه الدول المسجلة في (الشهر العقاري) في الأمم المتحدة ؟ وماذا نفعل مع ملايين المسلمين الذين يعيشون في دول غير إسلامية في الصين والهند وأوروبا وأميركا وروسيا، هل نطلب منهم الهجرة من بلاد الكفر وترك أموالهم ووظائفهم هناك، أم حمل السلاح وإقامة دولة الإسلام حيث يعيشون ضداً على الأغلبية؟ ثم إذا أقنعنا مليارا وأكثر من نصف مليار مسلم بضرورة الدخول إلى خيمة الخلافة الجديدة، كيف نقنع 44 ملكاً وأميراً ورئيساً بترك السلطة، وتسليم بلدانهم وثرواتها وحدودها ومقعدها في الأمم المتحدة إلى أمير الدولة الإسلامية الجديدة؟
من سوء حظ الشيخ عبادي أن مواطني جمهورية "فيسبوك" هم الذين ردوا عليه بالنكتة والسخرية، اقترحوا عليه التوجه إلى أقرب وكالة أسفار، وأخذ تذكرة سفر إلى العراق، والالتحاق بالبغدادي الذي أعلن دولة الإسلام في الموصل. واستنكر الصحافيون والحقوقيون واليساريون والليبراليون أفكار الشيخ التي تحتوي على تحريض على القتل والعنف وقطع الرؤوس. وفي النهاية، جرى تصنيف كلام الشيخ في خانة شبيهة بالداعشية، وتحميل الفضلاء الديمقراطيين الذين كانوا ينادون بالحوار الإسلامي- العلماني مسؤولية التطبيع مع هذا الفكر السلفي المتجاوز.
تسبّب الشيخ بكلامه عن إحياء تراثٍ مات وانقضى في إحراجٍ شديد لشباب جماعته الذين حاولوا، منذ انطلاق الربيع العربي، فك الحصار عنها، والتواصل مع اليساريين والمثقفين والحقوقيين، ومحاولة تسويق "العدل والإحسان" حركة إسلامية معتدلة وديمقراطية، تدافع عن الدولة المدنية. لهذا خرجت الوجوه الشابة في الجماعة محاولةً ترميم ما كسره الشيخ بإعادة تأويل كلامه على أنه دعوة لتأسيس كونفدرالية إسلامية، كما الاتحاد الأوروبي.
مشكلة عبادي هي مشكلة آلاف علماء المسلمين اليوم أن عقولهم وقفت عند القرن الأول للإسلام، وأن جلهم يريد أن يحول التاريخ الإسلامي إلى عقيدة دينية، وسياسة السلف إلى وحي رباني، جاعلين من القديم حجةً على الجديد، ومن السلف سلطةً على الخلف، ومن النص باباً موصداً أمام العقل، فلكل قديم شرعية، ولا أصل لكل جديد بالقديم، إما ابن سفاح أو بدعة وضلالة.
.. ليست الخلافة الإسلامية من الدين، بل من شؤون الدنيا، والتديّن مسألة فردية وجماعية، تمارس وسط المجتمع بلا تدخل تقريباً من الدولة الحديثة التي جعلت لنفسها جغرافيةً لا تتعدّاها، ودستوراً لا تتجاوزه، ووظائف تتصل بشؤون الدنيا أكثر مما تتصل بشؤون الدين أو الأديان في البلاد نفسها على قاعدة المواطنة. غاب هذا كله عن الشيخ الذي يبدو أنه يعيش مع السلف، وليس بين مواطنيه في هذا العصر، أو أنه يعارض السلطة في بلده، فيلجأ إلى تاريخ الإسلام، عله يجد سلاحاً يقاوم به حاضر المسلمين... لكن النهاية واحدة، خوف عبادي على الإسلام يقلق راحة المسلمين.
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.