رئيس لا سلطان

10 يونيو 2015

أردوغان مشاركا في الحملة الانتخابية لحزبه (5يونيو/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -
خسر رجب طيب أردوغان وحزبه الأغلبية المطلقة، لأول مرة بعد 13 عاماً في الحكم، لكن الديمقراطية التركية ربحت. خسر حزب العدالة والتنمية حوالي مليوني صوت في انتخابات الأحد الماضي، لكن تركيا كسبت نظاماً ديمقراطياً لم يعد مهدداً بتدخل العسكر لإجهاضه، بعد أن روضت الحكومات الثلاث المتعاقبة مؤسسة الجيش، وجعلتها تقبل بأصول اللعبة، وتقتنع بأن السياسة شغل السياسيين، وأن الاقتصاد في السوق الحرة، وأن السلاح آلة تحمي الأوطان، وتخضع للشرعية المنبثقة عن إرادة الأمة. 
يبدو أن الناخب التركي تصرف بذكاء كبير أمام صندوق الاقتراع، يوم الأحد الماضي، كافأ الحزب الذي قاد تركيا إلى تقدم اقتصادي واجتماعي كبير، وأعطاه المرتبة الأولى بـ 255 مقعداً من أصل 550، لكنه لم يعط لأردوغان شيكاً على بياض، حتى لا يتحول من رئيس إلى سلطان، من منتخب إلى زعيم متسلط، من رئيس في نظام برلماني بسلطات محدودة إلى حاكم في نظام رئاسي على الطريقة الأميركية أو الفرنسية، وهذا هو ذكاء الشعوب الحية، تعرف كيف تتبع قادتها على طريق النجاح، لكنها، في الوقت المناسب، تعرف كيف توقفهم عند حدود معينة.
في المجتمعات التقليدية، كان رجل السياسة سيد حرب، ثم تحول إلى كاهن، ثم أصبح ملكاً، ثم انتهى، في أيامنا هذه، إلى مجرد منتخب. كان رجل السياسة مقاتلاً، ثم مبشراً، ثم مالكاً. الآن، هو منتخب في مهمة محددة في الزمان والمكان، وظيفته إدارة السلطة والثروة لفائدة المجتمع، وحماية النظام ومبادئ المساواة ودولة القانون وحقوق الإنسان وحق كل مواطن في الأكل والشرب والنوم والشغل والسفر والتعليم والعيش في سلام.
هذا هو رجل السياسة اليوم، وظيفته إدارة المخاطر المحيطة بالمجتمع، والتقليل منها إلى الحدود الدنيا، وهنا يتنافس المتنافسون أمام صناديق الاقتراع التي لا تعطي لأحد شيكاً على بياض، ولا تنصب حاكماً، كان من كان، سلطاناً أو قديساً أو مبشراً، أو حتى زعيماً.
هذه واحدة من الحقائق التي غابت عن السيد رجب طيب أردوغان، وهو يسعى إلى تغيير طابع الجمهورية التي أسسها الأب أتاتورك. اغتر ابن حارة قاسم باشا بالنصر الكبير الذي حققه في انتخابات كثيرة، فاز بها عن جدارة واستحقاق، وتصور أن طموح تركيا إلى أن تصير قوة كبرى يمر بالضرورة عبر جمع كل السلطات بين يديه، باعتباره صاحب البوصلة الوحيدة التي تؤشر على اتجاه النمو والتقدم.
السبب الثاني وراء تراجع قوة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الماضية هو خسارة أصوات الأكراد الذين تمكنوا من دخول البرلمان في قائمة وطنية، واستطاعوا اجتياز عتبة العشرة في المائة الموضوعة عتبة لولوج قبة التشريع، لو لم يحصلوا على هذه النسبة، لكانت أصواتهم ذهبت إلى الحزب الأول، لكن الأكراد، هذه المرة، عبروا إلى البرلمان، وهم في غالبيتهم ليسوا على ود مع أردوغان، على الرغم من أنه قاد مصالحة كبيرة مع زعمائهم، خصوصاً حزب العمال الكردستاني الذي يقوده من السجن عبدالله أوجلان. تقول القاعدة في الديمقراطية إن الإصلاحات التي يقوم بها أي حزب لا تعني أنه سيقبض ثمنها مباشرة من صندوق الاقتراع، فقد نجح زعماء كبار في خوض حروب كبرى، ثم عاقبهم الناخب بإحالتهم على التقاعد المبكر، ديغول وتشرتشل، وهناك غيرهما.
على أردوغان وحزبه أن يدخلا، الآن، إلى قاموسهما السياسي كلمة (الحكومة الائتلافية)، وأن يبحثا عن توافقات مع الأحزاب الأخرى، وأن يصرفا النظر عن مشروع تغيير الطابع البرلماني للنظام، وأن يفتحا عينهما على المخاطر المحيطة بأنقرة، ونموذجها الذي لا يعجب الغرب، ولا يرضي الديكتاتوريات العربية.
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.