المطرية بجعة مصرية سوداء

31 يناير 2015
+ الخط -

يبدو أن 2015 هو عام البجع الأسود بلا منازع في هذا القرن، والبجعة السوداء تعبير يطلق على الأحداث غير المتوقعة، والتي حولت مجرى ما بعدها، فهي أحداث نادرة ندرة البجع الأسود في نصف الكرة الشمالي. والبجعة السوداء كائن لم يتخيله أحد من الباحثين، حتى كتب عنه الباحث الهولندي، وليم دي فالمنج، في أواخر القرن السابع عشر، عندما شاهده في أستراليا، وفي كتابه الرائع "البجعة السوداء ـ تأثيرات الأحداث غير الواردة"، يضرب نسيم نيكولاس طالب مثالاً لتقريب مفهوم البجعة السوداء بالأحداث المؤدية إلى الحرب العالمية الأولى، أو ظهور الإنترنت، أحداث لم يتوقعها أحد، لكنها غيّرت ما بعدها.
وعلى الرغم من أننا ما زلنا في بداية هذا العام، نستطيع أن نشير إلى أحداث، وليس حدثاً واحداً ممّا يمكن أن يدخل تحت التصنيف نفسه، فوفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز، وفوز حزب سيريزا الاشتراكي في اليونان، ورفع البنك المركزي السويسري ارتباط الفرنك السويسري باليورو، والهجوم الإرهابي على "شارلي إيبدو"، كلها أحداث مفاجئة، لها ما بعدها والعام ما زال صبياً في مهده.

ثورة 25 يناير 2011 في مصر كانت أحد هذه الأحداث غير المتوقعة، فالتعريف يغطي كل ما هو غير متوقع، وإن لم يكن بحجم ويلات الحرب العالمية الأولى، أو مبشرات وفاة جنكيز خان التي كانت البداية للنهاية السريعة للمغول، أو غيرها من الأحداث. منذ بداية العام، تظل المطرية الحدث الأعظم في مصر، وبجعتها السوداء ومفاجأتها السارة التي لم يتوقعها أحد، والتي سيكون لها ما بعدها.

أنهى الانقلاب وحلفاؤه العام 2014، وهم يعيشون وهم السيطرة على الأحداث، والحقيقة أن تركيز الثوار على ميدان التحرير والميادين الرئيسية، ومن ثم احتلال المدرعات العسكرية والشرطية الميادين، أعطى للانقلاب ومسانديه إحساساً كاذباً بالاطمئنان، وكأن السيطرة على ميدان التحرير تعني السيطرة على مصر ودوام الانقلاب، وحالهم يقول طالما كانت الدبابة معنا فمَن علينا؟ ألم يقل كبيرهم يوماً، في إحدى لقاءاته مع عساكره، إنه لا أحد في البلد أقوى من الجيش، وكأننا نعيش في دولة المماليك، حيث الحكم لمَن غلب.

ثم كان حراك 25 يناير/ كانون الثاني 2015، لينسف وهم السيطرة، وتظهر حقيقة بيت العنكبوت الذي بنوه خلف مدرعاتهم. تتغيّر المنطقة، إذاً، وتتغيّر المعادلات والأحلاف، وتتغيّر معها الثورة المصرية التي يقودها، الآن، جيل نشأ تحت أزيز رصاص عسكر ودرك، لم يتعلموا معنى العزّة، إلا في الذلة لقياداتهم، والتجبّر على المجندين والشعب. بعد أحداث 25 يناير، وموقف الثوار في المطرية والهبّة العفوية من مختلف تيارات الثورة المصرية، لمساندة أبطال المطرية، يبدو أن بيت العنكبوت الذي شيّده عبد الفتاح السيسي أوهن كثيراً من الذي شيّده مبارك، وأن سفينته أصبح فيها من الخروق ما يتسع على راتقي الانقلاب خارجياً وداخلياً، وسنرى، في الأيام المقبلة، محاولة أخرى لإنقاذ السيسي ودولة العسكر قريبة الشبه، وإن لم تكن متماثلة مع ما تم من إنقاذ لمبارك ودولة العسكر في 11 فبراير/ شباط 2011.

ما حدث في المطرية و25 يناير 2015 بعث جديد للثورة، لم يتوقعه أحد، والآن، يعيد الجميع حساباتهم، فدولة العسكر لن تستمر كثيراً واقفة على قدميها، والشعب المصري في ثورة دائمة منذ 2011، فالمعادلة السياسية الجديدة تقول إن الشعب الذي يستطيع أن يبقي زخم ثورة أربع سنوات منها أكثر من 18 شهراً تحت زمهرير رصاص قوات القمع. لا أعول كثيراً على الخارج، أو شرفاء الدولة العميقة (الجيش والشرطة والقضاء والإعلام)، بل الحلم في يد شباب طاهر يحملونه في قلوبهم ما استطاعوا، ويتركونه في أيد أمينة، تعلمت منهم، حينما يجتبيهم إليه ربهم.

الدولة العميقة، الآن، أوهن من أضعف جندي أمن مركزي، يرمونه إلى المحرقة، لينقذوا أنفسهم منها.

avata
avata
هشام عبد الرحمن (مصر)
هشام عبد الرحمن (مصر)