معارك ترامب وكلينتون

05 مارس 2016

هيلاري كلينتون ودونالد ترامب

+ الخط -
هو زمن الشعبويين عالمياً. هكذا تبدو الأمور. لم يعد غريباً رؤية الأرقام العالية لدونالد ترامب، الساعي إلى كسب ترشيح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأميركية. القاعدة الجمهورية تؤيده، مهما صرخ البارزان في الحزب، جون ماكين وميت رومني. يُمثل ترامب نموذجاً فاقعاً لأميركا الحقيقية التي حاول كثر إخفاءها، تارة بالعصري بيل كلينتون وطوراً بالآتي من صفوف الأقليات باراك أوباما، وبينهما المتهور جورج بوش الابن. وقد سجّلت جولة "الثلاثاء الكبير"، حين جرت الانتخابات في أكثر من عشر ولايات، تفوّقاً واضحاً لترامب على الجميع، ليستعدّ لمنازلة الساعية إلى كسب ترشيح الحزب الديمقراطي، هيلاري كلينتون، حتى الآن، ما لم تحصل مفاجآت "اللحظة الأخيرة"، وتتبدّل معها بورصة التسميات الحزبية في المعسكرين.
ليس ترامب سوى المرآة الأنقى لأقصى تجليات المفهوم الاستهلاكي الأميركي. يشبه الرجل الصورة النمطية عن الأميركيين الذين يمضون يومهم ما بين "الدوناتس" والوجبات السريعة وحضور مباريات البيسبول، في ظلّ نظام اقتصادي يُكرّس مبدأ "الحلم الأميركي" وفقاً لهذه الأسس، مع فارق بسيط، هو أن ترامب أكثر ثراءً من أكثريتهم الساحقة. "القيمة المُضافة" لترامب أمام أقرانه تكمن في عدم تصرّفه بصورةٍ معاكسةٍ لواقع ترسَّخ في الوعي الجماعي الأميركي، حول "الرئيس أو المرشح الذي يتقيّد بالبروتوكول"، والذي يبدو، في أغلب الأحيان، ممثلاً فاشلاً: يلمع، في البداية، ثم يُصبح أضحوكةً لكثيرين بمجرّد "تحطيم الهالة المنصوبة حوله". لا يتصنّع ترامب الاحترام الزائد، أو يتلبّس أدبيات القرون الوسطى الفرنسية الكلاسيكية، بقدر ما أنه ينقل معه إلى الواجهة الإعلامية الكبرى كل تجليات الفرد الأميركي النمطي الاستهلاكي. يظهر ذلك في كلامه وتصرّفاته ونوعية اللغة المُستخدمة.
في مواجهة ترامب، من المفترض أن تكون هيلاري كلينتون مسرورةً، فأمام أي شخص غيره كانت حظوظها ستكون شبه معدومة. تبدو هيلاري، في بعض الأحيان، من "المفروضين" على الحزب، لا من المحبوبين فيه. بالتالي، الأرقام الجيدة التي يحصدها منافسها بيرني ساندرز متأتية من أمرين: الأول، بدء التغيّر الداخلي لدى الديمقراطيين، الشباب منهم تحديداً، الذين ينحون أكثر نحو مفهوم العدالة الاجتماعية التي أرساها أوباما في نظام الرعاية الصحية (2009)، مع تكريس ذلك بتحوّل ساندرز إلى واجهة فعلية لهذا التغيير. الثاني، أن كلينتون بالذات ليست شخصاً ذا مصداقية عالية، منذ ستينيات القرن الماضي، من تحوّلها من رئاسة خلية الحزب الجمهوري في معهد ويلسلي، حيث كانت تدرس العلوم السياسية، إلى قضية الاعتداء على السفارة الأميركية في بنغازي الليبية (2012)، حين كانت وزيرة للخارجية، والضجيج الإعلامي والسياسي الذي رافقها في مداولات الكونغرس.
ما بعد "الثلاثاء الكبير" غير ما قبله، من المفترض أن يبدأ ترامب وكلينتون عملياً التجهيز لحربهما الخاصة في 8 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، حين يتواجهان على المعركة النهائية قبل ولوج البيت الأبيض. من المفترض، أيضاً، أن تزداد الملفات سخونة، وتؤدي "الفضائح" عملها، مع استنباط ملفات الماضي. وقد يحتاج ترامب، تحديداً، إلى التصالح مع فئة مهمةٍ من المجتمع الأميركي، في حال أعاد النظر بتصريحاته حول الحدود مع المكسيك، واختيار أميركي من أصل لاتيني نائباً له في العهد الآتي، أو وزيراً للخارجية، لضمان أصوات الهيسبانيك. في هذه الحالة، من المرجّح ألا ينتهي مسار تيد كروز أو ماركو روبيو، منافسي ترامب الجمهوريين، بهذه السهولة، وقد يتحالف أحدهما مع ترامب، في تكرارٍ لسابقة هيلاري بالذات مع أوباما، حين تواجها بعنف في المعسكر الديمقراطي في 2008، قبل أن تخسر كلينتون أمام ابن ايلينوي، وتؤيده في معركته الأخيرة مع الجمهوري، جون ماكين.
أميركا الآن واقعة بين ترامب وكلينتون بنسبة كبيرة، إلا أنه، في العهود التالية، سيتسع أثر ساندرز أكثر، وستكون أميركا أكثر اختلافاً مع ماضيها، وأكثر انسجاماً في تنوّعها.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".