في دلالات فوز الإسلاميين المغاربة

13 أكتوبر 2016

حاز "العدالة والتنمية" ثقة الطبقة المغربية الوسطى (7/10/2016/الأناضول)

+ الخط -
فاز الإسلاميون، للمرة الثانية، على التوالي في الانتخابات التشريعية التي عرفها المغرب يوم 7 أكتوبر/ تشرين الثاني الجاري، ورفع حزب العدالة والتنمية مقاعده في مجلس النواب إلى 125 مقعدا، أي بزيادة 18 عن انتخابات عام 2011، بعد أن صوّت عليه زهـاء 1.8 مليون ناخب. حدثٌ لا ينبغي الاستهانة به، إذا ما وضعناه في سياقه الإقليمي، بعد الانتكاسة المدوية التي منيت بها معظم ثورات الربيع العربي، ما يعزّز تميز الحالة المغربية في هذا المحيط المضطرب، ويحولها، على ما يبدو، إلى نموذج نجح في المزاوجة بين الإصلاح الهادئ والمتدرّج والحد الأدنى من الاستقرار الاجتماعي، من دون أن يعني ذلك أن المغرب بات قاب قوسين أو أدنى من إنجاز التحوّل الديمقراطي المطلوب.
استطاع الحزب أن يحوز ثقة فئات واسعة من الطبقة الوسطى، في معظم الحواضر والمدن الكبرى، ولعل المفارقة الجديرة بالانتباه أنه على الرغم من المنجز الاجتماعي والاقتصادي المتواضع لحكومة عبد الإله بنكيران، لا سيما فيما يتعلق بخطتها لإصلاح صناديق التقاعد التي لقيت رفضا شعبياً واسعا، على الرغم من ذلك، حاز الإسلاميون ثقة جزءٍ كبير من الكتلة الناخبة. وفي ذلك، على الأرجح، رسالة دالة للسلطة والطبقة السياسية التقليدية ومواقع مقاومة التغيير، فالتضييق على هؤلاء، ومحاصرتهم بشتى الوسائل، وعرقلة أدائهم الحكومي، وتأليب الرأي العام ضدهم، أفضى إلى نتيجةٍ عكسيةٍ وحول خطاب المظلومية السياسية إلى أحد موارد حملتهم الانتخابية، الأمر الذي أسهم، بشكل كبير، في تحقيقهم هذا الفوز.
في السياق نفسه، عزّزت هذه الانتخابات واقع القطبية بين حزبي العدالة والتنمية وغريمه الأصالة والمعاصرة القريب من السلطة، والذي حلّ ثانيا ب 103 مقاعد، في صعود انتخابيٍّ لافت، يثير أكثر من سؤال. وإذا كانت هذه القطبية لا تنهض على تباينٍ واضحٍ ومنطقي في القاعدة السوسيو مهنية للهيئة الناخبة للحزبين، ولا في المرجعية الإيديولوجية والأفكار والبرامج التي يفترض أنها تشكل عصب تصورهما جوهر السياسات العمومية، إلا أنها تؤشّر على تغيير يلوح في الأفق، فيما يخص الفاعلين وأدوارهم داخل الحقل الحزبي، ما يعني أن أحزاباً كثيرة ستجد نفسها غير قادرةٍ على مجاراة الوضع الجديد، والتكيف مع تموجاته، وخصوصاً الأحزاب الكبرى المنحدرة من الحركة الوطنية، فقد أكّدت نتائج هذا الاقتراع تراجعها الكبير، وعجزها عن ملاحقة المتغيرات الحاصلة في المجتمع.
وبالإمكان القول إن تراجع تأثير القيادات التاريخية على أداء هذه الأحزاب بات يلقي بظلاله
على واقعها ومستقبلها، بسبب افتقادها بدائل سياسية وثقافية جديدة، تخولها تعويض هذه القيادات بديمقراطية داخلية فعالة ومنتجة، تعيد بناء علاقتها بالطبقة الوسطى التي شكلت، فيما مضى، أهم مرتكزاتها الاجتماعية والسياسية. أما الأحزاب التي نشأت وترعرعت في أحضان السلطة على امتداد العقود الأربعة الأخيرة، فمعظمها نفدت صلاحيتها، وبات وجودها وأداؤها مُكلفين على المدى البعيد، ولا يبدو أنها قادرةٌ على تجاوز أفقها السياسي الضيق، المسنود بثقافة الريع والزبونية والمحاصصة في الامتيازات التي يوفرها الاشتغال بالسياسة.
وفي سياقٍ ذي صلة، أعادت هذه الانتخابات إلى الواجهة ظاهرة العزوف السياسي داخل أوساط وشرائح واسعة من المجتمع المغربي، وأصبحت، فعلا، بحاجةٍ إلى تدخل معرفي متعدّد التخصصات، لمعرفة أسبابها ومآلاتها المحتملة على الحياة السياسية والاجتماعية. ويزداد الأمر استفحالاً مع تآكل فعالية خطاب النخب السياسية التقليدية، على اختلاف مكوناتها، ونزوع السلطة، من خلال وزارة الداخلية، نحو ما يمكن تسميته ''التحكّم الناعم'' في الحقل الانتخابي، سواء على مستوى التقطيع الترابي للدوائر، أو نمط الاقتراع الذي يساعد على تشتيت الأصوات، أو الضبط العددي للكتلة الناخبة في الحواضر والمدن الكبرى. ولعل إيكال أمر تنظيم الانتخابات، محلية كانت أم تشريعية، إلى هيئة مستقلة، كما هو معمول به في دولٍ كثيرة، من شأنه أن يعطي بعض المصداقية لدى الرأي العام، ويعزّز ثقته في مؤسسات الدولة المنتخبة.
الآن، وبعد أن جدّد الملك محمد السادس ثقته في حزب العدالة والتنمية بتكليفه عبد الإله بنكيران بتشكيل حكومةٍ جديدةٍ، حسب مقتضيات الدستور المغربي، يمكن القول إن ذلك لا يدفع فقط بالانفتاح السياسي النسبي الذي يعرفه المغرب خطواتٍ أخرى إلى الأمام، بل يؤكد، على ما يبدو، أن السلطة استوعبت جيداً رسالة يوم 7 أكتوبر، وأدركت أن أي ''محاولـة''، قانونيةً كانت أو سياسية، للالتفاف على فوز الإسلاميين، سيكون مكلفا للغاية، بالنسبة لاستقرار البلاد وصورتها في الخارج، خصوصاً في ظل ما تعرفه المنطقة من أحداثٍ مأساوية تفكّك معها النسيج الأهلي والاجتماعي لأكثر من بلد عربي. من هنا، فقيادةُ هؤلاء ولايةً حكوميةً ثانية تبدو بمثابة رسالة غير مباشرة إلى النخب السياسية العربية، بمختلف أطيافها، بأهمية الأخذ بالتدرّج والهدوء في الإصلاحات، وتجنب التصلب الفكري والسياسي والخيارات الراديكالية المكلفة.
في ضوء ذلك، يمكن القول إن ترك النخب الإسلامية تخوض تجربة ممارسة السلطة والعمل العام، وتنخرط في معترك الصراع الاجتماعي والسياسي السلمي والمؤسساتي، كفيلٌ بوضع منطلقـاتها المرجعية وأفكارها وخياراتها في السياسة والاجتماع على محك الاختبار.