37 خرقاً في "مذبحة" القضاة في مصر (2/2)

22 مارس 2015

اعتصام قضاة مصريون احتجاجا على بطء الإصلاح الديمقراطي (مارس/2006/أ.ف.ب)

+ الخط -

أصدر مجلس الصلاحية (مجلس محاكمة القضاة) في مصر حكما، في 14 مارس/آذار الجاري، في جلسة غير علنية، وفي غيبة المدعَى عليهم، قضى بإحالة 31 قاضياً من القضاة المتهمين بالتوقيع على بيان رافض لعزل الرئيس المنتخب، محمد مرسي، و10 من تكتل "قضاة من أجل مصر" إلى المعاش. وقد حفلت محاكمة القضاة بامتهانات خطيرة، وتجاوزات مقصودة لأحكام القانون قصداً، وهي أكبر مذبحة للقضاة في تاريخ القضاء المصري ترتكب بيد القضاة، وفي ما يلي القسم الرابع من الأخطاء:

أخطاء مجلس الصلاحية

1ـ رفض المجلس عقد الجلسات علانية، استناداً للمادة 106 من قانون السلطة القضائية التي نصت على أن جلسات المجلس سرية، على الرغم من أن هذه المادة ألغيت بالمادة 187 من الدستور، والذي صدر بعد ذلك القانون، ونصت على أن جلسات المحاكم علانية، إلا إذا رأت المحكمة جعل الجلسات سرية، لاعتبارات تتعلق بالنظام العام أو الآداب، وذلك تطبيقاً لقاعدة أن النص اللاحق عند التعارض يلغي النص السابق. وعلى الرغم من تمسك القضاة بعقد الجلسات علانية ليُسمعوا صوتهم للرأي العام، ومنظمات المجتمع المدني، والمنظمات الحقوقية، ومن يرغب من المواطنين، إلا أن المجلس أصرّ على موقفه، على الرغم من مخالفته القانون.

2ـ عدم استجابة المجلس لسؤال الشهود الذين طلبوا سماع شهادتهم ومناقشتهم في أقوالهم ومنهم ضابطا الأمن الوطني.

3ـ عدم عرض المجلس الأسطوانات المدمجة المحرزة في القضية على القضاة لإبداء ملاحظاتهم عليها.

4ـ عدم مواجهة القضاة بالتدوينات التي أثبتها لإبداء ملاحظاتهم عليها، والتي لم يتبين القضاة كيفية وصولها إلى قاضي التحقيق، وقصرت التحقيقات عن كشف حقيقتها.

5 ـ امتناع المجلس عن إلغاء أمر المنع من السفر، على الرغم من أن النيابة العامة وافقت على إلغاء الأمر، وأثبتت موافقتها بمحضر الجلسة، ما يدل على تعنت المجلس مع القضاة.

6ـ طعن القضاة على محضر تحريات الأمن الوطني في القضيتين بالتزوير، واستندوا إلى أسباب قاطعة، منها:

1ـ أن التحريات أسندت للقاضي محمد أحمد سليمان أن له ابن عم، يدعى رفعت فهمي سليمان، من عناصر الجماعة الإسلامية، وهي واقعة مختلقة، ولا أساس لها من الصحة، لأن القاضي ليس له أبناء عمومة على الإطلاق، طبقا للقيد العائلي المقدم، بل وليس له قريب بهذا الاسم من أي درجة.

2ـ أوردت التحريات أن القاضي أحمد حمدان الخولي قد وافق على البيان، وأنه من العناصر الإخوانية، وقد أنكر القاضي أمام المجلس صلته بالبيان، وقرر أنه كان معاراً وعاد منذ أيام. وقد نفى القاضيان، ناجي دربالة ومحمود محيي الدين، أي صلة للقاضي بالبيان، وقد طلب المجلس تحريات تكميلية، فقدم الضابط نفسه تحريات ينفي فيها ما أثبته في محضره الأول، فأي ثقةٍ، يمكن أن تتوفر بهذه التحريات وشخص مُجريها.

3ـ أوردت التحريات أنه تم رصد مساندة القاضي محمد الخولي لمرشح "الإخوان"، ناصر سالم الحافي، في انتخابات مجلس الشعب عام 2008 في دائرة القناطر الخيرية، وقد أثبت القاضي، بشهادة رسمية، أنه كان معارا حتى عام 2009، ولا صلة له بالمرشح المذكور، أو القناطر الخيرية، حيث إنه من صعيد مصر ويقيم به، ناهيك عن أنه لم تكن هناك انتخابات لمجلس الشعب في 2008 أصلا.

4ـ أوردت التحريات أن القاضي علاء الدين عبد الحافظ كان من العناصر الإخوانية، في أثناء دراسته الجامعية، وأن القاضي محمد الأحمدي مسعود كان من عناصر تنظيم الجهاد في أثناء دراسته الجامعية، والواقعتان تحملان بذاتهما دليل كذبهما، إذ لو كانتا صحيحتين، لما تم تعيينهما في النيابة العامة.

5ـ أثبت محضر التحريات الخاص بقضاة البيان أنه بعد 3 /7 /2013 وقد استشعر الرئيس وقادة الإخوان المسلمين بدأوا في تكثيف الاتصالات السياسية وغير السياسة بالداخل والخارج لدعم موقف التنظيم والموقف القانوني للرئيس، في مواجهة الإرادة الشعبية. وكان من بين الاتصالات السياسية بالداخل الاتصال بقضاة مقربين من الإخوان، والمبارِكين توجهاتهم السياسية، للتباحث فيما بينهم في كيفية صياغة موقف للسادة القضاة، تدعيما للرئيس، ذكر منهم أربعة عشر قاضياً، كان من نتيجة تباحثهم صدور هذا البيان، على الرغم من أن: 1- الرئيس كان مختطفا قبل 7/3 /2013، ويستحيل الاتصال به من قيادات الإخوان أو غيرهم. 2 ـ قيادات الإخوان كانوا بطريق اللزوم العقلي تحت المراقبة الأمنية، على مدار الساعة. 3ـ التحريات لم تحدد أي اتصالات محددة بين الإخوان والقضاة؛ فلم تذكر مَن مِن القيادات اتصل بمن من القضاة، ومتى تم ذلك وأين، والحديث الذي دار بينهما، والنتائج التي توصلوا إليها. 4 ـ القضاة الذين ذكرتهم بالمقربين من الإخوان المسلمين والمبارِكين توجهاتهم الذين من المفروض أن يتولوا الدعوة لتدعيم موقف الرئيس لم يرد من أسمائهم إلا سبعة منهم فقط.

كما تضمن محضر تحريات قضية "قضاة من أجل مصر" عدة أوجه للتزوير، تضمنها تقرير الطعن بالتزوير، منها الزج بأسماء قضاةٍ، لمجرد أنهم أشرفوا على استفتاء دستور 2012، خلافا لدعوة نادي القضاة، أو أصدروا أحكاما ضد أحد مساعدي وزير العدل صديق الزند، أو طلبوا رفع الحصانة عن المستشار أحمد الزند في قضية اتهامه بالاستيلاء على أرض الحمام، أو القاضي الذي حضر تحقيقات قضية بيان القضاة الرافضين الانقلاب على الرئيس المنتخب، وكيلاً عن زملائه.

6ـ قام المجلس بمصادرة حق الدفاع للقضاة، فلم يبدِ أي منهم دفاعه، وهو سلوك فاحش، لا ينمّ إلا عن رغبة محمومة للانتقام من هؤلاء القضاة، تُفقد المجلس صلاحيته، للفصل في الدعويين، ومصادرة الحق في الدفاع جريمة لا تسقط بالتقادم.

7ـ قرار حجز الدعويين للحكم على النحو الذي انتهجه المجلس حال بينهم وتقديم صور من أحكام سابقة لمجالس الصلاحية المختلفة، لتكون تحت بصر المجلس، ليوازن بين جرائم غيرهم، وما آل إليه الحكم فيها، وبين الأكاذيب الملفقة التي حاول الزند ورفاقه إلصاقها بهم، مستعينا بجهات أخرى، من هذه الأحكام الحكم الصادر بشأن القاضي ع. ي. ا. في واقعته التي ارتكب فيها جريمة، تم تسجيل وقائعها، وقررت النيابة حبسه، ثم قضت محكمة الجنايات بسجنه، ثم قضت محكمة النقض بإلغاء الحكم، لعيب في الإجراءات، وتم تقديمه لمجلس مماثل لمجلسكم الذي قضى برفض دعوى الصلاحية، لأنه رأى أن ما نُسب للقاضي لا ينال من صلاحيته لولاية القضاء، وهو جرم لا يقاس بمطالبة القضاة باحترام إرادة الأمة، واحترام اختياراتها، وحقها في الحياة في دولةٍ تخضع لسيادة القانون، وهو الأمر الذي رأيتموه جُرماً لا يغتفر، وجرأة لا تحتمل، وطلباً ينال من صلاحيتهم لولاية القضاء.

8ـ أصدر المجلس حكمه بإحالة 31 قاضيا من قضاة البيان للمعاش، من بينهم 27 قاضياً، على الرغم من أنه لم يصدر بإحالتهم للمجلس قرار صحيح، لأن أربعة منهم نواب رئيس محكمة النقض، وثلاثة رؤساء محكمة استئناف الإسكندرية، ورئيس في كل من محاكم استئناف بني سويف والمنصورة وطنطا، وسبعة عشر قاضيا في المحاكم الابتدائية المختلفة، وجميعهم لم يطلب رؤساء محاكمهم إحالتهم للصلاحية، ومن هؤلاء نحو عشرين قاضيا في منتصف الثلاثين من العمر.

9 ـ كما قضى بإحالة 10 قضاة من "قضاة من أجل مصر"، من بينهم رئيس في محكمة استئناف المنصورة ورئيس في محكمة استئناف طنطا، وقاض عن محكمة الأقصر الابتدائية، وقاض في محكمة شمال القاهرة الابتدائية، وهؤلاء لم يصدر من رؤساء محاكمهم طلبا بإحالتهم للصلاحية، كما أن قرار الإحالة في القضيتين صدر من وزير العدل، بناء على طلب رئيس محكمة استئناف القاهرة، وليس من تلقاء نفسه، ومن ثم يكون قرار الإحالة بالنسبة لهؤلاء جميعا غير صحيح.

10 ـ مما يدل على أن المحكمة لم تحط بالدعويين عن بصر وبصيرة، أنه قضى بإحالة الدكتور أيمن الورداني إلى المعاش في قضية "قضاة من أجل مصر"، على الرغم من سبق الحكم بإحالته للمعاش في قضية أخرى، وصدور قرار جمهوري بذلك، ونشر بالجريدة الرسمية، كما قضى برفض الدعوى بالنسبة للقاضي أحمد الخولي، في قضية البيان، على الرغم من أن المجلس كان قد اتخذ قرارا بعدم السير في الإجراءات بالنسبة له.

11 ـ لم ينطق المجلس بالحكم في جلسة علنية، خلافا للمادة 106 من قانون السلطة القضائية، والمادة 187 من الدستور، واللتين نصتا على وجوب النطق بالحكم في جلسة علنية. علما أن القضاة قد حضروا قبل التاسعة صباحا في مكتبة محكمة النقض، كما اعتادوا منذ بداية المحاكمة في جميع الجلسات السابقة، حيث يرسل المجلس سكرتير الجلسة لإعلام القضاة بانعقاد الجلسة، ولم يحدث ذلك قبل الحادية عشرة صباحا مطلقا.

12ـ أورد الحكم في ديباجته أن وزير العدل قرر بتاريخ 11/23/ 2014 إحالة القضاة الآتي بيانهم، ثم أورد أسماء 56 قاضيا إلى مجلس الصلاحية، للإيحاء بأن القرار صدر من وزير العدل، من تلقاء نفسه، ليشمل جميع المحالين، بينما الصحيح أن القرار صدر من وزير العدل في 21 /10/ 2014 ولم يصدر من تلقاء نفسه، وإنما صدر بناءً على طلب رئيس محكمة استئناف القاهرة، ومن ثم فإن هذه الإحالة لا تشمل 48 قاضيا في محكمة النقض ومحاكم الاستئناف الأخرى، والمحاكم الابتدائية.

13- أورد المجلس في أسباب الحكم أنه بالنسبة لطلب إعادة الدعوى للمرافعة، فإن المجلس يلتفت عنه من دون أن يورد أي أسباب لهذا الالتفات، على الرغم من أنه من المقرر قانونا أن طلب إعادة الدعوى للمرافعة، وإن كان يخضع لتقدير المحكمة، إلا أنه يجب أن يكون الرفض مبرَّرا، وقد صدر هذا القرار من دون أدنى مبرر، فليس هناك مبرر لإعادة الدعوى للمرافعة أقوى من إتاحة الفرصة للمدعَى عليهم، لإبداء دفاعهم، والذي صادره المجلس بقرار حجز الدعويين للحكم في غيبتهم، وكذلك، ليس هناك مبرر أقوى من طلب استكمال إجراءات الطعن بالتزوير، والتي حال المجلس دون استكمالها.

14ـ لم يبين المجلس ملخصا لدفاع المدعى عليهم، ومستنداتهم التي قدموها في فترة حجز الدعويين للحكم، خلافا لما أوجبته المادة 178 /2، والتي نصت على أنه يجب أن يشتمل الحكم على عرض مجمل لوقائع الدعوى، ثم طلبات الخصوم، وخلاصة موجزة لدفوعهم ودفاعهم الجوهري ورأي النيابة، ثم تذكر بعد ذلك أسباب الحكم ومنطوقه، ثم نصت الفقرة 3 من المادة نفسها على أن القصور في أسباب الحكم الواقعية يترتب عليه بطلان الحكم.

15ـ لم يعرض المجلس للدفع بعدم دستورية المادة 106، في فقرتها الأولى من قانون السلطة القضائية التي نصت على أن تكون جلسات المحاكمة التأديبية سرية، والتي دفع القضاة بعدم دستوريتها لتعارضها مع المادة 187 من الدستور، والتي نصت على أن جلسات المحاكم علنية، والتي ألغت مادة قانون السلطة القضائية السابقة عليها.

16 ـ استند المجلس في رفض الدفع ببطلان قرار ندب قاضي التحقيق للقول إن الجمعية العمومية للمحكمة فوّضت رئيس المحكمة في ندب قاضٍ للتحقيق، وهذا الذي ذهب إليه المجلس غير صحيح جملة وتفصيلا، ذلك أن المقرر قانوناً أنه إذا أسند القانون اختصاصا معيناً، فلا يجوز التفويض فيه إلا إذا كان مرخصاً له في ذلك قانونا، ويؤكد عدم صحة ما انتهى إليه المجلس هو صدور القانون 138 لسنة 2014 بتعديل المادة 65 إجراءات جنائية، والتي نصت على حق الجمعية العمومية للمحكمة في تفويض الغير في ندب قاضٍ للتحقيق، ولو كانت المادة قبل التعديل تجيز التفويض لكان التعديل لغوا، وهو ما يتنزه عنه المشرع.

17ـ استند في رفض الدفع بعدم دستورية المادة 106 من قانون السلطة القضائية التي تمنع القضاة من الاستعانة بالمحامين إلى حكم المحكمة الدستورية، في الدعوى 5 لسنة 22 ق الذي قضى "بأن قوام صور التمييز المجافية للدستور هي كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التي كفلها الدستور والقانون، بما يحول دون مباشرتها على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين قانوناً للانتفاع بها"، وهذا الحكم حجة على المجلس، وليست له، فحرمان القضاة من الاستعانة بمحامٍ يشكل تفرقة بين القضاة المدعى عليهم وباقي المدعى عليهم، فضلاً عن مخالفة الحكم المادة 98 من الدستور التي نصت على أن حق الدفاع، أصالة أو بالوكالة، مكفول، وهو ناسخ لنص المادة 106 سالفة البيان التي حرمت القضاة من حق توكيل المحامين.

18ـ قضى المجلس برفض الدفع ببطلان قرار قاضي التحقيق بندب لجنة الإعلام في محكمة النقض، استنادا إلى أن للقاضي حق الاستعانة بأي جهة خبرة، وأنه يطمئن لأعمال اللجنة، وما انتهت إليه من نتائج، في حين أنه لم يصدر قرار من قاضي التحقيق بندب هذه اللجنة، ولم تتضمن التحقيقات أي محاضر من هذه اللجنة، وليس هناك ما يكشف عمّن قدم التدوينات التي قال قاضي التحقيق إن هذه اللجنة قدمتها له وسندها في تقديمها.

19 ـ قرر المجلس الالتفات عن الطعن بتزوير محضر تحريات الأمن الوطني، لأنه غير منتج، قولاً منه إن الطعن بالتزوير مجرد دفاع يخضع لتقدير المحكمة، وإنه تم سؤال الضابط المزور عما أورده بالتحريات، فأدلى بشهادته في هذا الخصوص.

يؤخذ على الحكم أنه لم يبين الأسباب التي استند إليها، في تقريره بأن الطعن غير منتج، على الرغم من الوقائع التي ثبت تزويرها أمامه، وعلى الرغم من المستندات التي قدمها المدعى عليهم.

20 ـ استند المجلس في الحكم بإحالة المدعى عليهم للمعاش لتحريات الأمن الوطني المطعون عليها بالتزوير، والتي انتهى المجلس إلى أن الطعن عليها غير منتج، على الرغم من أن القول إن الطعن غير منتج، يعني أنه يفترض صحة الطعن بتزوير التحريات، ولكن ذلك لن يغير من عقيدة المحكمة، لثبوت ما تضمنته التحريات بأدلة أخرى، ما يعني استبعاد المستند المطعون عليه بالتزوير وعدم جواز الاستناد إليه، الأمر الذي خالفه الحكم.

21ـ خلط الحكم خلطا فاضحا بين إبداء الرأي السياسي والاشتغال بالسياسة، واعتبر أن إبداء الرأي السياسي اشتغال بالسياسة، على الرغم من أن المحظور على القاضي هو الاشتغال بالسياسة فقط، وأن إبداء الرأي، حتى ولو كان سياسياً، هو حق للقاضي بموجب المادة 65 من الدستور والفقرة الثانية من المادة 73 /2 من قانون السلطة القضائية، وقد اعترف الحكم بأن للقاضي أن يبدي رأيه في المسائل القومية كمواطن، ويكون ذلك بصفة عامة من دون ميل إلى ناحية معينة، أو مناصرة حزب دون آخر.

فهل المطالبة في البيان باحترام إرادة الأمة، واحترام نتائج الانتخابات، واحترام القانون والدستور، يعتبر ميلاً لأحد معين أو مناصرة حزب دون آخر؟

22 ـ أورد الحكم، في حيثياته، أن ظهور القضاة على منصات الاعتصامات من شأنه أن يجعل للقضاة رأيا ظاهرا في الخلافات الحزبية، بما يؤثر على حيادهم، ويمنعهم من نظر ما قد يعرض عليهم من قضايا تقع في أثناء تلك الأحداث، أو تصدر من الأطراف المشاركة فيها، وهو ما يجب أن يمتنعوا عنه، حتى يكون القضاء بعيداً عن الشبهات، وأن يطمئن إليه كل الأفراد.

وهذا الذي أورده الحكم ليس له محل، لأن هؤلاء القضاة لم يشاركوا في اعتصامات، ولم يظهروا على منصاتها، وإنما الذين ظهروا على منصات الاعتصام، وأعلنوا ميلهم لأحد معين، وانحازوا إلى فصيل سياسي معين، وفتحوا النادي لحركة تمرد التي تبين أنها كانت تتلقى تمويلاً من الخارج هم الشاكون الذين أعلنوا اشتغالهم بالسياسة، واستعدادهم لتنفيذ ما يطلبه منهم النظام، بمجرد الإشارة في صورة مهينة، تنال من هيبة القضاء وتظهره بمظهر التابع الذي ينفذ ما يطلب منه.

وفي النهاية، لا بد من التذكير بأن هناك شكاوى عديدة مقدمة ضد الزند ورفاقه، لاشتغالهم بالسياسة، بفتح نادي القضاة لحركة تمرد، لتوقيع استماراتها في مقره، والتي ثبت أنها حركة ممولة من الخارج، وتحويل الجمعيات العمومية للقضاة لمؤتمرات سياسية لجبهة الإنقاذ، ومطالبة أوباما بالتدخل في الشؤون المصرية، ومشاركته وأتباعه في مظاهرات يونيو في ميدان التحرير ووقوفهم على منصات الاعتصام والخطابة في الجماهير والهتاف معهم، والمطالبة بإسقاط النظام وتغيير الدستور، وغير ذلك من رزاياهم، ولم تتخذ بشأنها أية إجراءات.

23ـ استند المجلس في تكوين عقيدته إلى تدوينات على صفحات التواصل الاجتماعي، لم تكشف التحقيقات عن كيفية وصولها إلى قاضي التحقيق، والادعاء بأنها وردت من مركز المعلومات في محكمة النقض، لم يقم على صحته دليل، فلا القاضي انتدب هذا المركز، ولا المركز قدم محضراً يدل على صلته بها، فضلا عن أن المجلس لم يتح للقضاة فرصة إبداء دفاعهم بشأنها، وما إذا كانت خاصة بهم، أم مدسوسة عليهم.

وفي الختام، كان أحمد الزند قد صرح إنه قائد الثورة المضادة في القضاء، وإنه كان قائد قاطرة "30 يونيو"، كما صرح في حواره مع جريدة الوطن في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، بأنه صديق أحمد شفيق، المرشح الرئاسي الخاسر، كما صرح إنه لا يوجد في مصر قاض يستطيع أن يرفع الحصانة عنه. الأمر الذي يقطع بأنه يتمتع، هو ورفاقه، بحماية خاصة، تحول دون مساءلتهم، لكنهم مهما كان من وراءهم لن يفلتوا بجرائمهم من العقاب، وعسى أن يكون قريباً، فقد أقسم رب العزة للمظلوم بعزته وجلاله، لينصرنه، ولو بعد حين.

هذه هي الأخطاء الفادحة التي ارتكبها رئيس محكمة استئناف القاهرة، وقاضي التحقيق، ووزير العدل، ثم مجلس الصلاحية الذي أجرى محاكمة تفتقر إلى معايير العدالة كافة، واتسمت بالتحامل على القضاة ومصادرة حقوقهم في الدفاع وعلانية الجلسات، والذي مثّل حكمه مذبحة فادحة للقضاة. الضحية الأولى فيها مصر التي يذبح أشرف أبنائها بدلاً من تكريمهم، والثانية هو القضاء المصري الذي يخسر هؤلاء الشرفاء ليبقى الزند ورفاقه ومحمد شيرين وسعيد يوسف وناجي شحاتة وعلي النمر، وهكذا يقضون بين الناس.

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمةً، إنك أنت الوهاب.

55062C80-597A-44D7-BE3D-C1A7C089A13E
أحمد سليمان

وزير العدل المصري الأسبق، عين في مايو/أيار 2013، واستقال في يوليو/تموز 2013، رفضاً للانقلاب، ويعد أحد أعلام تيار الاستقلال في نادي القضاة.