النظام السوري وداعش إلى الأقليات

01 يونيو 2015
+ الخط -
بسقوط تدمر بيده، بات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يسيطر على نصف الأراضي السورية تقريبا. وبقراءة سريعة لخريطة تحركاته، ندرك تماما أن اهتمامه في المرحلة الماضية كان منصبا على مناطق الثروات الطبيعية، من نفط وغاز ومعادن وأراض زراعية. تلك المناطق تشكل نصف الخريطة السورية، بينما تتركز الكثافة السكانية في النصف الآخر الموزع حالياً بين النظام والمعارضة. 
وبرسم الخريطة الجغرافية لمناطق التنظيم، ندرك، أيضاً، أنه بات على حدود المناطق السكانية على طول الخط الواصل من درعا والسويداء جنوباً إلى حلب شمالاً، ما يثير مخاوف حقيقية عند محاولة تكهن الهدف المقبل لداعش. ومجرد احتمال أن يكون هذا الهدف هو إحدى مناطق (السويداء والسلمية)، قلب معطيات كثيرة على الأرض في هاتين المنطقتين، واللتين لا زالتا تحت السيطرة الأمنية والعسكرية للنظام.
تشترك المنطقتان في وجود معارضة علنية خجولة للنظام، وأكثرية صامتة لم تدعم الثورة صراحة، لكنها لم تدعم النظام أيضا، وكذلك تشتركان في وجود شبيحة للنظام، انضم معظمهم في ما يسمى اللجان الشعبية. وقد سعى النظام في المنطقتين إلى تفعيل الحس الطائفي، وإحداث فتن متنوعة من الجوار، ما ساعد فعلا في تشكيل فصائل مسلحة على أسس طائفية محضة، غض النظام الطرف عنها في الفترة الماضية، بل وساهم في انتشارها مع قمعه العنيف لشخصيات المعارضة الوطنية وتهميش تأثيرهم في المحيط تدريجياً.
ومع ظهور خطر داعش حاليا، باتت المنطقتان ترزحان تحت ضغط تهديد حقيقي جديد، ما فعّل حالة الالتفاف الطائفي اللاواعي، والذي يخدم أول ما يخدم نظام الأسد. فبدأت تظهر في الأيام القليلة الماضية، بعد سقوط تدمر، دعوات لتشكيل ما يشبه الفصائل العسكرية وتسليحها من أي جهة كانت، حتى ولو تمثلت بالنظام.
تلك الدعوات مبنية على غريزة القطيع الطائفي، ما يغيّب البعد الوطني تماما، لتظهر على السطح، وفي العلن المطلق المرغوب من النظام، مخاوف الأقليات التي ستخرجهم تماما هذه المرة من عباءة الثورة.
ربما لم تعد ورقة الأقليات بالأهمية نفسها التي لعب عليها النظام خلال السنوات الماضية، وقد تكون خسارة إحدى هذه المناطق ضربة قاضية له، لكنه الآن لم يعد مستعدا لخسارة مناطق جديدة قد تؤدي إلى تسريع انهياره، وبالتالي، فهو يلعب اليوم بطريقة مختلفة، تتمثل في محاولة الاستفادة من التكتل الشعبي في مناطق الأقليات، والذي سيساعده في رد هجمات داعش المحتملة.
ظهر خلال الأيام الماضية، وبشكل متواز في السويداء والسلمية، سعي النظام الحثيث إلى إعادة هيكلة فصائله الموالية، وجمعها في فصيل واحد يستقطب الشباب في المنطقتين، خصوصاً أولئك الذين رفضوا الالتحاق بالخدمة العسكرية أو الاحتياط، باللعب على وتر استشعار خطر داعش على مناطقهم وأهلهم وأعراضهم. إضافة إلى دعم الفصائل المتشكلة على أساس طائفي، ومنحها هوامش في التحرك، والإعلان عن نفسها، بل محاولة فتح قنوات معها، بهدف التنسيق الذي قد يصل إلى حد التسليح.
ربما يكون المعارضون الوطنيون الحقيقيون في المنطقتين هم وقود هذه اللعبة، فقد وضعوا اليوم أمام خيارات أحسنها مر، نظرا لغياب تشكيلات عسكرية وطنية في مناطقهم، يستطيعون الانضمام إليها، في حال بدأت المعركة مع داعش فعلا.
استطاع النظام، بعد كل هذه السنوات من الثورة، وبعد مئات المحاولات الفاشلة لزج مناطق الأقليات في أتون معارك فرعية طائفية، أن يحصر معارضة المنطقتين في بوتقة الخيارات الصعبة؛ مليشيا النظام من جهة، والمليشيات الطائفية من جهة أخرى. مع استحالة التحرك ضمن الرؤية الوطنية، في وقت تسود فيه مفاهيم الحق المشروع بالدفاع عن النفس، انطلاقا من مفاهيم القطيعية الطائفية التي كرسها النظام ويغذيها وجهه الآخر، تنظيم الدولة الإسلامية.
avata
غالية شاهين

صحافية سورية من أسرة "العربي الجديد"