التقارب الخليجي الإثيوبي

26 ديسمبر 2016
+ الخط -
تبدو الدبلوماسية الإثيوبية النشطة هذه الأيام في أفضل أحوالها، فقد استقبلت العاصمة أديس أبابا، الأسبوع الماضي، وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وقبله كان وفد سعودي برئاسة المستشار في الديوان الملكي، أحمد الخطيب، حلّ ضيفاً على عاصمة الاتحاد الإفريقي.
العلاقات الإثيوبية الخليجية قديمة، فهناك استثمارات خليجية ضخمة في البلد المعروف بحضارته القديمة الراسخة، إذ تحتل السعودية المركز الثالث عالمياً من حيث الاستثمار لدى إثيوبيا برأس مال يقدر بنحو 13 مليار دولار. وتحظى الاستثمارات السعـودية بتقديـر واهتمام كبيرين من الحكومة الإثيوبية، بوصفها أكبر استثمارات أجنبيـة مباشـرة، تلعب دوراً محورياً في الجهود الإنمائية والعمرانية التي تشهدها البلاد، إلى جانب تشغيلها أعداداً مقدّرة من العمالة الوطنية. فيما تبلغ الاستثمارات الإماراتية في إثيوبيا حوالي 3.3 مليار دولار، وتتركز في مشروعات سياحية وقطاع الفندقة والإنشاءات، وفقاً لصحيفة "العلم" الإثيوبية. كذلك تتجلى علاقات أديس أبابا مع دول الخليج في وجود أعداد كبيرة من العمالة الإثيوبية بدول الخليج العربي، تلعب (العمالة) دوراً في الانتعاش الاقتصادي للدولة، نسبة للتحويلات المالية التي يقوم بها المغتربين، كما أن لهذه العمالة فضلٌ في تعزيز التواصل الثقافي والإنساني بين الخليج وإثيوبيا.
وكانت زيارتا الوفدين، القطري والإثيوبي، محط أنظار أجهزة الإعلام الإقليمية والدولية، ربما لتوقيت زيارة المستشار في الديوان الملكي السعودي في وقت تشهد فيه العلاقات السعودية المصرية توتراً ملحوظاً. إذ كان لافتاً أنّ وسائل الإعلام المصرية شنّت هجوماً عنيفاً على السعودية، بعدما نشرت وكالات الأنباء وبعض الصحف، صوراً للوفد السعودي وهو يتفقد سد النهضة الإثيوبي الذي تتخوّف منه مصر، وتعتقد أنّه سيؤثر سلباً على حصتها من مياه نهر النيل. بالقدر نفسه، تابعت وسائل الإعلام زيارة الوزير القطري إلى أديس أبابا.
أوساط سياسية وبرلمانية مصرية اعتبرت زيارة الوفدين، القطري والسعودي، "مكيدة سياسية"، تأتي في إطار التآمر على مصر، فيما قالت الحكومة الإثيوبية إنّ زيارة مستشار ملك السعودية لإثيوبيا واجتماعه برئيس الوزراء وعدد من كبار المسؤولين هي للاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة للتعاون بين البلدين في مجال الطاقة، حيث دعا رئيس الوزراء الإثيوبي، المسؤولين السعوديين إلى دعم سد النهضة، والاستثمار في إثيوبيا، وفوق ذلك الاتفاق على مشاركة المستثمرين السعوديين في مجالات الاستثمار المختلفة. أما زيارة وزير الخارجية القطري التي جاءت بعد توتر شهدته العلاقات الإثيوبية القطرية، فقد خلصت إلى توقيع 11 إتفاقية تعاون في قطاعات السياحة والاستثمار والبنية التحتية، ودعم التقارب بين رجال الأعمال والمال في البلدين.
الإعلام المصري معروف أنه مُوجَّه، يُعبِّر عن النظام الحاكم. ولذلك، لا يمكن أن تكون الحملة التي يشنها على السعودية وقطر بمعزل عن تعليمات الأجهزة السيادية والأمنية أو موافقة منها على أقل تقدير، إلا أنّ المُحيّر أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وقَّع على اتفاق المبادئ بين الدول الثلاث، إثيوبيا والسودان ومصر، الذي استضافته الخرطوم عام 2015، وبموجبه وافقت مصر على قيام سد النهضة، على الرغم من ذلك، تشن وسائل الإعلام المصرية هجوماً على إثيوبيا وكل ما يتعلق بسد النهضة.. إذ تُروّج صحف وفضائيات مصرية أنّ السد مموّل بواسطة إسرائيل، وأحياناً تقول إن السعودية وقطر وتركيا تموّل السد، في حين إنّ سد النهضة مموّل من صناديق وسندات حكومية إثيوبية، شارك فيها الشعب الإثيوبي بفئاته كافة، مغتربين وعمال ومزارعين وغيرهم.
على دول الخليج وكافة الدول العربية والإسلامية أن تشجع الجهات المختصة لديها، ورجال الأعمال إلى استثمار أموالهم في إثيوبيا التي توفر بيئة خصبة، وامتيازات يحلم بها كل مستثمر، فهي ثالث أكبـر دولة في إفريقيا جنوب الصحراء، من حيث المساحة والسكان والأهميـة الاقتصادية، بجانب استضافتها مقـر منظمة الإتحاد الإفريقي، ومقـر اللجنـة الاقتصادية الإفريقية التابعة لـلأمم المتحدة، فضلاً عن أنها بلد آمن لم يشهد اضطرابات خطيرة إلا من أحداث عنف محدودة وقعت قبل أشهر وتمكنت السلطات من احتوائها في وقت قياسي.
أخيراً، من شأن استثمارات الدول الخليجية إبعاد الدور الإسرائيلي المتنامي الذي يسعى إلى إيجاد موطئ قدم في القارة الإفريقية، ظهر ذلك واضحاً في جولة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى دول إفريقية (بينها إثيوبيا) قبل أشهر. زيادة على ذلك، يؤدي الاحتفاظ بعلاقات راسخة مع إثيوبيا إلى تحقيق مزيد من التقارب والتفاهم لضمان أمن دول الخليج ومصالحها الحيـوية في المنطقة.
71F29908-DD1C-4C71-A77C-041E103F4213
71F29908-DD1C-4C71-A77C-041E103F4213
محمد مصطفى جامع
كاتب سوداني.
محمد مصطفى جامع