يهمّنا ما يحدُث في ليبيا

06 ديسمبر 2024
+ الخط -

بعد تنحّي الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في 2011، ظهر انقسام مبكّر بين القوى السياسية الفاعلة في مصر. التيّارات الإسلامية، التي عانت القمع عقوداً بدأت في الظهور والتحالف مع المجلس العسكري، ما جعلها أكثر تنظيماً وقوةً مقارنةً بالأحزاب المدنية والمجموعات الشبابية.

واحدة من اللحظات الفارقة كانت التظاهرة "المليونية" التي أُطلِق عليها "جمعة قندهار"، إذ نظّمت التيّارات الإسلامية مظاهرة استعراض قوة، حملت شعارات تطبيق الشريعة بالقوة، وأظهرت انقساماتٍ عميقةً بين القوى الثورية. في ذلك اليوم، شعر كاتب هذه السطور بالخوف من المستقبل، خصوصاً عندما كان هناك أحد شيوخ السلفية المشاهير يخطب في الناس بأن أحكام الشريعة لا بدّ أن تطبّق بالقوة في مصر، وليس هناك في الإسلام ما يطلق عليها "حرّيات شخصية" أو "دعونا نعيش نمط حياتنا الخاص". فحسب روايته، كانت مطالب المشركين في مكّة تركهم يعيشون حياتهم كما يريدون، وهو ما رفضه الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فقاتلهم حتى دخلوا الإسلام أو قتلهم.

تذكّر الكاتب تلك الأيام عندما قرأ تصريحات وزير الداخلية الليبي، عماد الطرابلسي، بشأن فرض الحجاب الإجباري ومنع الاختلاط. وأثارت هذه القرارات جدلاً واسعاً، فبعضهم اعتبرها تعزيزاً للقيم الدينية، بينما رأى آخرون أنها تكرار لسياسات فرض أسلوب حياة أحادي على مجتمع متنوّع ستؤدّي إلى الانقسام. يستند المؤيّدون إلى أن هذا هو شرع الله الذي يجب فرضه، أو أنها "شأن داخلي ليبي"، فيما يرى المعارضون أن ما يحدُث هو تكرار لتجارب الإسلام السياسي في محاولة فرض نموذجه على الدولة كلّها، وإقصاء باقي الأفكار والأيديولوجيات وإلغائها، كما أن التجربة أثبتت أن ما يحدث في أيّ دولة عربية لا يمكن عزله عن التأثيرات الإقليمية، مشيرين إلى أن تحرّكات مثل "الربيع العربي" أظهرت كيف تنتقل الأفكار والحركات بسرعة بين الدول. تعمل الجماعات الإسلامية خاصّة عبر الحدود، وتستفيد من أيّ تجربة تُظهِر نجاحاً في تطبيق رؤاها، مثلما حدث مع تجربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

منطقتنا بحاجة إلى عهد جديد يدعم التعايش بدلاً من التمييز

قرارات فرض رؤية موحّدة على المجتمعات دائما ما تثير التساؤلات، والتاريخ العربي مليء بأمثلة على فشل مثل هذه السياسات، مثل الثورة الإيرانية، التي فرضت نظاماً دينياً صارماً، ما أدّى إلى احتجاجات دورية، أبرزها في 2022 بعد مقتل مهسا أميني. في السودان، دفعت محاولات جعفر النميري وعمر البشير فرض الحكم الديني بالقوة الجنوبَ المسيحي نحو الانفصال. وفي الجزائر، أدّت العشرية السوداء إلى صراعات دموية. تؤكّد هذه الأمثلة أن محاولات فرض نموذج أصولي تنتهي عادةً بمزيد من الانقسامات.

في مصر، بعد ثورة 2011، انقسمت القوى السياسية بشأن قضايا مثل تطبيق الشريعة، فأدّى ذلك إلى تمهيد الطريق لعودة القوى المضادّة للثورة. والسؤال هنا: هل تمثل هذه القضايا الأولوية الحقيقية لبناء الدول، أم أنها تعرقل مساعي التنمية والإصلاح؟... منطقتنا بحاجة إلى عهد جديد يدعم التعايش بدلاً من التمييز، فيجب أن تكون الأولويات موجّهة نحو التنمية الاقتصادية، والتعليم، ومحاربة الفقر. القيم الجوهرية للدين تدعو إلى الحرّية والعدل والتضامن، وليس إلى فرض قيود اجتماعية باسم الدين، فالقرآن الكريم يؤكّد التنوع والتفاهم، كما في قوله تعالى: "لا إكراه في الدين" (البقرة: 256)، وقوله: "وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا" (الحجرات: 13). الدين الحقيقي يجب أن يكون رحمةً وسلاماً، ومصدراً للتعايش لا أداةً للقمع. المطلوب هو نموذج جديد قائم على التعدّدية والتسامح، بدلاً من إعادة إنتاج نماذجَ الماضي، سواء الدينية أو السلطوية.

يبقى السؤال: هل تتعلّم القوى الأيديولوجية والسياسية في بلادنا العربية من إخفاقات الماضي، أم تستمرّ في تكرار الأخطاء ذاتها؟ وكيف يمكننا (في المنطقة العربية) الوصول إلى صيغة تعايش تجمع مختلف الاتجاهات والأفكار من دون الدخول في صراعات صفرية وحروب أهلية، كما حدث في سورية وليبيا، وكاد أن يحدث في مصر؟

ينقلنا هذا إلى دور الأنظمة الحاكمة، وفكرة دولة المؤسّسات، التي يمكن فيها تداول السلطة بسلاسة، أما حكّامنا فدوماً يعملون بمبدأ "أنا أو الفوضى".

DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017