15 نوفمبر 2024
يحدث في البحرين
عندما يتحدّث وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، قبل أيام، بشخصه ولسانه، عن استمرار حكومة البحرين في استجواب المواطنين الشيعة من رجال الدين والساسة المعارضين، واحتجازهم واعتقالهم (بلغته بالضبط)، فذلك يعني أن ملف حقوق الإنسان في هذا البلد موضوع على طاولة صنّاع القرار في واشنطن بجدية، وأنه ليست فقط منظمة العفو الدولية، ومنظمات حقوقية أهلية بحرينية ودولية غير قليلة، لا تتوقف عن التأشير إلى الجاري في البحرين من سوءاتٍ مقلقةٍ بشأن أوضاع المعتقلين والمحتجزين، وبالضرورة بشأن التأزم الحادث بين السلطة ومكون مهم في المجتمع، وبين السلطة والمعارضة التي عليها ما عليها هي الأخرى من مؤاخذاتٍ منظورة. وعندما يعطّل الكونغرس الأميركي صفقة مبيعات أسلحة للبحرين (3,8 مليارات دولار)، قبل عام، بسبب نقصان حقوق الإنسان هناك، فهذا أمر ينطوي على ما ينطوي عليه بشأن وصول العلاقة بين واشنطن والمنامة إلى تخوم أزمةٍ مضمرة، يبدو أن لوبياتٍ نشطت في مسعى لحلحلتها، نجح في الإفراج عن الصفقة أخيرا، وفي أن تأذن الخارجية لوزارة الدفاع بإتمام الصفقة، لا سيما أن شراهة دونالد ترامب لبيع السلاح، وحصد الأموال من دول الخليج، لا تجعل طواقمه على حساسيةٍ خاصةٍ فيما يتعلق بحقوق الإنسان، فلا تعطي أمر هذه الحقوق مكانةً في بناء العلاقات مع الدول القادرة على دفع الأموال لشراء السلاح وغيره. والظاهر أن شيئا من التذاكي (المفضوح) له نفعه في مسألة البحرين هذه، وما قد يماثلها، من قبيل قول مسؤول أميركي في تبرير إتمام صفقة السلاح هذه، قبل أيام، إن الولايات المتحدة تجري مناقشات منتظمة مع حكومة البحرين بشأن حقوق الإنسان والإصلاح السياسي.
ولكن، هذه واشنطن وتلك حساباتها، ولا يحسن إيلاؤها كل الاعتبار عند النظر في المسألة الحقوقية في مملكة البحرين، الموصوفة دائما ومنذ عقود بعيدة، بأنها بلد ناهض ومتقدم في محيطه الخليجي، على صعيد حيوية المجتمع المدني سياسيا وثقافيا. ويغشى المرء المحب لهذا البلد وناسه، وكاتب هذه السطور منهم، أسف وأسى كثيران، وهو يلحظ أن الأخبار التي صارت تشيع، أخيرا، عن البحرين، وتتصدّر اهتمامات الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي، تكاد لا تتعلق إلا بأمرين، تواتر البيانات الدولية والمحلية عن تجاوزات غير هيّنة في ممارسات تعذيبٍ واعتقالاتٍ شنيعةٍ تجري، بهمّةٍ عالية هناك، بالتوازي مع احتجاجاتٍ والقبض على خلايا إرهابية. وتفوهات وزير الخارجية المعيبة، عن دولة قطر والمقيمين فيها، وكأنه في هذا يتوسل تذكير الناسين بأن لبلاده أيضا حجارةً ترميها في غضون الحصار الجاري، والأزمة المفتعلة.
يبعث التقرير الذي أشهرته، قبل أيام، منظمة العفو الدولية، "عام من القمع في البحرين"، على الفزع، من فظاعة ما تضمّنه من وقائع وثّقها، بشأن اعتقال 169 ناشطا معارضا وتعذيبهم وتهديدهم هم أو أقاربهم ومنعهم من السفر. وليس ثمّة ما هو أدعى للتقدير من أن يكون صادقا نعت الخارجية البحرينية تقرير المنظمة الشهيرة بأنه "غير دقيق"، لكن ميلا إلى الثقة بصحة ما جاءت عليه "العفو الدولية"، ومنه أن قتلى سقطوا في قمع الاحتجاجات، يتسرب إلى النفس، طالما أن ثلاث منظمات ناشطة في الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان تذيع تقريرا سمّته "غرف الموت"، جاء أوقعَ لغةً، وأكثر تعيينا لحوادث تسوّغ جزعا مما يجري في سجون البحرين، ومن ذلك تعرّض ناشطةٍ حقوقيةٍ لتعذيب واعتداءٍ جنسيٍّ عندما استجوبها جهاز الأمن الوطني في مايو/ أيار الماضي. وسيكون مبعث إعجاب لو باشرت السلطة النظر في هذه "المزاعم"، وردّت على التقرير ببيان مفصل، كما وعد مسؤول مختص، أفاد بأن حكومة بلاده تأخذ هذه الاتهامات على محمل الجد.
نعرف الحساسية الخاصة التي تتغلف بها العلاقة المتوترة في البحرين بين السلطة والمعارضة، ونعرف أن مبادرات طيبة تقدم بها الحكم، قبل أعوام، من أجل إنجاز مصالحةٍ وطنية، وطي ملف التأزم الذي لا يُراد له أن يتوقف، غير أن هذا كله لا يعمي أبصارنا عن مفزعٍ مقلقٍ كثيرٍ هناك، وأيضا عن ذيليةٍ ظاهرةٍ للسلطة هناك عندما تلتحق، من موقع المستضعف، بغيرها في الجوار.