"في حبْ السيسي"

27 نوفمبر 2015
+ الخط -
كما هو متوقع، حصد ائتلاف "في حب مصر" جميع المقاعد التي أجريت بنظام القائمة، فيما قيل إنها انتخابات برلمانية، أجريت خلال الأسابيع الماضية، وعددها 120 مقعداً، كما أنه من المتوقع، أيضاً، أن تفوز القائمة بكثير من المقاعد الفردية، وعددها 448 مقعداً. ولمَ لا يفوز هذا الائتلاف، وهو الذي جرت صناعته وهندسته وإعداده في مطبخ الدولة، وبرعاية أجهزتها السيادية، خصوصاً جهاز الاستخبارات، حسبما نقلت مواقع إخبارية كثيرة. فمنسق الائتلاف عميد (يطلق على نفسه لقب لواء) سابق في جهاز الاستخبارات العامة، كما أن نسبة معتبرة من المرشحين علي قائمته ينتمون إلى الجيش والشرطة. ولا يخفي الرجل أبداً (بل يتفاخر ويبتهج) ولعه بالجنرال عبد الفتاح السيسي، وقد برّر قيامه بهذا الدور من أجل دعم الجنرال، وضمان تأييده، تحت قبة البرلمان الذي من المفترض، نظرياً، أن يتشارك السلطة مع الرئيس، حسب دستور 2014 الذي وضعته لجنة "الأشقياء" الخمسين، بعد انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013.
وكان سيادة العميد (أو اللواء) قد أدلى بتصريح "فاقع" قبل بدء الانتخابات، قال فيه إن دور البرلمان المقبل سيكون الموافقة علي كل القرارات التي يصدرها الرئيس. ولولا قليل من الخجل، وبعض من اللياقة، لسمّى الرجل قائمة ائتلافه "في حب السيسي" من شدة ارتباطه به. برلمان السيسي هو ما جادت به على مصر "ثورة الثلاثين من يوليو" التي قادتها قوى وأحزاب مدنية، اكتشفنا لاحقاً أنها ذات مرجعية عسكرية، وذلك بحجة الاعتراض على حكم جماعة الإخوان المسلمين ذات المرجعية الدينية. وهي القوى والأحزاب نفسها التي طُردت من بلاط الجنرال، ولم تنل من حظها من السلطة ولو بالقليل، فالحزب الديمقراطي الاجتماعي الذي يتزعمه الدكتور محمد أبو الغار، صاحب أشهر جملة في تاريخ الدساتير المصرية "أهو كله عك وخلاص"، فاز بالكاد بمقعدين فرديين في الجولة الأولى للانتخابات، ومن غير المتوقع أن يحظى بأكثر منهما في جولة الإعادة الأسبوع المقبل. كما أن قائمة "صحوة مصر" التي كان يتولى تشكيلها الدكتور عبد الجليل مصطفى، المنسق العام السابق لحركة كفاية، فقد قاطعت الانتخابات قبل بدايتها، اعتراضا على فساد الإجراءات وتدخل الأجهزة الأمنية في إدارة المعركة الانتخابية. أما بقية الرموز والشخصيات العامة التي روّجت وبرّرت ونظّرت، ولا تزال، للجنرال السيسي، أمثال عمرو الشوبكي وحافظ أبو سعدة وباسل عادل وحيدر البغدادي وغيرهم، فقد خرجوا من المنافسة غير مأسوف عليهم.
لا يعبأ سيادة العميد المتقاعد بحالة العزوف الفاضح عن المشاركة في المسرحية الانتخابية، ولا يهمه أن تذهب عجوز لتدلي بصوتها، من أجل أن تحصل على "مكافأة مالية" تطعم بها أحفادها، أو تشتري دواءً لمرضها المزمن، من دون أن تعرف أياً من أسماء المرشحين أو المتنافسين. ولا يكترث أيٌّ ممن فازوا بعضوية البرلمان الجديد بأن يكون من صوّتوا لهم من أكثر الناس فقراً واحتياجاً وعوزاً، وقد فعلوا ذلك طمعاً في مبلغ زهيد يعينهم على مصاعب الحياة، أو خوفاً من أن يدفعوا غرامة التغيّب عن التصويت التي تستخدمها الدولة لتهديد الناخبين وابتزازهم. ولا يهم الناخبين أن يكون من يمثلهم مسؤول فاسد، أو متهم في قضايا لا تزال منظورة أمام المحاكم، أو لواء سابق ارتكب من الجرائم ما يكفي لسجنه مدى الحياة، أو رجل أعمال سرق ونهب واختلس ما يكفي لإطعام قرى بأكلمها.
"في حبْ السيسي" ليست مجرد قائمة انتخابية، وإنما حالة سياسية سادية، تعكس حجم التدهور والانحطاط الذي وصلت إليه واحدة من أعرق البلدان في التجربة النيابية، كما تكشف حجم التخريب الممنهج الذي يجري بحق مؤسسات الدولة، وأهمها المؤسسة التشريعية والرقابية.
A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".