مساحة للتأمل: هل الرسول (ص) حي في قبره؟

24 ديسمبر 2015

المسجد النبوي في المدينة المنورة (Getty)

+ الخط -

وكأنه صلوات الله وسلامه عليه، كان يعرف ماذا سيصنع الغلاة بسيرته بعد موته، حين قال لأصحابه "إنما أنا عبدٌ فقولوا عبد الله ورسوله"، في تحذير صريح لهم من أن يفعلوا ما فعله أهل بعض الديانات السابقة، الذين غالوا في مدح أنبيائهم، فنسبوا إليهم صفاتٍ خارقةً، تخالف الطبيعة البشرية التي بعث الله عليها الأنبياء: "رُسُلاً منكم"، ليعبروا عن حبهم أنبياءهم، برفعهم إلى مكانةٍ فوق مكانة البشر، لكن أمة محمد، صلى الله عليه وسلم، لم تستوعب ما قاله لأصحابه، فأبت إلا أن تكرّر خطأ سابقيها في المغالاة في تقديس نبيها، ليصبح شخصه أهم، أحياناً لدى الكثيرين، مما دعا إليه من قيم ومبادئ. ولذا أصبحنا نرى من يستبيح دماء الناس وأعراضهم، ولسانه يلهج بالصلاة على النبي والمفاخرة بزيارة مسجده مرات عدة، ومن يعتقد أنه يعبر عن حب النبي (ص) بشكل أفضل، إذا أنكر عن النبي بشريته، وكونه إنساناً ينسى ويغضب ويحب ويكره ويمرض ويحزن ويكتئب ويتعرض للسحر والأذى، وأصبحنا أيضاً نرى من يتجاوز كل حدود العقل، لينكر موت الرسول، صلى الله عليه وسلم، ويدّعي أنه حي في قبره، وأن الله رد إليه روحه بعد 40 يوماً من وفاته. 

لست، هنا، أتحدث عن رأي شاذ ورد في بطون مجهولات الكتب، فلم يجد من يصدّقه أو ينشره بين الناس، بل أتحدث عن رأي شائع ومنتشر، تبناه علماء بحجم الإمامين، البيهقي والسيوطي اللذين ألّف كل منهما كتاباً يحمل هذا الرأي، فألّف البيهقي كتاب "حياة الأنبياء في قبورهم"، وألّف السيوطي كتاب "إنباء الأذكياء بحياة الأنبياء"، وقد صدرت لهما طبعات كثيرة، جمع بعضها الكتابين في كتاب واحد، مصحوباً بتحقيقاتٍ لما ورد فيهما من أحاديث، كشف المحققون ضعف أغلبها وتهافته.

الفكرة التي تصب فيها المرويات الواردة في الكتابين أن الأنبياء جميعاً، وليس محمداً صلى الله عليه وسلم فقط، أحياء في قبورهم الآن وعلى الدوام، لأن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء، وبدون أن نستعيد، الآن، ما ورد من خلافاتٍ حول مدى حجية أحاديث الآحاد في الاعتقاد، فإن أي قارئ شبه مطلع يدرك، بسهولة، أن الإمامين خلطا في كتابيهما، بين جزئية أكل الأرض أجساد الأنبياء، مثل غيرهم من البشر، وجزئية موت الأنبياء، زاعمين أن عدم أكل الأرض أجساد الأنبياء يعني عدم موتهم، وأنهم أحياء في قبورهم، مستندين إلى أحاديث يأتي في أحدها مثلاً "ما مكث نبي في قبره أكثر من أربعين ليلة حتى يُرفع"، مع أنه حديث غريب وضعّفه بعضهم، وحديث "الأنبياء أحياء في قبورهم يُصلون"، وهو حديث ورد في رواته من هو نكرة، كما يقول الإمام الذهبي في "ميزان الاعتدال".

من الأحاديث غير الضعيفة التي تم الاستناد عليها لإثبات حياة النبي في قبره، يأتي حديث "ما من أحد يُسلم عليّ إلا ردّ الله روحي حتى أرد عليه"، وعلى الرغم من أن الحديث لم يطعن أحد في رواته، لكن علماء كثيرين ذكروا حوله إشكاليات كثيرة، وبعضهم تعامل معه طبقاً للقاعدة الفقهية: (ما خالف القرآن والمتواتر من السنة وجب تأويله، وإنْ لم يقبل التأويل كان باطلاً)، والحقيقة أن التأويلات التي جاءت لهذا الحديث كانت بالغة في تعسفها، فقال علماء: "المقصود أن رد روحه كانت سابقة عقب دفنه، لا أنها تعاد ثم تنزع ثم تعاد"، وقال آخرون أن المقصود هو "نزع لا مشقة فيه"، وأوّل السيوطي الحديث تأويلاً لغوياً، ليرى أن معناه أن روحه لم تقبض، وأن "رد الله" معناها هنا "قد رد الله".

للأسف، يعترض مثقفون على محاولة التصدي لانتشار مثل هذه المرويات بين عموم الناس، على أساس أن ذلك يشابه ما يفعله سلفيون كثيرون، يعترضون على طقوس التدين الشعبي في

محبة الرسول صلى الله عليه وسلم. وفي اعتقادي أن مثل هذا الاعتراض لا محل له، لأن ممارسة الطقوس الشعبية في محبة الرسول، وآل بيته وصحابته، بكل ما فيها من روحانيات وبهجة وتواصل اجتماعي، لا يتناقض أبداً مع ضرورة حض الناس دائماً على إعمال العقل، وعدم الانسياق وراء أي مغالاةٍ أو تطرفٍ من أي نوع. وإذا كانت الرؤى المتطرفة تعترض على سلوكيات التدين الشعبي، وتعتبرها بدعاً مرفوضة، فهي، في الوقت نفسه، تمارس طريقة خاصة من الابتداع، حين ترفع أحاديث الآحاد إلى مرتبةٍ، توازي مرتبة القرآن الكريم، وتكفر من يرفضها إذا تعارضت مع نصوص القرآن، فضلاً عن تعارضها مع العقل، ليلتقي هنا التفكير المتشدد الذي يغالي في تقديس أحاديث الرسول، مع التفكير الشعبي الذي يغالي في تقديس شخص الرسول، وينسب إليه المعجزات والخوارق، حتى وإن بدا التفكيران على طرفٍ نقيض، لأن كلاً منهما يرفض إعطاء العقل أكبر من حجمه فيما يتعلق بالإيمان الذي يفترض لديهما التسليم والإتباع من دون نقد أو مناقشة، وذلك واحد من أبرز التناقضات التي يقع فيها متدينون كثيرون، حيث تجدهم دائماً يتحدثون بحفاوة عن أهمية العقل في الإسلام، وكيف أفرد له القرآن آيات كثيرة تذكّر بأهميته، لكنهم حين يواجهون أسئلة وإشكاليات ناتجة عن إعمال العقل في مرويات ونصوص دينية، يتحولون سريعاً إلى الحديث عن أهمية الإتباع وضرورة التسليم لله وحكمه، وعدم الانقياد وراء العقل أكثر من اللازم، وحرمة الاجتهاد مع النص، وهو تناقض ستجد تنويعات له في الخطاب الديني بأطيافه كافة، وهو، في تقديري، ما يسبب جفاء متزايداً بين الخطاب الديني السائد، وبين كثير من أبناء الأجيال الشابة التي أصبحت تحتاج إلى خطاب أكثر ذكاء وتركيباً، من خطاب الوعظ والدعوة والإرشاد، الذي يحفل بالأشياء ونقائضها طوال الوقت، من أجل رغبته في إحداث تغيير فوري وسريع في حياة المتلقي، وهو الخطاب الذي حاول وعاظ كثيرون تطوير شكله، لكنهم لم يقتربوا من مضمونه أبداً، للأسف الشديد، والحديث في ذلك يطول بما لا تتسع له المساحة.   

على أية حال، لم يقتصر القول بحياة النبي صلى الله عليه وسلم في قبره، على كتابي السيوطي والبيهقي، بل ورد أيضاً في كثير من كتب التراث التي تم تأليفها، في عصور الانحطاط التي سادت فيها الخرافة، واستبدت بعقول الناس. من هنا، مثلاً، تجد عالماً، مثل الإمام تقي الدين السبكي، يقول إن موت النبي صلى الله عليه وسلم غير مستمر، وأنه أُحيي بعد الموت حياة أخروية، كما يروي ابن النجار عن إبراهيم بن بشار "حججت في بعض السنين فجئت المدينة، فتقدمت إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فسمعت من داخل الحجرة: وعليك السلام"، بل ونرى السيوطي يفرط في المبالغة، فيقول إن النبي (ص) حي بجسده وروحه، وأنه "ليتصرّف حيث شاء في أقطار الأرض والملكوت، وأنه ظل بهيئته التي كان عليها قبل وفاته، لم يتبدل منه شيء، وأنه يغيب عن أبصار البشر، كما غُيِّبت الملائكة مع كونهم أحياء بأجسادهم، وأن الله يرفع الحجاب عن أناس فيرونه"، في حين يزعم الإمام نور الدين الحلبي أن النبي لا يخلو منه مكان ولا زمان، مستدلاً على ذلك بأن الملكين يقولان للمقبور: "ما تقول في هذا الرجل"، واسم الإشارة لا يُشار به إلا لحاضر، ولو قرّرت اعتبار هذا الكلام يستحق مناقشته، لوجدته غير متماسك، لأن الحلبي يغفل أن يكمل ما ورد في مقولة الملكين: "في هذا الرجل الذي بعث إليكم؟"، وتخصيص هذا الوصف ينفي شرط حضور النبي بشخصه، لكن الحلبي، ومن يصدقونه، لن يكون معنياً برد منطقي مثل هذا، فهو يؤكد، في مواضع أخرى، أن غالبية الأولياء كانوا يجتمعون بسيد المرسلين يقظةً ومناماً، وأن العارف بالله خليفة ابن موسى كان كثير الاجتماع به، واجتمع به في ليلة واحدة 17 مرة، بل وأن النبي (ص) بنفسه، قال له "يا خليفة، لا تَملّ منا، فقد مات كثير من الأولياء بحسرة رؤيتنا"، ومن اللافت، في هذا الصدد، أن الحلبي، بعد أن روى قولة الإمام المرسي أبي العباس: "لو حجبت عني رؤية النبي صلى الله عليه وسلم طرفة عين، ما عددت نفسي من المسلمين"، حاول بعضهم أن يفحمه، فسألوه: كيف يمكن لكثير من الناس أن يروا النبي، وهم يوجدون في أماكن متفرقة، فقال لهم إن الله جعل لرسوله مكاناً، مثل البدر في السماء، يراه كثيرون في وقت واحد، وحين استنكر بعضهم قول الحلبي، رد عليهم بما مفاده بأنهم ينكرون قدرة الله عز وجل.

ولكي لا تصبح تلك المرويات محض أقاويل غير مستندة إلى أساس، يحاول الحلبي إيجاد أساس

عقائدي، تستند عليه مروياته هذه، فتصبح غير قابلة للتشكيك والنقد. لذلك نجده يقول إن الله تعالى نصّب رسوله شاهداً على أعمال العباد خيرها وشرها، بقوله: (إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً)، والشهادة لا بد أن تكون حاضرة. ولذلك، فالرسول حي وحاضر يشهد على أعمال العباد، مع أن الشهادة، هنا، لا تعني الحضور، بل تعني إقامة الحجة بما سبق للرسول صلى الله عليه وسلم أن رواه عن ربه، وهو ما يستقيم معه ما جاء في الحديث عن قول رب العزة لنبيه في يوم القيامة، حين يشفع في أمته: "إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك"، وهو ما تصدق عليه آيات قرآنية كريمة، خاطبت الرسول (ص) قائلة: "وما على الرسول إلا البلاغ"، أو "فذكِّر إنما أنت مُذكِّر، لست عليهم بمسيطر"، وغيرها من الآيات الكريمة التي لم تجعل أبداً من طبيعة الرسالة النبوية، مسألة الشهادة الحاضرة على أعمال أتباع الرسالة.

في كتابه "نظرات في الآخرة"، يناقش الدكتور حسن خالد ما يقوله بعضهم عن أنه إذا كان الشهداء أحياء عند ربهم، فلماذا لا يكون الأنبياء مثلهم، مؤكداً أن هذا الفهم لمعنى "أحياء عند ربهم" خاطئ، فقد ثبت أن أرواح الشهداء مرفوعة إلى الله سبحانه وتعالى، حسبما ورد في الصحيح عن أن أرواح الشهداء "تأوي إلى قناديل من ذهبٍ معلقةٍ في ظل العرش"، وما جاء في قوله تعالى "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء"، لا ينفي موتهم، بقدر ما يفرّق بين الموت والشهادة في سبيل الله، أما عن المرويات التي وردت عن عدم تآكل أجساد الشهداء، فهي ليست دليلاً، يوجب الاعتقاد، وقد أكد صاحب العقيدة الطحاوية أن بعض العلماء رجحوا أن أجساد الشهداء تبلى مع طول المدة، ومن ثم فلا صحة لاتخاذهم دليلاً على عدم موت الرسول (ص).

يناقش الدكتور محمد نعيم ياسين في كتابه "الإيمان" هذه التصورات التي سادت بين مسلمين كثيرين في مختلف العصور، والتي جعلتهم يتصورون أنهم يرفعون مقام الأنبياء والرسل، حين يخصّونهم بطبائع أخرى غير الطبيعة البشرية، في حين اختارهم الله سبحانه "من الرجال الذين يأكلون ويشربون ويمشون في الأسواق، وينامون ويجلسون ويضحكون، ولهم أزواج وذرية، ويتعرضون للأذى، وتمتد إليهم أيدي الظلمة، وينالهم الاضطهاد، وقد يُقتلون بغير حق، ويتألمون ويصيبهم المرض وسائر الأعراض البشرية التي لا تؤدي إلى نقصٍ في مراتبهم العليا بين الخلق"، مع أن القرآن الكريم يخاطب الرسول (ص) قائلاً "إنك ميت وإنهم ميتون"، ويقول له "وما جعلنا لبشرٍ من قبلك الخلد، أفإن مِتّ فهم الخالدون"، ويُذكّر القرآن أصحاب الرسول مبكراً بإمكانية موته وتعرّضه للخطر البدني "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قُتِل انقلبتم على أعقابكم"، وكما يقول الشيخ محمد الغزالي في كتابه (السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث) فإن القرآن لم يورد استثناءً جسدياً لموت الرسول، ولم يحدده بمدة معينة أو كيفية معينة، لكي يأتي أحد متطاولاً على إرادة الله، فيفعل ذلك مستنداً إلى مروياتٍ غير متماسكة.

في السياق نفسه، يقول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في كتابه "فقه السيرة" "كان من

اليسير على الله عز وجل أن يجعل مرتبه رسوله فوق مستوى الموت وآلامه، ولكن الحكمة الإلهية شاءت أن يكون قضاء الله تعالى في تجرّع هذه الكأس، بشدتها وآلامها، عامّاً لكل أحد، مهما كانت درجة قربه من الله جل جلاله، حتى يعيش الناس في معنى التوحيد وحقيقته، وحتى يدركوا جيداً أن كل من في السماوات والأرض، إلا آتي الرحمن عبدا، فليس لأحد أن يعلو بنفسه عن مستوى العبودية، بعد أن عاش رسول الله (ص) خاضعاً لحكمها ونزل به قضاؤها"، وهو معنى يتبدى لنا في قول الرسول (ص) في خطبة الوداع". أيها الناس بلغني أنكم تخافون من موت نبيكم، هل خُلّد نبي قبلي فيمن بعث الله فأخلّد فيكم، إلا أني لاحق بربي، وأنتم لاحقون بي". ولذلك، نرى العباس رضي الله عنه عم الرسول صلى الله عليه وسلم يرد بنفسه على منكري وفاته، وينبههم إلى إمكانية تعرض جسده لما تتعرّض له أجساد الموتى من تغير، قائلاً "لقد مات رسول الله كما يموت غيره من الناس، مات ولن يُبعث حياً، مات وإنه ليأسن كما يأسن البشر، فبادروا إلى دفنه". انظر كتاب السيد الجميلي (أحوال الموتى)، والذي يناقش أقوال بعضهم في الرد على كلام مثل هذا، بزعمهم أن "يأسن" لا تعني التغير، مع أن كلمة "آسن" ترد في القرآن بمعنى متغير، في قوله تعالى "ماء غير آسن".

يمكن لنا أن نفهم سياق ما قاله العباس عم النبي، في إطار أن الوقت كان صيفاً، حين مات الرسول (ص)، طبقاً لتحقيق الدكتور حسين مؤنس روايات وفاة النبي الثابتة، والتي ورد فيها أن خليفته أبا بكر الصديق، رضي الله عنه، كان غائبا يومين خارج المدينة عند وفاة الرسول، ثم جاء ووجد النبي غير مدفون، لأن بعض الصحابة، وعلى رأسهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كانوا يقولون بعدم موته، من فرط صدمتهم وحزنهم، جاء في الروايات الصحيحة أن عمر، رضي الله عنه، قال للمغيرة بن شعبة الذي أبلغه الخبر "كذبت، ما مات رسول الله، ولكنك رجل نَحوس فتنة، ولا يموت رسول الله، حتى يُفني المنافقين"، ثم صعد خطيباً في الناس ليقول "لا أسمعن أحداً يقول إن محمداً قد مات، ولكنه أُرسل إليه كما أرسل إلى موسى بن عمران، فلبث عن قومه أربعين ليلة، وإني والله لأرجو أن تُقطع أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه مات"، وجاء أبو بكر رضي الله عنه، وعمر يخطب، فقال أبو بكر: أسكت، فسكت عمر، وصعد أبو بكر المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قرأ قوله تعالى "إنك ميت وأنهم ميتون"، ثم قرأ "وما محمد إلا رسول خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قتل، انقلبتم على أعقابكم"، ثم قال: "من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت".

الجدير بالذكر أن أبا بكر لم يعلن موت النبي، إلا بعد أن تحقق من موته بالدليل القاطع، وهو بداية تغير حالة جسده الشريف. يروي ابن مسعود في طبقاته: "لم يُدفن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى عُرِف الموت في أظفاره اخضرّت"، وهو ما يرويه أيضاً البلاذري والطبري، كما يروي الزهوي عن سعيد بن المسيب عن عمر قوله "والله ما هو إلا أن سمعت أبي بكر تلاها، فعقرت حتى الموت، والله ما تُقلِّني رجلاي، وحتى طويت إلي الأرض، وكان الناس، في ذلك الحين، يقولون تربصوا بنبيكم، لعله يعرّج به إلى السماء، فتربصوا حتى ربا بطنه (أي انتفخت) وكان بعض الناس يقولون والله إنه ما مات، ولكن رُفِع كما يرفع عيسي بن مريم". ويعلق الدكتور عبد الحميد يونس على تلك الروايات قائلا "هذه تفاصيل نذكرها للكثيرين ممن يقولون إن الولي الفلاني ظل على حاله بعد موته، أو أن نعشه طار به، ونقول لهؤلاء هل أولياؤكم خير من رسول الله".

لكن، إذا كان يمكن لنا أن نعذر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لرفضهم تصديق موته، من فرط ما أحبوه والتصقوا به، فكيف لنا، بعد كل هذه القرون على وفاته صلى الله عليه وسلم، أن نعذر من يرفض اتباع وصيته بعدم تجاهل إنسانيته، وعدم المغالاة في تقديسه، كأن ذلك سيكون شفيعاً لهم يوم القيامة، أكثر من عملهم بما أرسله الله به من مبادئ العدل والحرية والرحمة والإنسانية والمساواة وإعمال العقل، والتي لم تعد حاضرة بين عموم المسلمين، كمثل حضور الخرافات والخزعبلات.

 

دلالات
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.