في المغرب.. حملة انتخابية قبل أوانها

09 مارس 2016

حشد انتخابي لمناصرات لحزب العدالة والتنمية في طنجة (سبتمبر/2015/Getty)

+ الخط -
انطلقت الحملة الانتخابية في المغرب مبكراً هذا العام. التاريخ المعلن للانتخابات التشريعية المقبلة هو شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، لكن التسخينات للحملة الانتخابية بدأت من الآن، أو قل بدأت منذ 4 سبتمبر/ أيلول الماضي، تاريخ إجراء الانتخابات البلدية التي لم تفرز لا غالباً ولا مغلوباً.
سيكون العام الحالي عام انتخاباتٍ بامتياز. ولذلك، يجب توقع أن يرتفع منسوب الخطابات السياسية، التي تسعى إلى الحشد والفرز والاصطفاف، وهي قد بدأت فعلاً، في حربٍ كلامية بين أكبر حزبين متنافسين على الساحة السياسية الرسمية، حزب العدالة والتنمية، ذي التوجه الإسلامي الذي يقود الحكومة، وحزب الأصالة والمعاصرة المقرّب من جهاتٍ نافذةٍ داخل المربع الصغير للسلطة في المغرب. فالصراع، هذه المرة، سيكون داخل بيت السلطة وبين أبنائها. ابنها بالرضاعة الذي رعته وغذّته من ضرعها، وابنها بالتبني الشرعي الذي فرضه عليها دستور 2011 ونتائج انتخابات 2011. ومن هنا، صعوبة الحسم وحساسية المنافسة، لأن الانتصار لا يجب أن يكون بالضربة القاضية، والهزيمة كيفما كانت قاسية ينبغي أن تكون تأديبية، وليست إقصائية.
طابع الحملة التي بدأت ملامحها تتبلور من الآن هو الاصطفاف، وليس التنافس. إما معي أو مع خصمي. إذا لم تكن مع "العدالة والتنمية" فأنت بالضرورة ستجد نفسك مع غريمه "الأصالة والمعاصرة"، والعكس صحيح. طبعاً، الحديث هنا عن أتباع الأحزاب الرسمية الموالية والمعارضة الممثلة داخل المؤسسات المنتخبة والرسمية.
ويمكن تجسيد ملامح هذا الاصطفاف في صفين كبيرين. صف حزب العدالة والتنمية قائد الحكومة، وليس بالضرورة قائد أغلبيتها، لأن من بين أحزاب الائتلاف الحكومي من يشارك "العدالة والتنمية" في الحكومة، ويعارضها في الشارع والخطاب والتصريحات. وهذه من بين مفارقات "الاستثناء" الديمقراطي المغربي الذي يصعب إخضاعه لمعايير العلوم السياسية، المتعارف عليها كونيا.
أما الصف الآخر فيمثله حزب الأصالة والمعاصرة، قائد المعارضة ضد الحكومة، وفي الوقت نفسه المقرّب من جهات نافذة داخل السلطة. وإلى جانبه وخلفه، تصطف أحزابٌ من داخل الائتلاف الحكومي، ومن بين صفوف المعارضة الحكومية.
وصف ثالث بدأ يتبلور، لكنه ما زال ضعيفا، هو صف تحالف أحزابٍ يساريةٍ صغيرة، تعارض
القطبين الرئيسيين داخل الساحة السياسية الرسمية، وتطرح نفسها صاحبة مشروع طريق ثالث ضد ما تسميه الأصوليتان، "المخزنية"، أي المسنودة من السلطة المركزية في المغرب، و"الإسلامية" التي يجسدها في نظرها حزب العدالة والتنمية، قائد الحكومة الحالية.
وخارج هذا الاصطفاف الذي يقسم الساحة السياسية الرسمية إلى ثلاث اتجاهات كبرى، توجد أغلبية صامتة كبيرة، مشتتة ما بين أنصار "العدل والإحسان" (أكبر جماعة إسلامية معارضة للسلطة في المغرب)، وأتباع أحزاب يسارية راديكالية، وأخرى إسلامية صغيرة غير معترف بها، وما بين اتجاهات "سلفية" متحولة كل مرة تدين بولائها لجهة معينة، وتعبيرات اجتماعية غير مؤطرة، وبدون أهداف سياسية واضحة، وفئات مهمشة منسية، تستعملها السلطة خزاناتٍ انتخابية احتياطية، تغرف منها لترجيح صف أحزابها، وتلجأ إليها كل التيارات المستقلة، أو الخارجة عن سيطرة السلطة، سواء للتعبئة أو التأجيج أو التجنيد، كل حسب أهدافه وتوجهاته.
والغائب الكبير عن هذه الحملة، التي انطلقت قبل أوانها، هو البرامج السياسية التي لا يكاد المتتبع للشأن السياسي المغربي يجد لها أي أثر في الخطابات السياسية التي ينتجها، أو يعرضها، الفاعلون السياسيون، سواء من داخل اللعبة السياسية أو من خارجها.
فالمعروض على أدراج سوق اللعبة السياسية يضع صاحب الاختيار أمام عرضين سياسيين. عرض "العدالة والتنمية" الذي يقوم على خطابٍ سياسيٍّ مفاده بأنه صاحب مشروع لمحاربة "التحكم" الذي يمثله في نظره حزب الأصالة والمعاصرة، ومن يجاريه من أحزاب داخل الساحة السياسية الرسمية. وعرض "الأصالة والمعاصرة" الذي يطرح نفسه خصماً عنيداً في وجه ما يسميها "أسلمة" الدولة والمجتمع التي يسعى إليها غريمه "العدالة والتنمية"، مستعملا كل الطرق والوسائل الشرعية وغير الشرعية.
وكلا العرضين يخوفان صاحب الاختيار من "الهيمنة"، بمفهومها الواسع. فمن جهةٍ، هناك من يحذّر من هيمنة "سلطة التحكم". وفي المقابل، هناك من يحذر من هيمنة "الأسلمة"، والنتيجة أن العرضين يربكان الاختيار، إن لم يؤديا إلى التنفير من المشاركة فيه. وقد حصل هذا في آخر انتخاباتٍ شهدها المغرب في 4 سبتمير/ أيلول الماضي، التي شارك فيها نحو سبعة ملايين ناخب من بين 14 مليون مسجل في لوائح الانتخابات. وإذا ما احتسبنا نحو مليون صوت أبيض، عن خطأ أو عن قناعة، فإن عدد المشاركين في اللعبة السياسية في المغرب لا يتعدون سدس سكان المغرب، البالغ عددهم حسب آخر إحصاء رسمي 33 مليون نسمة.
أما الأسداس الخمس المقاطعة، أو غير المهتمة، أو فقط المهمشة والمنسية.. أي الأغلبية الصامتة، فما زالت هنا ولم تتبخر في الطبيعة. ويبدو، حتى الآن، أنها ما زالت لا تجد ما يغريها في العروض السياسية المقدمة لها. وفي انتظار الاستحقاق المقبل، يجب توقع مزيد من التنافس الحاد، مع استعمال كل الوسائل، المشروعة منها وغير المشروعة، من أجل تأجيج حرب الاصطفاف التي بدأت، حتى قبل أن تنطبق الحملة الانتخابية.

D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).