فتح وحماس: "مش رمانة.."

14 نوفمبر 2014

مسيرة فلسطينية في غزة تدعم المصالحة (مايو/2014/الأناضول)

+ الخط -

أياً تكن الجهة التي دبّرت التفجيرات أمام منازل بعض قادة حركة فتح في قطاع غزة، وسواء حمل الحدث بصمات حركة حماس، أو فتح نفسها، أو عملاء إسرائيل، على ما تقول الاتهامات والتكهنات والتقديرات المتطايرة في الأجواء الفلسطينية، فإن نتيجته الأهم، بل الأخطر، وجدت تعبيرها سريعاً، في تعطيل قطار الوحدة الوطنية، المتعثر أصلاً، وعلى نحوٍ بات يهدد بإعادته، من جديد، إلى المحطة صفر، أو ما قبلها.
ليس مفهوماً، ابتداءً، أن تدفن حماس رأسها في الرمل، وتمتنع عن تقديم رواية أولية، لقصة التفجيرات المتعددة المتزامنة، طالما أنها تسيطر أمنياً على غزة، وطالما أن لديها أذرع عسكرية وأمنية، قادرة على أن تحصي الأنفاس، وترقب دبيب النمل هناك، كما ليس مفهوماً، في الوقت نفسه، أن تتذرع بما حدث، لتعتذر عن عدم استعدادها لتأمين مهرجان إحياء الذكرى العاشرة لرحيل الرئيس، ياسر عرفات، وهي التي أقامت، ورعت، وأمنت، من قبل ومن بعد، احتفالات أكبر، وبلغت بها الثقة بقوتها، إلى حد أن تنظم عروضاً عسكرية مذهلة، في الشوارع، من دون أن تشوبها، حتى شائبة شغب واحدة.
لكن ذلك كله، يظل أقل من كاف، ليبرر تسَرُّع الرئيس محمود عباس، وكذا مساعديه، في إطلاق سيل اتهاماتٍ أطلقها نحو شركائه المفترضين، في الوطن والسلطة، بلهجة غاضبة، ندر أن استخدم مثلها نحو إسرائيل، وكان من شأنها أن أثارت شكوك مشككين، بأنه يحاول، ربما، استغلال، ما حدث، لكي ينسف مشروع المصالحة الوطنية، إرضاءً لأطراف إقليمية ودولية، من التي ما انفكت تُخيّره، سراً وعلناً، بين العلاقة معها أو الوحدة مع حماس.
هنا تنبلج مفارقات مؤسفة، ومثيرة للأسى، منها أن إطلاق الاتهامات المتسرعة، بلا دليل، جاء من منصة إحياء ذكرى رحيل عرفات، الذي لا يزال التحقيق الرسمي الفلسطيني في مسببات وفاته يسير بكل تمهل وصبر وطول نفس، للسنة الحادية عشر، منها، أيضاً، أن حرب التصريحات والتصريحات المضادة اندلعت على جبهة فتح ـ حماس، في حين تستفرد حكومة بنيامين نتنياهو بجبهة القدس، وتغذ الخطى لتهويد المسجد الأقصى، فلا يعترض طريقها، فعلاً وقولاً، سوى مجموعات قليلة من أبناء الشعب الفلسطيني المنكوب بالاحتلال الإسرائيلي، وبالتخلي العربي وبالتواطؤ الدولي، في آن معاً.

"مش رمانة.. هذي قلوب مليانة"، يقول المثل الفلسطيني، حين يتذرّع أحد ما، بخلاف عارض، ليفجر أحقاداً سابقة. وواقع الأمر أن الوحدة الوطنية التي بشرتنا بها فتح وحماس، عند تشكيل حكومة التوافق، برئاسة رامي الحمد الله، منذ خمسة شهور، وهلل لها المهللون، باعتبارها خشبة الخلاص، كانت مجرد مخرج اضطراري مؤقت، لجأ إليه الفصيلان المتصارعان على سلطةٍ، لا سلطة لها، بعدما انسدت الآفاق أمام مشروعيهما السلمي والمقاوم، سواء بسواء.

وأذكر أني كتبت في هذه الزاوية، آنذاك، وقلت بصراحة، لقادة من فتح وحماس التقيتهم في الدوحة، إنكم تذهبون إلى مصالحة اضطرار، لا اختيار، وهي، على الرغم من ذلك، يمكن البناء عليها، وتطويرها بما يمهد الطريق نحو وحدة وطنية حقيقية، لو اقترنت بمراجعة نقدية معلنة، يقدم فيها كل من الفصيلين كشف حساب للشعب الفلسطيني، يعترف فيه بخطاياه، وما ارتكب من جرائم سياسية وغير سياسية، أدت، أصلاً، إلى الانقسام، ثم استمرت، بعد وقوعه، لتعمقه أكثر فأكثر، وتجعل منه هوة سحيقة، يصعب ردمها.
أما وقد أكدت التجربة التي مرت منذ تشكيل "حكومة التوافق"، مثلما أكدت تجارب مريرة سابقة، على استمرار تمسك فتح وحماس، بمواقفهما التاريخية والجغرافية المعيبة، فليس أمام الشعب الفلسطيني سوى أن يتفكر مجدداً، في كيف يمكنه أن يفرز، ولو لمرة، قيادة وطنية كفؤة، ونزيهة، وقادرة على أن ترتقي إلى مستوى كفاحه وتضحياته المستمرة منذ مئة عام.
 
 
 


 

EA99C928-BF02-4C77-80D6-9BE56F332FDE
ماجد عبد الهادي

صحفي وكاتب فلسطيني