لبنان.. الربيع البارد

17 ديسمبر 2016
+ الخط -
خلف "سورية المفيدة"، الممتدة من الجولان إلى الشمال الحلبي، وما بينهما من دمشق وحمص وحماة والساحل السوري، وفق مفهوم النظام السوري، يقع لبنان. "خاصرة سورية الضعيفة"، بحسب أدبيات حزب البعث منذ وصوله إلى السلطة في ستينيات القرن الماضي، لن يبقى في منأىً عن كل التطورات الأخيرة في سورية، بعد إسقاط حلب. اتضح الدور الذي سيؤديه وطن الـ10452 كيلومتراً مربّعاً، في مقابلة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، لصحيفة الوطن السورية، الأسبوع الماضي. قال الرجل ما يُمكن تسميته بـ "جدول أعمال" محدّد وجليّ.
رأى الأسد أن "البنية الاجتماعية للمجتمع السوري أصبحت أكثر صفاءً من قبل الحرب، قبل الحرب كانت هناك شوائب طائفية وعرقية تنتشر بشكل خفي في عمق المجتمع، أما الآن فهذا المجتمع أصبح أكثر صفاءً لأن الأمور اتضحت له". بصريح العبارة يؤكد أنه "لا يريد عودة اللاجئين إلى بلادهم". بالتالي، على لبنان التعامل مع لجوء أكثر من مليون ونصف مواطن سوري بمفرده، في غياب أي مساعدةٍ مؤثرةٍ من المجتمع الدولي. وإذا كانت تركيا والأردن، وهما دولتا جوار، استقبلتا ملايين السوريين، إلا أن وجودهما الجغرافي خارج حيّز "سورية المفيدة"، لا يجعلهما "أهدافاً مستقبلية".
لا يمكن العبور عن مسألة "الصفاء" مرور الكرام، بل تلخّص مساراً سيسلكه لبنان في وقتٍ قريب، ذلك، لأن الأسد بنفسه، وفي المقابلة عينها، علّق على انتخاب الرئيس اللبناني ميشال عون، بالقول: "الأهم من ذلك (أي انتخاب عون) عندما يكون هناك شخص، كالعماد ميشال عون، يعرف خطر الإرهاب حول لبنان على اللبنانيين، فهذا أيضاً سيكون انتصاراً للبنان وانتصاراً لسورية، خصوصاً عندما يعرف هذا الرئيس بأنه لا يمكن للبنان أن يكون بمنأىً عن الحرائق التي تشتعل حوله، ويتبنّى سياسة اللاسياسة أو ما سميت سياسة النأي بالنفس".
يكشف الأسد ما يريد بصورة محدّدة: تأمين "ظهر سورية المفيدة"، وعدم السماح بعودة اللاجئين السوريين مجدّداً إلى بلادهم، ما قد يؤدي، بطريقةٍ أو بأخرى، إلى إخراج غير الموالين للنظام السوري من لبنان، ولو بالقوة، إلى أوروبا والعالم. ذلك، لأن مجرّد وجودهم على تخوم هذه الـ"سورية"، مشابه، إلى حدّ ما، لوجود أندادهم في قرى الغوطتين الشرقية والغربية وبلداتهما على أطراف دمشق.
فضلاً عن ذلك، ستعتمد "إعادة إعمار" سورية بحراً على مرافئ الساحل السوري، بالنسبة لحمص وحماة وحلب في الشمال، والمرافئ اللبنانية، بيروت تحديداً، بالنسبة لدمشق وجوارها. بالطبع، لا يريد النظام أن يكون أمن تلك المناطق في أيدي "غير الحلفاء". ما يزيد من حجم الضغوط التي سيعاني منها لبنان في الأشهر المقبلة.
هذا ما يريده الأسد، ماذا عن لبنان؟ فعلياً، لا قدرة للبلاد على تجنّب مصيرها، لسببين. الأول، أن مشاركة أطراف لبنانية في القتال السوري، سواء حزب الله بشكل أساسي أو غيره بشكل إفرادي في فصائل المعارضة، زخّم أرضية الخلاف الداخلي، على الرغم من تفاوت توازن القوى. السبب الثاني إن بلداً كلبنان غير قادر على معالجة ملف النفايات، كيف يمكن له تحمّل ملف سياسي ـ اجتماعي ـ اقتصادي بهذه الضخامة، من دون التورّط في انقسام عامودي وأفقي قد يطيح الاستقرار الهشّ الذي "يتمتع" به لبنان.
ماذا يعني هذا؟ يعني أنه مهما كان الذي ستفعله الحكومة اللبنانية بعد تشكيلها، سواء بإقرار قانون انتخابات "مثالي"، أو بوضع جدول أعمال كامل متكامل، إلا أنها ستبقى محكومة بتداعيات الملف السوري، وتورّط البلاد فيه. بالتالي، فإن الحلول الاجتماعية والاقتصادية لن تجد مكاناً لها في لبنان، طالما ألا نهاية قريبة للوضع السوري. وكل الأحاديث عن استثمارات واقتصاد متطور يقف على قاعدةٍ واحدة: مدى تجاوب لبنان، طوعاً أو قسراً، مع ما يطرحه الأسد، فتختار البلاد الصدام مع الأسد أو الصدام مع خصومه.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".