يا مذهبجية قولوا عاش الأسد

18 يناير 2015

سوري في اسطنبول يحرق صورتي حافظ وبشار (مايو/2011/أ.ف.ب)

+ الخط -

أود أن أنقل مصطلحَ "المذهبجية" إلى عالم السياسة. لا يذهبنَّ تفكيرُ حضراتكم إلى أنني أقصد بالمذهبجية أتباعَ المذاهب من شيعة وسنة ونصيريين وإسماعيليين ودروز ومرشديين. إنما أعني الرجالَ والنساء الذين يقفون وراء مطربٍ يقدمُ أغنيةً تُعْرَفُ باسم "الطقطوقة"، ويرددون اللازمة التي يسميها إخوتُنا المصريون: "المذهب"، وهي الكلمة التي التقطها، فيما بعد، الموسيقار زياد الرحباني، فجعل نجمتَنا فيروز تغني:
- أنا عم غَنّي المَذْهَب، لما بغني ردوا عليه، وبَعْدُو نفسو المذهب، لولا قدرتو زيدوا عليه، وعودوا تبقوا عيدوا الكوبليه، وسَلّمْ لي عليه سلم!
والحقيقة أن سلام فيروز وزياد مغايرٌ، من حيث المعنى والمبنى، لسلام أحمد عدوية الذي غنى: بسلامتها أم حسن، من العين ومن الحسد. وبالنسج على منوال أحمد عدوية نقول: بسلامتها الأنظمة الديكتاتورية، من العين ومن الحسد، فهي تعمل؛ منذ لحظة إعلان بيانها الانقلابي ذي الرقم واحد، على إلغاء الغناء الفردي، والعزف المنفرد، والحرية الفردية، والمهارات الفردية، والآراء الفردية، ووجهات النظر الفردية المستقلة، وتُحَوِّل المجتمعات التي تحكمها إلى جماهير، ومجاميع، وجوقات، وكَوارث، ومذهبجية.
لم تكن الجماهير السورية، خلال العقود الزمنية الفائتة، تخرجُ من بيوتها مثلما خرجتْ "هريرةُ" التي أخبرنا الشاعر الأعشى أنها (تمشي الهوينى كما يمشي الوَجي الوَحِلُ)، وإنما كانت تندفعُ، من شدة الفرح والهيام، اندفاعاً، لتملأ الجو بالهتاف والتعييش، تمجيداً للقائد التاريخي، حافظ الأسد، الذي أرسله اللهُ لسورية المسكينة التي كانت تعيش، قبل ذا، بلا قائد، فأصبحت، بعدذا، تنعم بوجود القائد.
اعْتَبَرَتْ جماهيرُ اتحاد شبيبة الثورة حافظَ الأسد الشبيبيَّ الأول، وأسماهُ العمالُ الكادحون العاملَ الكادحَ الأول، وأطلقت عليه جموع الفلاحين لقبَ الفلاح الأول، وأطفالُ طلائع البعث خاطبوه باسم "الطليعي الأول". أما صغارُ الكَسَبة، فقالوا إنه أول كَسِّيبٍ صغير تفخر سورية بإنجابه؛ جرياً على طريقة الجواهري الذي قرر أن الأمة العربية تفخر بكون حافظ الأسد خيرَ مَنْ تلدُ.
لقد وعى هذا القائدُ التاريخي، وعلى نحو مبكر، خطورةَ أن يكون للفرد السوري رأيٌ في ما يخص بلاده من أحوال وسياسات ومآلات. ففي معظم برلمانات العالم الحر التي تهتم للأفراد، ولا تكترثُ للجماهير، يختلفُ الأعضاء فيما بينهم بالرأي، وتحتدم الأمور وتشتد، وفجأة يطبقُ أحد الأعضاء يده، ويكيل لزميله الذي يخالفه الرأيَ لكمتين، أصعب من فراق الوالدين، والآخر يرد عليه برفستين، تُغَيّبان صوابه، ثم يتقدم أعضاءٌ قريبون من العضو الأول، ليذودوا عن زميلهم، ويتصدى لهم أعضاء مقربون من الثاني، وإذا بالأمة التي يمثلها هذا البرلمان تصبح أضحوكة بين الأمم، وما تني الفضائيات المغرضة تعرضُ هذه اللقطات، كما لو أنها ضرب من ضروب الأعاجيب.
وأما عندنا، فحينما يطوي خبرُ قدوم القائد التاريخي الأسد لزيارة مجلس الشعب، يتراصُّ الأشخاصُ الذين أمر حضرتُه بتعيينهم بصفة أعضاء فيه، أمامَ المدخل، فما أن يصل حتى يباشروا التصفيق والهتاف، وأحياناً يكون لمبدأ (التفريد) دورٌ صغير في المسألة، إذ يستل أحد الأعضاء ورقة عليها أبيات من الشعر أو الزجل، ويشرع بإلقائها، فيكون لذلك دور مهم في رفع معنويات الأعضاء الآخرين، فيباشرون بالهتاف رقم واحد: بالروح بالدم نفديك يا حافظ. فإذا ما اشتد الحب، وبلغ حدود الهيام يسارعون إلى إنشاد الهتاف رقم إثنان الذي ينسجم، مرة أخرى، مع فكرة محمد مهدي الجواهري: حافظ، أسد، رمز الأمة العربية.
أخيراً: إن مبدأ الجماهيرية لا يتجزأ. فحينما بدأت أحداث الثمانينات في سورية، لم يقتل حافظ الأسد وأخوه رفعت أشخاصاً بعينهم، وعلى نحو إفرادي، بل قتلوا شرائح كبيرة من الشعب السوري، بالجملة، وهذا ما فعله، وما زال يفعله الوريث بشار الأسد منذ بداية الثورية السورية في مطلع 2011 وحتى تاريخه.
سحقاً للفرد.      


 

 

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...