انتخابات تركيا بعيون سوريّة

03 ابريل 2014

تركي يدلي بصوته في الانتخابات

+ الخط -

قبل يومين من انطلاق الانتخابات البلديّة في تركيا، حبس السوريون، في مواقع التواصل الاجتماعيّ، أنفاسهم، بانتظار ما سوف تفرزه من نتائج. وعلى الفور، أطلق ناشطون مؤيدون للثورة حملة إعلاميّة موسّعة، دعمها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وطالبت السوريين المقيمين في تركيا بتجنّب القيام بأية أنشطةٍ ذات علاقة بالانتخابات، وعدم إبراز أي موقف مؤيّد لأيّ من الأحزاب المتنافسة. ووصل الأمر إلى المطالبة بالتزام البيوت والمنازل، حتى الإعلان عن نتائج الانتخابات. وغداة بدء التصويت، يوم الأحد الماضي، انشغل السوريون (مؤيدون ومعارضون) بمتابعة استطلاعات الرأي العام في تركيا. وبشكل مفاجئ، تحوّل قسم كبير منهم إلى خبراء في التوازنات الانتخابية، ضمن الأقاليم والمحافظات التركيّة.
حقيقة الأمر، لم تكن الانتخابات البلديّة الأخيرة شأناً داخلياً يعكس حالة الاستقطاب في تركيا، لا سيما بعد موجة اضطرابات واحتجاجات، وسيل من الاتهامات بالفساد طالت حزب العدالة والتنمية وزعيمه، رجب طيب أردوغان، شخصياً، بل عكست، في كثير من صورها، التنافس الإقليمي، والتموضعات الجيوسياسيّة المتغيّرة في منطقة ملتهبة. ولا مبالغة في القول: "إنها أول مرة يكون لانتخابات بلدية تداعيات إقليمية وارتباطات جيوستراتيجية". ولعلّ متابع وسائل الإعلام الرسمية السوريّة، وبعض محطات التلفزة العربية والعالمية، قبل الانتخابات وبعدها، يدرك، وبدرجات متفاوتة، هذه الحقيقة.
كانت سوريا، كساحة جيوسياسية، أكبر المتأثرين بالانتخابات البلديّة التركيّة، لأسبابٍ يرتبط بعضها بالمأساة الإنسانية المتفاقمة، وبعضها الآخر مرتبط بالسياقين الإقليمي والدوليّ. انشغلت دوائر القرار في تركيا بالأزمة السوريّة منذ بدايتها عام 2011، وحاولت حكومة "العدالة والتنمية"، بحكم علاقتها الجيدة بنظام بشار الأسد، في العقد الأخير، أن تلعب دور الناصح والموجّه للنظام المذكور للخروج من الأزمة وحلّها بطرق سلميّة. وقد امتنعت تركيا عن اتخاذ موقف حاسم ضد النظام السوري حتى شهر سبتمبر/ أيلول 2011. فبعدما أفشل النظام المبادرة التي طرحها وزير الخارجية التركي، أحمد داود أوغلو، ارتفعت النبرة التركية تجاه النظام السوريّ، وطالب رئيس الوزراء، أردوغان، بتنحي الأسد.
وفي ضوء التصعيد التركي ضد النظام، راهنت بعض هيئات المعارضة وشرائح شعبية على دور تدخلي لتركيا، يسهم في تغيير موازين الصراع، لكن هذا الوهم تبدّد تدريجياً، وتبيّن أن اللهجة الخطابية، والخطوط الحمراء التي رسمها أردوغان، لم تكن إلا حملة دعائية ضد النظام، غير قابلة للتطبيق على أرض الواقع، كون تركيا دولة مؤسساتية تأخذ مواقف المؤسسة العسكرية، والرأي العام، الرافضة التدخل العسكري، بالاعتبار.
وعلى الرغم من أنه لم يقع على الحكومة التركية تأثير عسكري مباشر، فإنها لعبت دوراً فاعلاً في الأزمة السوريّة. فتحت تركيا حدودها أمام الدعم العسكري لقوى المعارضة، واحتضت المعارضة السياسيّة بغالبية هيئاتها، كما استضافت أعداداً كبيرة من اللاجئين، الفارين من جحيم العنف الذي خلّفه النظام في مدنهم وقراهم. لم تغلق تركيا حدودها أمام اللاجئين، ولم تشتكِ من زيادة أعدادهم. وعلى الرغم من إنشائها مخيمات عدة، فإنها لم تضيّق على حركة اللاجئين، ومنحتهم حرية الإقامة والعمل في تركيا، ومن دون ضرائب، ووفّرت لهم الطبابة المجانيّة، وعملت على مساواة اللاجئين السوريين والفلسطينيين بالمواطنين الأتراك، في ما يتعلق بالتعليم الأساسي والصحة، وقدمت لهم منحاً دراسية عدة، وفتحت لهم أبواب بعض جامعاتها، لمتابعة تعليمهم العالي.
في المقابل، اتخذت أحزاب المعارضة التركية، ولا سميا حزب الشعب الجمهوري، مواقف مناوئة للثورة السوريّة، منذ انطلاقاتها، على خلفيّة اندفاع حزب العدالة والتنمية لتأييدها. وبالتدريج، أضحت الأزمة السوريّة مادة للاستقطاب السياسي والإعلامي والطائفي داخل تركيا. فقد تكررت زيارات وفود أحزاب المعارضة إلى دمشق، لتؤكد دعمها للأسد في مواجهة "المؤامرة الكونية" و"محاربة الإرهاب". كما أنه، وقبل أيام قليلة من انطلاق الانتخابات، زجّ زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو، بالملف السوري في الدعاية الانتخابية في اسطنبول، وحمّل السوريين، والذين وصفهم بـ"المتسولين"، المسؤولية عن تراجع السياحة في المدينة.
وفي ظل هذا الواقع، تخوّف السوريون من تكرار تجربة الانقلاب في مصر، مع ما ترتب عليه من حملات إعلامية عنصرية وفاشية ضدهم، إضافة إلى التضييق عليهم في الإقامة والسفر، فانحازوا عاطفياً إلى سياسات أردوغان تجاههم، بغضّ النظر عن أيديولوجية حزبه وخلفيته السياسية والفكريّة.
عامل آخر ساهم في انحياز السوريين لأردوغان، ويتمثّل في التغيّرات خلال الأشهر الستة الماضيّة، والتي ألقت بتداعياتها على الثورة السوريّة. ساهم الانكفاء الأميركي والغربي عن لعب دور فاعل في حل الأزمة السوريّة، والتقارب الأميركي الإيراني، والانقلاب العسكري في مصر، والخلافات الخليجية ـ الخليجية، في تحسّن مواقف النظام وحلفائه على الصعيدين الإقليمي والدولي. وبناءً عليه، اعتبرت المعارضة السورية أن خسارة "العدالة والتنمية" في انتخابات حاسمة، تعني خسارة أهم حلفاء الثورة، وبالتالي، افتقاد ما تعتبره "امتيازات استثنائية"، تقدمها الحكومة التركية، ولا سيما السماح بتدفق السلاح عبر الحدود، واحتضان اللاجئيين.

026670C0-1C24-4095-BCE5-FC31C709547D
حمزة المصطفى

كاتب وباحث سوري في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وسكرتير تحرير مجلة سياسات عربية. ماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من معهد الدوحة للدراسات العليا. صدر له كتاب "المجال العامّ الافتراضي في الثورة السورية: الخصائص، الاتجاهات، آليات صناعة الرأي العامّ".