وهل يجب أن تُعقد القمة العربية؟
متابعة أخبار تحضيرات القمة العربية المقررة في الجزائر مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، تتسبب بالملل بقدر ما تحمل على تمّني إلغاء المناسبة أو تأجيلها حتى إشعار آخر. وإن كان لفيروس كورونا من حسنات، فإنما إراحة الصحافيين من هذا العذاب في العامين الماضيين يبقى أحدها من دون شك.
وهل يجب أن تُعقد القمة طالما أن لا نية ولا مشروع لحل أي أزمة لأي بلد عربي؟ سؤال أمكن طرحه على معظم القمم الثلاثين الماضية لكنه يبدو أكثر إلحاحاً اليوم طالما أنه يندر العثور على بلدين عربيين اثنين لا يتبادلان القطيعة أو العداء، ولا بوادر لإبرام أي مصالحة لكي تكون القمة تكريساً احتفالياً لها مثلاً. طالما ألا تصوّر مشترك يجمع ما بين من سيحضرها للشكل الأنسب عربياً من العلاقات مع جيران العرب. لماذا يجب أن تُعقد القمة طالما أن حكايات العمل العربي المشترك في الاقتصاد والأمن الغذائي والمائي والبيئة والصحة وفتح الحدود صارت مجرد نكتة سمجة في الواقع العربي الحالي؟ النظام العربي الرسمي لم يعد مهدداً وقد استعاد شبابه ونجح بشكل منقطع النظير في وأد محاولات التحول الديمقراطي والتغيير، فلماذا إذاً القمة؟ أكاذيب حب فلسطين يمكن لكل عاصمة أن تخبرنا عنها على انفراد، فلمَ تكبُّد تكاليف السفر والإقامة والتنظيم إذاً؟ يريدون قمة عربية بينما وزراء الخارجية العرب عاجزون عن الاجتماع في حال وقعت الرئاسة الدورية للاجتماع على ممثلة الحكومة الليبية التي تعترف بها الأمم المتحدة. يكاد لا يمر يوم إلا وتنفجر أزمة جديدة بين بلدين عربيين أو أكثر، حتى إن قليلاً من سوء النية يتيح الاستنتاج أن هذه أنظمة لا يمكنها أن تستمر من دون أزمات مع الخارج بعدما أجهزت على أي تهديد محتمل لتسلطها من داخل البلد.
بلد واحد متحمّس لعقد القمة هو المضيف. ترغب الجزائر بأن تكون المناسبة إعلاناً رسمياً لعودتها الدبلوماسية الفاعلة بعد سنوات الموت السريري لعهد عبد العزيز بوتفليقة. الحكم ارتاح من حراك داخلي قضى عليه بالتدرج. ارتفاع أسعار النفط والغاز أمّن لخزينته وفراً مالياً يتيح تغذية الطموحات والأحلام والأوهام أيضاً. صار بإمكان الجزائر، بفضل أزمة الغاز العالمية، والحاجة الماسة إلى البلدان المنتجة والمصدّرة لهذه المادة، أن تتحدى وأن تعادي وأن تهدد. فرنسا يتراجع دورها في أفريقيا فتجد الجزائر الفرصة مواتية للتعاون مع كل مَن مِن شأنه تسريع القضاء على أي أثر فرنسي. العداء والكره طاولا اللغة الفرنسية التي تحلّ محلها الإنكليزية، ولو كانت الروسية أكثر انتشاراً عالمياً لاختارها ربما حكام هذا البلد على الأرجح لغة ثانية. تحالفات عالمية جديدة تولد من رحم رغبات إزاحة أميركا عن صدارة النطام الدولي، فتسارع الجزائر إلى مدّ اليد لروسيا والصين، وتتحين الفرصة لمزيد من توطيد العلاقات مع إيران. زيادة الجزائر منسوب التوتر مع المغرب إلى حدّه الأقصى يلاقي في طريقه أميّين في السياسة وفي غيرها، كقيس سعيّد، يتحمّس في الدخول بمعسكرات تشتري العداوات المجانية لبلده. تتبنى الجزائر أولوية إعادة نظام بشار الأسد إلى مقعده في الجامعة وتفشل لحسن الحظ، لكنها خسارة لا تثنيها عن التمسك باستضافة الاجتماع البليد، والويل لصحافي يتجرأ على التلميح إلى احتمال فشل القمة أو سعي بعض العواصم إلى تأجيلها، سيصبح فوراً عميلاً للمغرب ولإسرائيل.
إذاً حكاية قمة نوفمبر 2022 مصلحة جزائرية لاستعراض نفوذ بلد كبير وثري وصاحب إمكانات اقتصادية وبشرية هائلة، كلها مرمية في سلّة الفرص العربية المفوَّتة. الطموحات السياسية للجزائر تتجاوز المنطقة العربية، لكن حكامها يحتاجون إلى مشروعية عربية أولاً في عودتهم إلى مسرح الفاعل السياسي ــ الاقتصادي تُثقل وزنهم في تحالفاتهم المستقبلية المأمولة مع الخارج غير العربي.
للجزائريين أن يوافقوا على التوجه الرسمي لحكامهم في السياسة الخارجية أو أن يعارضوه، لكن يُستحسن إبقاء في البال أن هذا التوجه لا علاقة له بمصلحة عربية لكي تكون القمة تتويجاً له.