الإجهاض.. الرأي والرأي الآخر

18 مارس 2015

مسيرة نسوية مغربية في يوم المرأة بالرباط (8 مارس/2015/أإ.ف.ب)

+ الخط -

يجري سجال سياسي وديني وحقوقي غني في المغرب بشأن الإجهاض، استعداداً لتغيير القانون الجنائي القديم، كجزء من منظومة إصلاح العدالة في المملكة. ولأن القانون الجنائي هو الترمومتر الذي يُقاس به نظام القيم، ومنظومة الحقوق، وفلسفة العقاب، وخارطة المباح والمحظور، فإن موضوع الإجهاض طفا على السطح، وفرض نفسه على الحكومة والبرلمان والإعلام والمجتمع المدني.

تتراوح مطالب الجمعيات النسائية، ومعها اليسار والليبراليون وعموم العلمانيين، بين داعٍ إلى إباحة الإجهاض بإطلاق، بمبرر أنه من حقوق المرأة، ولاستعادة سلطتها على جسدها، وحقها في أن تلد أو لا تلد، وبين من لا يطالبون بالإباحة المطلقة، وإنما بتوسيع المسموح به قانوناً، ليطال الحمل الناتج عن الاغتصاب وزنى المحارم، وفي حالات الخشية على سلامة الجنين أو أمه، على أن تترك المطالب الأخرى إلى وقت لاحق. المهم فتح الباب، الآن، وتكسير القيود الفقهية التقليدية التي تطوق عنق القانون الجنائي المغربي.

في الجهة المقابلة، هناك الإسلاميون والسلفيون وفقهاء الدولة الرسميون، ويتخوف هؤلاء من فتح باب الإجهاض، مخافة أن يكون مدخلاً لشرعنة العلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج، وهؤلاء لا يشكلون معسكراً واحداً، ففيهم التقليديون الذين يرفضون فتح الباب والتوسع في إباحة الإجهاض، وفيهم من يوافق على استثناء حالات بعينها في القانون الجنائي، والسماح بلجوء بعض النساء اضطرارياً إلى الإجهاض، خصوصاً في حالات الاغتصاب وزنا المحارم والخوف على حياة المرأة أو تشوه الجنين، مع ربط هذه الحالات برأي الطبيب أو القاضي أو عالم الدين.

الإجهاض موضوع حساس وخلافي، ويثير إشكالات كثيرة في دول تبيحه بإطلاق، وأخرى تمنعه بإطلاق. الإيجابي في المغرب هو النقاش الهادئ بشأنه بين أطياف المجتمع. والغريب أن المفروض في فقهاء الدولة أن يمثلوا الوسطية والاعتدال، لكنهم الأكثر تشددا في الموضوع، فيما الإسلاميون الذين يقودون الحكومة، اليوم، يبدون مرونة براغماتية، وتركوا الباب مفتوحاً للاجتهادات الفقهية التي لا تتعارض مع صريح الدين، خصوصاً بعد أن تدخل الملك محمد السادس، باعتباره المسؤول الأول عن تدبير الشؤون الدينية في المملكة، وجمع وزيري العدل والأوقاف ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وطلب منهم التشاور مع الجميع، والوصول إلى حل وسط في موضوع الإجهاض، لا يحرّم حلالاً ولا يحلّ حراماً، في قانون منفتح على الاجتهاد، ويلبي حاجات المجتمع.

لا ينتبه الذين يعارضون إباحة الإجهاض في المغرب إلى الواقع، ولا يفتحون أعينهم على أكثر من 300 حالة إجهاض غير قانوني يومياً، وتعرّض حياة الأمهات للخطر. يدققون فقط في النصوص، وجلها فقهية قديمة، إن لم نقل متقادمة، أي أنها رأي فقهاء القرون الماضية الذين لم يعيشوا مشكلاتنا، ولا واقعنا. لا يتعب السلفي نفسه في إعادة استخراج أحكام الفقه من القرآن والسنة مباشرة. دائماً هناك وسطاء يتبعهم. دائماً هناك سلف يعرف أكثر منه، ويفهم أكثر منه، وقوله ناجز وحكمه نافذ، وما علينا، اليوم، إلا إعادة طباعة فتاويه وشرحها واتباعها.

والذين يطالبون بإباحة الإجهاض بإطلاق، من منطلق حرية المرأة في اتخاذ قرار أن تنجب أو لا تنجب، ويدعون إلى نسخ قوانين دول أوروبية في المغرب، هم، أيضاً، لا يدققون في الواقع، ولا في النصوص الدينية التي تؤطر مرجعية المغاربة في مجتمع محافظ. يحاولون فرض قناعة الأقلية على الأغلبية، ما لا يستقيم مع الحرية والديمقراطية. يجب أن يوافق التشريع رأي الأغلبية، ليكتسب قوة الشيء المقضي به، وإلا ظل حبراً على ورق، نصاً بدون تطبيق، كما نصوص قانونية كثيرة في بلادنا لا تطبق ولا تحترم.

المُشَرِع، أي البرلمان، وقبله الحكومة التي تعد مشاريع القوانين، يجب أن يستمعا إلى كل الآراء، وأن يدرسا الواقع والنص معا، وأن يستفتيا فقهاء الدين وفقهاء الدنيا، أي فقهاء النصوص وفقهاء الواقع.

A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.